الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«أخونة» الفن فى تركيا على يد «إردوغان»

فى مشهد عبثى ومسرحى للغاية، صَعِد مفتى تركيا «على أرباش» على منبر آيا صوفيا بعد تحويله من متحف إلى مسجد، حاملًا سيف غازى القسطنطينية «محمد الفاتح»، وذلك خلال أول صلاة جمعة تقام فى المكان منذ 86 سنة بحضور «رجب طيب أردوغان»، فجاء هذا المشهد مصداقًا لنبوءة العبقرى «جمال حمدان» بأن الأتراك ما هم إلا «مغول بقناع دينى» و«همج طفيليون بلا تاريخ». 



كانت هذه اللحظة ضمن 3 مشاهد حصلت فى تركيا خلال الأسبوعين الماضيين، عكست نزعة الرياء التركى العبثى وسياسة «الرقص على الحبال» التى وصلت الآن مستويات غير مسبوقة، فمن ناحية لا يريد الأتراك الانسلاخ عن الحداثة الغربية طمعًا فى الانضمام إلى المعسكر الأوروبى وهو حُلم يراودهم منذ سقوط الدولة العثمانية، ومن ناحية أخرى يستمرون فى تصدير أنفسهم على أنهم المرفأ الرسمى لإسلام القرن الـ21؛ أى الإسلام السياسى،  وهو ما ينعكس جليًا الآن فى تصرفات رعناء كدعم الإرهاب وتنظيم الإخوان والتدخُّل العسكرى فى ليبيا وسوريا والعراق. 

المشهد الثانى، حدث فى 21 يوليو الماضى،  عندما قدَّم حزب العدالة والتنمية التركى الإخوانى مشروع قانون للبرلمان بهدف تضييق الخناق على منصات التواصل الاجتماعى وفرض غرامات عليها بدعوى أنها تروج لـ«الرذيلة»، فى وقت تقول فيه صحف معارضة إن «إردوغان قام بحظر أكثر من 408 آلاف موقع فى البلاد حتى نهاية العام الماضى ووسط حملة قمع غير مسبوقة تطال عشرات الصحفيين».

أما المشهد الثالث، فهو الأكثر عبثية  وخطورة عن سابقيه وأول من غاب عن أعين وسائل الإعلام فى الآونة الأخيرة، إذ دخلت شركة «نتفليكس» الأمريكية للإنتاج التلفزيونى فى عراك ساخن مع حكومة «إردوغان» بعدما رفضت الأخيرة تصوير أحد مسلسلاتها باللغة التركية ويدعى (If Only) بذريعة أنه يروج لـ«الفاحشة» لأنه يتضمن ظهور شخصية مثلية، رغم أن المسلسل لا يحتوى على أى مشاهد حميمية، لكن الشركة أعلنت وقف تصوير المسلسل بشكل نهائى،  فيما صرح مخرج العمل «ألتيازى فاسيكول» لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية بأن هذه الخطوة تثير مخاوف عارمة على مستقبل الحريات فى تركيا. 

ورغم أن تصريح «فاسيكول» يبدو مثيرًا للاستغراب نظرًا لأن مصطلح «مستقبل الحريات فى تركيا» يبدو الآن ضربًا من ضروب التفاؤل ذلك أن تاريخ «إردوغان» وحكومته مع قمع الحريات - خاصة مع الصحفيين والأدباء والسينمائيين-معروف للجميع؛ فإن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد؛ حيث انتشرت بعد ذلك أنباء عن أن «نتفليكس» قررت إنهاء وجودها فى تركيا بشكل تام، خصوصًا وأن الحادث نفسه تكرر قبل ذلك بفترة وبالتحديد فى مايو الماضى،  مع مسلسل بعنوان (Love 101).

هذا المسلسل الذى يحكى قصة شباب مراهقين فى إحدى المدارس الثانوية باسطنبول، تعرَّض لحملة قمع رقابية شديدة من جانب جهاز يدعى «المجلس الأعلى للإذاعة والتليفزيون» وهو ذراع «إردوغان» الرقابية،  فطالب بحذف شخصية شاب مثلى يدعى «عثمان»، الأمر الذى رفضته الشبكة رغم أنها لا تزال حتى الآن تعرض فى تركيا مسلسلات بها شخصيات مثلية ومن دون أى رقابة حتى على المشاهد الجنسية العادية، كما هو الحال مع المسلسلين الأمريكيين (Orange Is the New Black) أو (Ryan Murphy>s Hollywood)، واللذين لايزالان يعرضان حتى الآن.

