الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

دراسة فقه الدولة (3)

 بأكثر من موضع أكدت الحلقات السابقة من الدراسة على أصالة مفهوم «الدولة المدنية» داخل المكون الحضارى للدولة المصرية.. وكيف أن محاولة غرس مفهوم «الدولة الدينية» – رغم أن الدين ذاته من المكونات الأساسية بالشخصية المصرية –يعد بمثابة غرس فى غير موضعه.. إذ إن الشخصية المصرية – بطبيعة الحال – ترفض التوظيف الدينى للتخديم على الأجندات السياسية لكيان الإسلام السياسي.



 

وأوضحت «الحلقة الثانية» أنه لسنوات مضت سعت التيارات الإسلامية (الرجعية) إلى تكريس صورة ذهنية سيئة السمعة لمفهوم العلمانية.. وربطها بمناقضة الإسلام ومصادمته.. وهو الأمر الذى دفع لاستخدام مصطلح «الدولة المدنية الحديثة» لتلافى عمليات التربص والتصيد (المغرضة) التى يصدرها التيار عن النماذج الحديثة للدولة؛ إذ ابتدع- فى هذا السياق – تيار الإسلام (الرجعي) هويات أسطورية تبرر تخليه عن هويته المجتمعية (الموضوعية)، مثل الترويج إلى أن «المسلم الإندونيسي» أقرب إليه – على سبيل المثال – من القبطى (المصري) الذى يشاطره المصير نفسه!

 

وكانت مثل تلك الهويات (الوهمية)الأسطورية، هى البوابة التى نفذ من خلالها الاستعمار التركى للمنطقة فى عهود سابقة.. وهو ما فاقم – بدوره – من مشكلة الطائفية (بل وبلورتها) داخل العالم العربي.. إذ ظل الدين، خلال تلك الفترة – كما يقول جمال حمدان – أداة ميسورة للسياسة تستغله القوة السياسية لتبرير وجودها (غير الشرعي)، تحت مَطيّة الخلافة!

 

روزاليوسف  

 

 على مساحة لا تتجاوز الكيلو متر مربع توجد منطقة تنفرد وتتميز بها مصر عن العالم كله، حيث تُجسد بشكل حى سمات المحبة والتسامح والتعايش بين الأديان السماوية الثلاثة.. فهى تضم : جامع عمرو بن العاص (أول جامع فى مصر وإفريقيا)، إضافة إلى الكنيسة المعلقة ومعبد بن عزرا اليهودي.. حيث يرتفع فى منطقة «مجمع الأديان» صوت الأذان وأجراس الكنائس وترانيم المعابد فى تناغم فريد. 

 

 فى مقاله المعنون : (التسامح الدينى : مصر نموذجًا) بجريدة الرياض السعودية يقول الكاتب السعودى – محمد على المحمود : مصر ورغم العراقة فى كل شيء، هى بلد اللا قبيلة واللا عشيرة.. بل هى بلد ذوبان القبائل والعشائر فى هوية نهرها العظيم، حيث تنسر الأصول التى هى مجرد أوهام أو خيالات أو أضغاث أحلام لصالح المكان «الوطن»، الذى هو الحقيقة الملموسة فى كل آن.. إنما هى مصر، ليست وطن التسامح الدينى والمذهبى فحسب وإنما هى وطن التسامح العرقى والثقافى أيضًا، مصر هى الوطن الذى استطاع تمصير الاختلاف فى بوتقة هوية الوطن، عاش المصريون جميعًا منذ فجر التاريخ كمصريين وكان التسامح مع كل أنواع الاختلاف الداخلى وتقبل الآخر الطارئ، واحتضان الثقافات المتنوعة.. وهو ما يميز مصر على الرغم من وجود بعض المتعصبين بين الحين والآخر. 

