السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بكين تسعى لإعادة صناعة التاريخ عبر مسارين.. وواشنطن تقتفى الأثر: الحرب الدافئة!

قبل بضع سنوات، كان المسئولون الأمريكيون يأملون أن تشارك «الصين» بدور داعم داخل النظام الدولى الليبرالى، أو تشكل -على أقصى تقدير- تحديًا لنفوذ «الولايات المتحدة» فى غرب المحيط الهادئ. كما كان المتداول بين السياسيين الأمريكيين أن «بكين» ستسعى إلى دور إقليمى موسع، مؤجلة طموحاتها العالمية إلى المستقبل البعيد، وستقلل أيضًا من الدور الأمريكى فى منطقة الشرق الأقصى. ولكن، فى الواقع أظهرت «الصين»، فى عهد الرئيس «شى جين بينج» طموحاتها بأن تصبح القوة العظمى، وهى مستعدة لمنافسة «الولايات المتحدة» فى مكانتها العالمية، عبر انتشارها فى كل مكان تقريبًا.



 

تحليل كتبه «هال براندز» أستاذ الشئون الدولية فى كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة «جونز هوبكنز»، و«جيك سوليفان» الذى شغل منصب نائب مساعد الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما»، ومستشار الأمن القومى لنائب الرئيس «جو بايدن» من 2013 إلى 2014، أشارا فيه إلى المسارات التى قد تتبعها «الصين» فى المستقبل القريب للهيمنة على النظام الدولى، من خلال رصد وفهم طبيعة تحركات الحكومة الصينية الحالية على المسرح الدولى. وما هى أهم التحديات والمعوقات التى ستواجهها فى تلك المسارات! 

 

فقد أكد التحليل المكتوب فى مجلة «فورين بوليسى» أن الدولة الصينية التى كانت تخفى طموحاتها فى السابق، صارت تؤكدها الآن بشكل واضح وصريح، خاصة بعد أن أعلن الرئيس «شى» فى عام 2017، أن «الصين» دخلت (حقبة جديدة)، ويجب أن (تحتل مركز الصدارة فى العالم).

 

ثم أوضح أنه إذا كانت (القوة العظمى) هى الرغبة الحقيقية للصين، فهناك طريقان قد تسلكهما للوصول إلى ذلك: 

 

الأول، هو الطريق المعروف والدارج بين الاستراتيجيين الأمريكيين، وهو (التوسع الإقليمى) عبر المنطقة المحيطة للصين، وتحديدًا غرب المحيط الهادئ. وستركز «بكين» فيها على بناء التفوق الإقليمى كنقطة انطلاق لتصبح قوة عالمية.

 

أما الثانى، فهو مختلف تمامًا، لأنه يتحدى القوانين التاريخية للاستراتيجية، والجغرافيا السياسية. إذ سيركز هذا النهج على الالتفاف حول نظام التحالف الأمريكى، وتواجد القوات الصينية فى تلك المناطق، من خلال تطوير «الصين» لنفوذها الاقتصادى، والدبلوماسى، والسياسى على نطاق عالمى.. ويدور التساؤل الآن داخل الأوساط الأمريكية، حول أى طريق ستسلكه الحكومة الصينية. 

 

 

الطريق الأول

 

 

أوضح الباحثان الأمريكيان، أن الحكمة التقليدية تقول إن «الصين» ستحاول إرساء نفوذها العالمى من خلال تأسيس الهيمنة الإقليمية أولًا، اعتقادًا بأن «بكين» ستتبع منطقًا شبيهًا بمنطق «واشنطن» فى الماضى عندما أرادت أن تصبح قوى عظمى.

 

ثم شرحا أن «الصين» قد تجعل نفسها اللاعب المسيطر فى غرب المحيط الهادئ، وصولًا إلى منطقة «سلسلة الجزيرة الأولى»، التى تمتد من «اليابان»، ثم «تايوان»، إلى «الفلبين»، وما بعدها، وهى منطقة تمثل أهمية للعقيدة العسكرية الصينية بالفعل. 

 

وتوضيحًا لشكل التحرك الصينى فى هذا الطريق، فإنه سيتبع عدة اتجاهات، منها: استخدام حق (الفيتو) للخيارات الأمنية والاقتصادية لجيرانها. وتمزيق تحالفات «واشنطن» فى المنطقة. ودفع القوات العسكرية الأمريكية إلى أكثر نقطة بعيدة ممكنة عن شواطئ «الصين». 

