الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عم فؤاد صديق المشاهير

يعكس وجهه البشوش وعيناه المملوءتان بالحكايات والأسرار عنف المعركة التى خاضها بكل إصرار فى مواجهة قسوة الأيام، حتى إن مخالب الزمن تركت آثارها واضحة فى قسماته النابضة بطيب السريرة وصدق المشاعر، فبدت مساحات شعره وقد اجتاحها الشيب ولم تخل هيئته من انحناءة خفيفة.



 

على كرسى قديم شاركه الذكريات، يجلس عم فؤاد أمام المقهى الخاص به فى شارع شامبليون بوسط القاهرة والذى لم يزل يحتفظ حتى الآن ببعض الكراسى القديمة و«الترابيزات» الحديدية.

تستطيع أن تضبط عقارب الساعة على موعد حضوره اليومى إلى المقهى فى تمام الثانية عشرة ظهر كل يوم، وهو الموعد الذى ظل طوال عدة عقود يحافظ عليه وكأنه أحد الأسرار المقدَّسة.

عم فؤاد من مواليد أغسطس 1915؛ أى أنه يحتفل الآن بعيد ميلاده الخامس بعد المائة، إلا أنه مسجل لدى مصلحة الأحوال المدنية بتاريخ 26 يوليو عام 1927 لأنه كان «ساقط قيد».

عاصر فؤاد مهران الكثير من المقاهى التاريخية الشهيرة بالقاهرة، ورأى شوارع قصر النيل وطلعت حرب وسليمان باشا والشواربى وغيرها من شوارع وسط القاهرة عندما كان يسكنها الأجانب والبهاوات.

هو الآن لا يتذكر التواريخ جيدًا ولكنه يتذكر الأحداث، فأكد لنا أنه من مدينة طهطا بمحافظة سوهاج وأن جده السابع رفاعة محمد رافع الطهطاوى، ولم يحك له أجداده ووالداه عن هذا الجد، كل ما حُكى له كما قال معروف لدى الجميع وفى الكتب، عندما كان عمره 15 عامًا هرب مع أحد أصدقائه إلى القاهرة وذهب لأحد أقربائه كان يعمل مقاولًا فى شبرا فجعله يعمل فى «الفاعل» يحمل الطوب والأسمنت مقابل 7 قروش فى اليوم وسكن فى حجرة مع عشرة فى منطقة الشرابية بعشرة قروش فى الشهر.

«كنت أحصل على راتب كل يوم أتفسح وآكل به وفى يوم الإجازة أذهب للدهان الأصلى فى الحسين وكان صاحب المحل حيًا آكل كباب وكفتة وأدفع أربعة قروش».

وكانت الفسحة فى منطقة قصر النيل كأنها السفر إلى الخارج أو كأنى ذاهب للحج أو العمرة، فالسياح والأجانب والبهاوات والباشوات فى الشوارع وكان ممنوعًا دخول هذه المنطقة من يرتدى جلبابًا وفى حالة ضبط مرتدى الجلباب يتم القبض عليه والذهاب به لقسم الشرطة لدفع غرامة عشرة قروش، حاولت التسلل للمنطقة أربع مرات وفى كل مرة يتم القبض علىَّ وأدفع الغرامة.

عم فؤاد قال، إنه استمرفى العمل بالفاعل لمدة سنة بعدها تركها ليقوم ببيع الفاكهة فى الشارع: «كنت أشترى قفص العنب وأشيله وألف أبيعه فى شوارع شبرا وبولاق أبو العلا، كان الوزن بالوقة وليس الكيلو، وكانت وقة العنب تباع بـ بقرشين ونصف القرش، وبعد عام من بيع الفاكهة جاءت له عن طريق قريبه عبدالرحمن عبدالرحيم الذى كان يعمل «قهوجى» فى مقهى نادى العالم المصرى فى شارع شامبليون وظيفة صبى قهوجى.

قال عم فؤاد عن هذه الوظيفة: «كانت وظيفة مهمة وراقية، فلم يكن بمقدور أي شخص أن يعمل «قهوجى» فلا بُد أن يكون ذا وجه مقبول وملابسه مكوية ويضع الفوطة على يديه ويرتدى حذاءً لامعًا وليس كما هو الحال الآن، القهوجى يرتدى أى حاجة ويلبس شبشب وعدم الاهتمام بالشكل حتى أصبحت مهنة قهوجى الآن مهنة من لا مهنة له».

يذكر عم فؤاد عمله كصبى قهوجى فى مقهى نادى العالم المصرى كان روادها من النوبيين وراتبى كل يوم عشرة قروش وسكنت فى حجرة مع سبعة آخرين فى منطقة أبوالعلا بعشرين قرشًا فى الشهر والعمل من عشرة صباحا حتى العاشرة مساءً.

«وكان ثمن شرب الشاى على المقهى بثلاثة تعريفة والقهوى بقرشين والشيشة بقرش وكنت أحصل على بقشيش حوالى مليم وفى آخر اليوم أجد معى بقشيش 15 مليمًا».