 

 مصر بقدر ما هى بلد التاريخ؛ فإن التاريخ فى مصر هوية تتمدد وتتفتح.. بينما هو لدى كثيرين «هوية انغلاق» و«اكتفاء وطرد».. عندما يتأدلج وطن، بأيديولوجية ضيقة ويشدد عليها، فلا بد أن يرتاب أولئك الذين هم خارج نطاق تلك الأيديولوجيا بوطنهم مَهما كانت درجة الحب والولاء.. «الإخوان» جعلوا الوطن مجرد أيديولوجيا عابرة للقارات، وجعلوا الوطن الحقيقى مجرد منصة انطلاق، وكان من المتوقع – وهو ما حدث بالفعل – أن يفعل الآخرون (الأقباط هنا) الشيء نفسه.. ولكن بصورة أخرى أو بشعارات غير أممية أو غير صريحة فى أمميتها.

 

 على مدار التاريخ، كانت ولاتزال مصر حاضنة للثقافات المختلفة فى قدرة (متفردة) على استيعاب تلك الثقافات ودمجها فى إطار الدولة المصرية.. لقد أتت إلى مصر ثقافات متنوعة، وخرجت منها منطلقة إلى العالم فأثرت فيه.. إن الثقافة فى مجملها تعبر عن حالة من التجديد المستمر.. لا تقف عند حد معين، ولها القدرة على الاستيعاب من دون أن ترتبط بمقاييس الاقتصاد.. إن مصر تتمتع بتنوع ثقافى غزير.. ففى مجتمع الصحراء الغربية – على سبيل المثال – حيث مطروح وسيوة والوادى الجديد وغيرها، نجد أن هناك ثقافات من فنون وآداب وعادات خاصة يتميزون بها، كما تمتد تلك  الثقافات إلى ما بعد حدود الدولة نحو المغرب العربي.. وإذا نظرنا إلى الجنوب – حيث أسوان والنوبة ومثلث حلايب – نجد امتدادًا ثقافيا آخر يتجه نحو السودان والعمق الإفريقي.. وكذلك الحال بالنسبة لشبه جزيرة سيناء، حيث الأنماط الثقافية والعادات التى تميزها، وكذلك ما تراه فى صعيد مصر والوجه البحرى من أنماط وتنوع ثقافى أصبح من أهم مكونات الشخصية المصرية.

 

1  التنوع الثقافى ودوره فى الدولة :

 

إن التنوع الثقافى هو حصيلة مجموع حريات الناس والخيارات التى يتخذونها، فى الوقت الذى يؤدى فيه «قمع الهويات» حتما إلى النزاع والاستبعاد والإقصاء الاجتماعى والاقتصادى والسياسى على أساس الثقافة.. وهو الأمر الذى يوقد العنف والتوترات. 

 

 ويساهم التنوع الثقافى فى تكريم ثقافة الاختلاف التى تعتبر جوهر الديمقراطية المعاصرة.. فالمجتمع الديمقراطى الحديث لا يمكن تحقيقه من دون إعطاء الفرصة للجميع لدراسة وإنجاز اختياراتهم الكبرى والمتنوعة.. وبواسطة ثقافة المشاركة يمكن تحقيق «الاندماج الوطني» و«الوحدة الوطنية» بخلق سياسات متعددة الثقافات تُشكل مدخلًا أساسيًا لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة.

 

2  التنوع الثقافى والانتقال إلى المدنية : 

 

إن «التنوع الثقافي» يُعبر عن تنوع إنسانى وقدرة على إدارة الاختلاف، واحترام ثقافة الآخر وحضارته وشخصيته والاعتراف بها، يقابله الأحادية و«الاستعلاء الثقافي» والحضارى الذى ينتج الإقصاء والتهميش، ويؤدى إلى التمييز، ويؤجج مشاعر الكراهية التى تؤدى إلى الصدام.. وقبول ثقافة الآخر لا يعنى الاقتناع بها، إنما هو إقرار بوجود الاختلاف معها. 

 

وباعتباره إحدى ركائز الدولة المدنية؛ فإن التنوع الثقافى حقيقة لا يمكن إنكارها لتطور الدولة الحديثة وإعلاء قيمة العقل والعلم والعمل للانتقال تدريجيا وسلميا من الأصولية (الجامدة) و(الضيقة) التى يتجاوزها الزمان وظروف المكان إلى المدنية (الحديثة) القائمة على التنوع والاختلاف المنتجين للفكر المتجدد. 