 

وتعد النقطة الأخيرة فى غاية الأهمية بالنسبة للصين، لأنها إن لم تستطع القيام بهذا، فلن يكون لديها قاعدة إقليمية آمنة، يمكن من خلالها إبراز قوتها على مستوى العالم. وستواجه أيضًا تحديات أمنية مستمرة على طول محيطها البحرى، بسبب وجود المواقع العسكرية الأمريكية.

 

لهذا، يعد ضمن التحديات الصعبة أمام «الصين» فى هذا السيناريو، احتفاظ «واشنطن» بمواقع عسكرية قوية على طول «سلسلة الجزيرة الأولى». فببساطة، لا يمكن للصين أن تكون قوة عالمية حقيقية، إذا بقيت محاطة بحلفاء «الولايات المتحدة»، والقواعد العسكرية الأمريكية.

 

وهذا ما قد يفسر سر استثمار «بكين» بكثافة فى الدفاعات الجوية المتقدمة، والغواصات الهادئة، والصواريخ المضادة للسفن.

 

أما فيما يخص نقطة محاولة إضعاف علاقات «الولايات المتحدة» مع شركائها فى المنطقة الشرقية، فقد استخدمت «الصين» مزيجًا من الإغراء، والإكراه، والتلاعب السياسى. فمن ضمن التحركات الصينية فى هذا الصدد، هو ما روج له المسئولون الصينيون لفكرة (آسيا للآسيويين.. ومع ذلك، فهناك تحدٍ آخر ستواجهه الصين فى هذا الطريق، وهو صعوبة إخضاعها لمحيطها الإقليمى فى الوقت الحالى، بعكس الظروف التى أتيحت للولايات المتحدة فى الماضى، التى ساعدتها لتصبح القوى العظمى. فلم يواجه صعود «الولايات المتحدة» فى الماضى أبدًا دولة «اليابان» كقوة إقليمية كبيرة ومتحالفة مع قوة عظمى أخرى، ولم يكن عليها أبدًا أن تتعامل مع عدد المنافسين، مثل: «الهند، وفيتنام، وإندونيسيا،...»، وغيرها، كالذين تواجههم «الصين» على طول أطرافها الإقليمية والبحرية، ووقوع أغلب هؤلاء المنافسين في أحضان «واشنطن». 

 

ولكن هذا لم يضعف عزيمة «بكين» إذ نجحت جهودها -عبر الإغواء، والإكراه- فى تغيير التوجه الجيوسياسى لدولتى «الفلبين» و«تايلاند»، ولكنها أتت بنتائج عكسية فى التعامل مع «أستراليا» و«اليابان».

الطريق الثانى

وبالنسبة للطريق الثانى، فمن شأنه أن يقود «الصين» إلى الغرب أكثر من الشرق، من خلال بناء نظام أمنى واقتصادى جديد بقيادة «الصين» عبر الكتلة الأرضية الأوراسية والمحيط الهندى، بالتزامن مع إنشاء قوة مركزية صينية فى المؤسسات العالمية.

 

ولكن، أوضح الباحثان الأمريكيان، أنه فى هذا النهج، ستقبل «الصين» على مضض أنها لا تستطيع إزاحة «الولايات المتحدة» من «آسيا»، أو دفع البحرية الأمريكية إلى ما وراء «سلسلة الجزيرة الأولى» على الأقل فى المستقبل المنظور. وبدلًا من ذلك، ستركز بشكل متزايد على تشكيل القواعد الاقتصادية العالمية، ومعايير التكنولوجيا، والمؤسسات السياسية لصالحها.

 

وستكون البنية الأساسية لهذا النهج، هى القوة الاقتصادية والتكنولوجية، أكثر من القوة العسكرية التقليدية فى تأسيس القيادة العالمية، والغريب فى هذ السيناريو، هو اعتقاد الباحثين الأمريكيين، أن «الصين» قد تتبع نفس النهج الذى اتبعته «الولايات المتحدة» أيضًا فى القيادة العالمية، ولكن على طريقتها الخاصة!

 

فقد اتبعت قيادة «الولايات المتحدة» للنظام الدولى، التى ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وتم تعزيزها بعد نهاية الحرب الباردة، ثلاثة عوامل حاسمة، وهى: (القدرة على تحويل القوة الاقتصادية إلى تأثير سياسى)، و(الحفاظ على ميزة الابتكار عن بقية العالم). و(القدرة على تشكيل المؤسسات الدولية الرئيسية، ووضع القواعد الأساسية للسلوك العالمى).