عملت بهذه المقهى 9 سنوات وكان بجوار المقهى مطعم أسوان أدخل آكل نصف فرخة ورز وخضار وسلطات بثلاثة قروش ومليمين ونصف وأعطى لعم موسى الجرسون بقشيش مليمين ونصف.

وعن علاقته بوالديه، قال عم فؤاد أسافر لأبى وأمى مرة كل 6 أشهر وعندما كان عمرى 25 عامًا تزوجت ابنة عمى فى منزل والدى وكان جهازى سريرًا وكنبتين وأنجبت منها ابنى الكبير الذى يعمل حاليا بالزراعة فى البلد وعمره ثمانين عامًا.

كنت أذهب لزوجتى فى البلد كل أربعة أشهر وبعد عدة سنوات من زواجى أستأجرت مقهى بجوار سينما قصر النيل بعشرة جنيهات فى الشهر واعتبر الكثيرون هذا الإيجار غاليا جدا واستلفت من والدى 30 جنيهًا وقمت بتجهيزها من كراسى وشيش وترابيزات من الموسكى، وقتها كان سعر الشاى على المقهى قرشين ونصف والقهوة ثلاثة تعريفة. 

 وكان زبائنى فى هذا المقهى من الفنانين والكتاب منهم محمود شكوكو ومحمد سلطان وسيد مكاوى ومأمون الشناوى وكامل الشناوى ونجيب محفوظ وأخيرا خالد صالح وحاليا صبرى فواز. 

 «يحكى لنا عم فؤاد عن جوازاته الستة ويقول: أولها ابنة عمى والثانية من طنطا أنجبت منها أربعة أطفال وسكنت فى الشرابية والثالثة لم أنجب منها والرابعة كانت موظفة بحى غرب وأنجبت منها أربعة والخامسة كانت من عام وطلقتها بعد أربعين يومًا فقط». 

 وعندما سألناه عن السبب كان عمرها 45 سنة مهتمة بلبسها ومكياجها بس المشكلة كانت مهملة فى المنزل، يعنى تأتى قطعة جبنة صغيرة فى طبق كبير المفروض فى طبق صغير. 

 أما زوجتى السادسة موجودة معى الآن عندها 49 عامًا قريبتى كويسة جدا أحضر لها كل ما يريده  البيت ولم أعط لها مصروف بيت لأننى أشترى كل ما تريده وهذا ما كنت أفعله مع كل من زوجاتى اللاتى  رحلن جميعًا. 

 لدىَّ الآن أكثر من 35 حفيدًا لا أعرف عددهم بالضبط ولا أعرف أسماءهم كلهم وعندما أراهم أعرفهم أربعة من أبنائى توارثوا مهنة القهوجى واثنان موظفان ولدىّ ابن فى أمريكا وواحد توفى. 

 ومنذ عدة سنوات أجرت هذا المقهى الذى أجلس فيه حاليا والقريب من شارع شامبليون وليس لدىّ أصدقاء الآن بعد وفاة جميع أصدقائى. 

 ولا يعجبنى القهوجية الآن زمان كان المعلم أول ما ييجى المقهى كل صبيانه يرحبون به الآن مفيش كده وباسمع أن بعض القهوجية يضربون صاحب المقهى. 

 زمان كان فيه متخصص فى تحضير القهوى والشاى والمارككى الذى يقدم المشروبات للزبائن.

فالتقديم له أصوله ولابد أن يكون المارككى بشوشًا يرحب بالزبائن كلما رحب بالزبائن زاد البقشيش وزاد الإقبال على المقهى. 

 والآن لا يوجد تخصص فالقهوجى يعمل كل حاجة بالقهوة. 

 وبالتالى المهنة أصبحت ليست كما كانت زمان والزبائن كمان تغيروا. زمان كان رواد المقهى من الرجال ولا يستطيع شاب الجلوس على المقهى خوفا من والده أو صديق والده يراه.

وكان هناك احترام للكثير، ففى أحد الأيام عندما كنت صغيرًا ولعت سيجارة وأنا ماشى فى الشارع ووجدت فى وجهى رجلًا كبيرًا أخفيت السيجارة منه رغم أننى لم أعرفه.

 أما الآن الشبان والفتيات على المقاهى باسمعهم يتحدثون مع آبائهم فى التليفون بطريقة غير لائقة بعض الأحيان أسمعهم يشخطون فى آبائهم وأمهاتهم. 

 بالإضافة إلى الحوارات بين الشباب والفتيات على المقهى أصبحت أكثر جرأة، ولهذا عندما أجد أحدًا منهم يزيد من جرأته أطالبه بعدم الجلوس على المقهى. 

 رغم أننى عشقت هذه المهنة، فإننى الآن فى حالة ضيق منها وكنت أتمنى ألا يمتهن أبنائى هذه المهنة.

ولكن على العموم وسط البلد أرقى من مقاهى الأحياء الشعبية التى يتميز الكثير من روادها بالصوت العالى والحوارات غير اللائقة، لهذا لم أفكر فى فتح مقهى بجوار سكنى بالشرابية وأغلقت مقهى فتحته فى الخصوص وآخر عند كوبرى عبود.