 

3   الأزهر كداعم للدولة الوطنية:

 

 

بحلول العام 2011 أصدر فضيلة شيخ الأزهر «أحمد الطيب» ما عُرف باسم «وثيقة الأزهر»، التى ضمت مختلف القوى السياسية وهيئة كبار  العلماء وممثلى الكنائس المصرية، وقادة الفكر ورؤساء الأحزاب والائتلاف، واتفق الموقعون على الوثيقة بأنهم ملتزمون بما يلى :

 

أولا : دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التى تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة ويحدد إطار الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب، بما يتوافق مع المفهوم الإسلامى الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا فى تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف فى الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوية التى تسلطن على الناس، وعانت منها البشرية فى بعض مراحل التاريخ. 

 

 ثانيا : اعتماد النظام الديمقراطى القائم على الانتخاب الحر المباشر الذى هو الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية، بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمى للسلطة، ومن تحديد الاختصاصات ومراقبة الأداء ومحاسبة المسئولين أمام ممثلى الشعب، وتوخى منافع الناس ومصالحهم العامة فى جميع التشريعات والقرارات، وإدارة شئون الدولة بالقانون وحده وملاحقة الفساد وتحقيق الشفافية التامة وحرية الحصول على المعلومات وتداولها. 

 

 ثالثا: الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية فى الفكر والرأى مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية واعتبار المواطنة مناط المسئولية فى المجتمع. 

 

 رابعا: الاحترام التام لآداب الاختلاف وأخلاقيات الحوار، وضرورة اجتناب التكفير والتخوين واستغلال الدين، واستخدامه لبعث الفرقة والتنابذ والعداء بين المواطنين، مع اعتبار الحث على الفتنة الطائفية والدعوات العنصرية جريمة فى حق الوطن ووجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل والتعويل عليها فى التعامل بين فئات الشعب المختلفة، من دون أى تفرقة بين الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين.

 

خامسا: تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية والتمسك بالمنجزات الحضارية فى العلاقات الإنسانية المتوافقة مع التقاليد السمحة للثقافة الإسلامية والعربية، والمتسقة مع الخبرة الحضارية الطولية للشعب المصرى فى عصوره المختلفة.. وما قدمه من نماذج فائقة فى التعايش السلمى ونشر أن الخير للإنسانية كلها.

 

سادسا: الحرص التام على صيانة كرامة الأمة المصرية.. والحفاظ على عزتها الوطنية، وتأكيد الحماية التامة والاحترام الكامل لدور العبادة لأتباع الدينات السماوية الثلاث، وضمان الممارسة الحرة لجميع الشعائر الدينية من دون أى معوقات، واحترام جميع مظاهر العبادة بمختلف أشكالها من دون تسفيه لثقافة شعب أو تشويه تقاليده الأصلية وكذلك الحرص التام على صيانة «حرية التعبير» و«الإبداع الفني» و(الأدبي) فى إطار منظومة قيمنا الحضارية. 

 

 سابعا: اعتبار التعليم والبحث العلمى ودخول عصر المعرفة قاطرة التقدم الحضارى فى مصر وتكريس كل الجهود لتدارك ما فاتنا فى هذه المجالات، وحشد طاقة المجتمع كله لمحو الأمية واستثمار الثروة البشرية و.. تحقيق المشروعات المستقبلية الكبري. 

 

 ثامنا: إعمال «فقه الأولويات» فى تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية ومواجهة الاستبداد ومكافحة الفساد والقضاء على البطالة بما يفجر طاقات المجتمع وإبداعاته فى الجوانب الاقتصادية والبرامج الاجتماعية والثقافية والإعلامية.. على أن يأتى ذلك على رأس الأولويات التى يتبناها شعبنا فى نهضته الراهنة مع اعتبار الرعاية الصحية الحقيقية والجادة واجب الدولة تجاه المواطنين جميعا. 