 

وفى طريقها الثانى، ستسعى «الصين» لتكرار هذه العوامل فى رأى الباحثين الأمريكيين. وسيدعمها فى هذا الطموح الآخذ فى الاتساع ميزة إضافية، وهي مبادرة الحزام والطريق (BRI) عبر منطقة «أوراسيا»، و«أفريقيا». فإن بناء وتمويل البنية التحتية لهذا المشروع الضخم يضع «الصين» فى مركز شبكة التجارة، والروابط الاقتصادية التى تمتد عبر قارات متعددة.

 

وما يعطى هذا المشروع ميزة إضافية، هو (الاتجاه الإلكترونى) الذى تحاول «بكين» إنشاءه فى (طريق الحرير الإلكترونى، وهى مجموعة فرعية من مبادرة الحزام والطريق). إذ يعزز هذا الاتجاه هدف «الصين» المعلن فى عام 2017 بأن تصبح (قوة إلكترونية عظمى)، من خلال نشر التقنيات التأسيسية الصينية، وقيادتها فى وضع تلك المعايير فى الهيئات الدولية، وتأمين المزايا التجارية للشركات الصينية على المدى الطويل. يذكر، أنه أضحت هناك دلائل تشير إلى استغلال «الصين» لأزمة فيروس كورونا لدفع هذه الأجندة. 

 

وبالطبع، سيكون التطور التكنولوجى حاسمًا فى نتيجة هذه المنافسة، لهذا، سعت «الولايات المتحدة» إلى تقييد (طريق الحرير الإلكترونى)، والصعود التكنولوجى للصين من خلال تقديم شركات التكنولوجيا الصينية على أنها خطر غير مقبول على الأمن الدولى.

الموقف الأمريكى

 

تأتى كل هذه التحركات الصينية فى وقت يتراجع فيه دور «الولايات المتحدة» الخارجى كداعم أو محرك للنظام الدولى. وقد يكون هذا العنصر هو الأكثر خطورة بالنسبة لواشنطن على الإطلاق. 

 

فقد واصل الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» التأكيد على ضرورة الاستثمارات العسكرية والأمنية التقليدية، والتى تمنح «الولايات المتحدة» القدرة على الحفاظ على دورها كقوة متواجدة فى «آسيا». لكنه، أبدى اهتمامًا أقل بمواجهة التحدى العالمى الذى تفرضه «الصين». 

 

لهذا، تعد فكرة الاستثمار بكثافة فى الجيش الأمريكى مع اختزال الدبلوماسية والمساعدات الخارجية، وإفراغ شبكة العلاقات الأمريكية العالمية، وإضعاف أو التراجع عن المؤسسات الدولية يمكن أن يكون بنفس خطورة الفشل فى تعزيز القوة العسكرية الأمريكية، بسبب قدرة «الصين» على أن تملأ الفراغ الذى تركته «الولايات المتحدة» تدريجيًا، واستيعابها لبقية الدول إلى عالم من القوة الصينية المتنامية، فى غياب أى بديل قابل للمنافسة. 

 

وعلى المستوى الداخلى الأمريكى، فكان رد «واشنطن» ضعيفًا جدًا على جائحة فيروس كورونا حتى الآن، إذ جمعت بين الجهود الأمريكية الخرقاء لتوصيل رسالة للعالم بأن الفيروس نشأ فى «الصين»، وبين استجابة أمريكية محلية غير كفؤة على الإطلاق، وأيضًا غياب نسبى ملحوظ للقيادة الدولية للولايات المتحدة فى هذه الأزمة. فقد كان العالم يتوقع أن يرى «الولايات المتحدة» تقود الجهود الدولية لتنسيق التحفيز الاقتصادى، وتدابير الصحة العامة العالمية، ولم يكونوا متوقعين أبدًا أن تفشل الحكومة الأمريكية بشدة فى صياغة استجابة وطنية، ونشر معلومات دقيقة.

 

فى جملة ختامية أخيرة، أشار الباحثان إلى عدم نفاد الوقت أمام «الولايات المتحدة» لكى تضع خططًا تواجه بها الصعود الصينى السريع. مؤكدين أنه من الممكن ألا تأخذ «بكين» أيًا من المسارين السابقين، (إذا تعثر اقتصادها، أو نظامها السياسى)..!