ومنذ شهور وفى حادث أثار ضجة واسعة، مارست الحكومة التركية ضغوطًا على «نتفليكس» لحذف إحدى حلقات مسلسل الدراما السياسية الأمريكى (Designated Survivor)؛ حيث إن الحلقة ظهر بها الممثل التركى الأمريكى «تروى كايلاك» وهو يجسد شخصية رئيس تركيا الذى كان اسمه فى المسلسل «فاتح توران»، ولأن هذه الشخصية كانت شريرة فى المسلسل، الأمر الذى وصفه «كايلاك» فى حوار مع مجلة «هوليوود ريبورتر» الأمريكية بأنه بمثابة «رسالة سياسية» للرئيس التركى.  

وهو أمر يذكرنا بحادثة اعتقال المخرج «على أوجى» فى 2017 لأنه أخرج فيلم (النهضة) الذى يروى فيها تفاصيل محاولة الانقلاب الفاشلة ومحاولة اغتيال «إردوغان وعائلته، وفيلم (الرئيس) الذى يحكى فيه تفاصيل عن حياة «إردوغان»، والمفارقة أن الرئيس التركى أشرف بنفسه على إنتاج الفيلم.

أغلب «أهل الفن» فى تركيا، خصوصًا العاملين بالسينما، هم ذو توجه ليبرالي/علمانى. وبالتالى هم أعداء طبيعيون لحزب رجعى كالعدالة والتنمية، فلم تخل العلاقة بين الطرفين من مشاكل، والأمثلة على ذلك كثيرة وأشهرها التحقيق مع «نجاتى شاشما» بطل مسلسل (وادى الذئاب)، لأنه ظهر فى إحدى الحلقات التى صورت حدوث انقلاب فى البلاد، والقبض على الممثلين «متين أكبينار» و«مجدت غيزين» لأنهما انتقدا سياسات الرئيس.

 لذلك من الطبيعى أن نرى مثلاً فى 19 يوليو الجارى،  الممثلة التركية الشهيرة «بيريت سات»، بطلة مسلسل (العشق الممنوع)، بأنه حتى ولو قررت «نتفليكس» سحب تواجدها من تركيا، فإن الشعب التركى «سيظل يحب المثليين ويحترم وجودهم»، وبعدها بيوم واحد خرج «ماهر أونال»، المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، ليهدد «نتفليكس» بشكل صريح، مطالبًا إياها بالتعاون مع الحكومة إذا أرادت الاستمرار فى عرض أعمالها داخل تركيا. 

ومن المعروف أن «ممارسة» المثلية الجنسية فى تركيا ليست محظورة ولا يجرمها القانون منذ 1923، ناهيك عن أن الدعارة ونوادى التعرى نفسها مرخصة بموجب القانون؛ بل حتى مشاهد التعرى فى الأفلام والمسلسلات تعرض من دون رقابة و«بيرت سات» نفسها تتفاخر بذلك، كما أن الأفلام الجنسية الصريحة يشرعها القانون وتعتبر تجارة رائجة فى تركيا.

وفى 2016، بلغ عدد العاملين فى مجال الدعارة بتركيا نحو 100 ألف شخص، وقدرت الأرباح المتعلقة بهذا القطاع بـ4 مليارات دولار سنويًا. ويكفى أن تركيا كانت مرتعًا لهذا النوع من الأفلام فى فترة السبعينيات مع وجود عدة محطات تليفزيونية محلية تبث الأفلام الإباحية المنتجة محليًا أو المستوردة على مدار الساعة. وحتى بعد انقلاب 1980 استمر الإنتاج التركى لتلك الأفلام.

لكن يبدو أن الأمر الآن هو فقط «مسرحية» يلعبها «إردوغان» ونظامه تمامًا كما يفعلان على الساحة الدولية السياسية، وشأن جميع المسرحيات، أحداثها خيالية ولا تمت للواقع بصلة، فتاريخ العداوة بين النظام التركى و«نتفليكس» معروف وقديم ذلك أنه فى 2017 خصصت شبكة «تى.آر.تى» المملوكة لـ «بيرات البيرق» صهر «إردوغان» فقرة كاملة فى أحد برامجها لتؤكد أن «نتفليكس» جزء من مؤامرة غربية لتشويه صورة الرئيس مستشهدة بمشهد من فيلم أمريكى أنتجته الشركة فى 2016 يدعى (Spectral)؛ حيث ظهر فى المشهد شبح يشبه «إردوغان».

ورغم طرافة هذا الأمر؛  فإنه  يعطى دلالات كثيرة على طريقة التفكير الـ«إردوغانية» الأحادية، وبعيدًا عن ذلك بدت فكرة الـ«مسرحية» التركية فى أقصى توهجها فى أبريل الماضى،  حينما أعلنت «نتفليكس» أنها بصدد تدشين مشروع درامى ضخم يصور مذبحة الأرمن وإبادتهم من قبل الأتراك، الأمر الذى يشكل حائطًا كبيرًا بين تركيا والعالم الغربى،  الذى يعترف بهذا الأمر، وهو ما أثار موجة غضب كبيرة لدى الأتراك الموالين للعدالة والتنمية و«إردوغان».>