 

 تاسعا : بناء علاقات مصر بأشقائها العرب ومحيطها الإسلامى ودائرتها الإفريقية والعالمية ومناصرة الحق الفلسطيني.. والحفاظ على استقرار الإدارة المصرية واسترجاع الدور القيادى التاريخى على اساس التعاون على الخير المشترك وتحقيق مصلحة الشعوب فى إطار من الندية والاستقلال التام، ومتابعة المشاركة فى الجهد الإنسانى النبيل لتقدم البشرية والحفاظ على البيئة وتحقيق السلام العادل بين الأمم. 

 

 عاشرا : تأييد مشروع استقلال الأزهر وعودة هيئة كبار العلماء واختصاصها بترشيح واختيار شيخ الأزهر والعمل على تجديد مناهج التعليم الأزهرى؛ ليسترد دوره الفكرى الأصيل وتأثيره العالمى فى مختلف الأنحاء. 

 

 حادى عشر : اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التى يرجع إليها فى شئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، مع عدم مصادرة حق الجميع فى إبداء الرأى متى تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة، وبشرط الالتزام بآداب الحوار، واحترام ما توافق عليه علماء الأمة.

 

4   وثيقة الأزهر للحريات : 

 

عاود الأزهر الشريف إصدار وثيقة جديدة للحريات فى 8 يناير 2012م، ونصها كالآتى : «يطلع المصريون والأمة العربية والإسلامية بعد ثورات التحرير التى أطلقت الحريات وأدركت روح النهضة الشاملة لدى مختلف الفئات، إلى علماء الأمة ومفكريها المثقفين كى يحددوا العلاقة بين المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية السمحة ومنظومة الحريات الأساسية التى أجمعت عليها المواثيق الدولية وأسفرت عنها التجربة الحضارية للشعب المصرى، تأصيلا لأسسها وتأكيدا لنواتها، وتحديدا لشروطها التى تحمى حركة التطور وتفتح آفاق المستقبل.. وهى حرية العقيدة وحرية الرأى والتعبير، وحرية البحث العلمى، وحرية الإبداع الأدبى والفن، على أساس ثابت من رعاية مقاصد الشريعة الغراء وإدراك روح التشريع الدستورى الحديث، ومقتضيات التقدم المعرفى الإنسانى، بما يجعل من الطاقة الروحية للأمة وقودا للرقى المادى والمعنوى، فى جهد موصول يتسق فيه الخطاب الثقافى الرشيد مع الخطاب الدينى المستنير، ويتألفان معا فى نسق مستقبلى مثمر تحدد فيه الأهداف والغايات التى يتوافق عليها الجميع.

 

 ومن هنا فإن مجموعة علماء الأزهر والمثقفين المصريين الذين أصدروا وثيقة الأزهر الأولى برعاية من الأزهر الشريف واتبعوا بيان دعم حراك الشعوب العربية الشقيقة نحو الحرية والديمقراطية، قد واصلوا نشاطهم وتدارسوا فيما بينهم القواسم الفكرية المشتركة فى منظومة الحريات والحقوق الإنسانية، وانتهوا إلى إقرار جملة من المبادئ والضوابط الحاكمة لهذه الحريات انطلاقا من متطلبات اللحظة التاريخية الراهنة، وحفاظًا على جوهر التوافق المجتمعى ومراعاة للصالح العام فى مرحلة التحول الديمقراطى، حتى تنتقل الأمة إلى بناء مؤسساتها الدستورية بسلام. 

 

أولا : حرية العقيدة : 

 

 تعتبر حرية العقيدة وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع، القائم على المساواة التامة فى الحقوق والواجبات حجر الزاوية فى البناء المجتمعى الحديث، وهى مكفولة بثوابت النصوص الدينية القطعية وصحيح الأصول الدستورية والقانونية إذ يقول المولى عز وجل «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغي» ويقول «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» ويترتب على ذلك تجريم أى مظهر للإكراه فى الدين أو الاضطهاد أو التمييز بسببه فلكل فرد فى المجتمع أن يعتنق من الأفكار ما يشاء، من دون أن يمس حق المجتمع فى الحفاظ على العقائد السماوية، فللأديان السماوية الثلاثة قداستها، وللأفراد حرية إقامة شعائرها من دون عدوان على مشاعر بعضهم أو مساس بحرمتها قولا أو فعلا ومن دون إخلال بالنظام العام.

 

ثانيا : حرية الرأى والتعبير : 

 

 حرية الرأى هى أم الحريات كلها، وتتجلى فى التعبير عن الرأى تعبيرا حرا بمختلف وسائل التعبير من كتابة وخطابة وإنتاج فنى وتواصل رقمى، وهى مظهر الحريات الاجتماعية التى تتجاوز الأفراد لتشمل غيرهم مثل تكوين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، كما تشمل حرية الصحافة والإعلام المسموع والمرئى والرقمى، وحرية الحصول على المعلومات اللازمة لإبداء الرأى، ولا بد أن تكون مكفولة بالنصوص الدستورية لتسمو على القوانين العادية القابلة للتغيير وقد ااستقرت المحكمة الدستورية العليا فى مصر على توسيع مفهوم حرية التعبير ليشمل النقد البناء ولو كان حاد العبارة ونصت على أنه «لا يجوز حرية التعبير فى القضايا العامة مقيدة بعدم التجاوز، بل يتعين التسامح فيها لكن من الضرورى أن ننبه إلى وجوب احترام عقائد الأديان الإلهية الثلاثة وشعائرها لما فى ذلك من خطورة على النسيج الوطنى والأمن القومى، فليس من حق أحد أن يثير الفتن الطائفية أو النعرات المذهبية باسم حرية التعبير وإن كان حق الاجتهاد بالرأى العلمى المقترن بالدليل وفى الأوساط المتخصصة والبعيد عن الإثارة مكفولا كما سبق القول فى حرية البحث العلمى، ويعلن المجتمعون أن حرية الرأى والتعبير هى المظهر الحقيقى للديمقراطية وينادون بتنشئة الأجيال الجديدة وتربيتها على ثقافة الحرية وحق الاختلاف واحترام الآخرين ويهيبون بالعاملين فى مجال الخطاب الدينى والثقافى والسياسى فى وسائل الإعلام مراعاة هذا البعد فى ممارساتهم، وتوخى الحكمة فى تكوين رأى عام يتسم بالتسامح وسعة الأفق ويحتكم للحوار ونبذ التعصب، وينبغى لتحقيق ذلك استحضار التقاليد الحضارية للفكر الإسلامى السمح الذى كان يقول فيه أكابر أئمة الاجتهاد «رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب» ومن ثم فلا سبيل لتحصين حرية الرأى سوى مقارعة الحجة بالحجة طبقا لآداب الحوار، استقرت عليه الأعراف الحضارية فى المجتمعات الراقية.

 

ثالثا: يعد البحث العلمى الجاد فى العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضية وغيرها قاطرة التقدم البشرى ووسيلة اكتشاف سنن الكون ومعرفة قوانينه لتسخيرها لخير الإنسانية، ولا يمكن لهذا البحث أن يتم ويؤتى ثماره النظرية والتطبيقية ومن دون تكريس طاقة الأمة له وحشد إمكاناتها من أجله. 

 

رابعا: حرية الإبداع الأدبى والفنى:

 

ينقسم الإبداع إلى إيداع علمى يتصل بالبحث العلمى كما سبق وإبداع أدبى وفنى يتمثل فى أجناس الأدب المختلفة من شعر غنائى ودرامى وسرد قصصى وروائى ومسرح وسيرة ذاتية وفنون بصرية تشكيلية وفنون سينمائية وتليفزيونية وموسيقية وأشكال أخرى مستحدثة فى كل هذه الفروع والآداب والفنون فى جملتها تستهدف تنمية الوعى بالواقع وتنشيط الخيال وترقية الإحساس الجمالى وتثقيف الحواس الإنسانية وتوسيع مداركها وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع، كما تقوم بنقد المجتمع أحيانا والاستشراف لما هو أرقى وأفضل منه، وكلها وظائف سامية تؤدى فى حقيقة الأمر إلى إثراء اللغة والثقافة وتنشيط الخيال وتنمية الفكر مع مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل الأخلاقية.

المصادر:

 

نص وثيقة الأزهر الشريف - بالعام 2011م

 

- نص وثيقة الأزهر للحريات - بالعام 2012م.