
محمد جمال الدين
ترخيص للخيانة!
لم يخطر على ذهنى قَط أن من يرتكب فعل الخيانة، يمكن فى يوم من الأيام أن يحصل على ترخيص حتى يسمح له بارتكاب هذا الفعل، ولكن أثبت لى الواقع المعاش أنه صحيح، فلا بُد من الحصول على الترخيص حتى يسمح لأمثال هؤلاء بالقيام بهذا العمل الدنىء.
وتأكدت منه عندما شاهدت أفعال وتصرفات هذه الجماعة المجرمة التى تطلق على نفسها جماعة الإخوان المسلمين، صنيعة المستعمر الذى ساهم بأمواله المنهوبة من عرق ودماء المصريين فى نشأتها، مانحًا أياها الترخيص الأول، وبَعدها تتالت التراخيص وتنوعت ما بين قتل وتصفية أرواح وخصوم ونهب واحتيال لسرقة مال الغير، بحجة الجهاد فى سبيل الله وتطبيق شرعه على الأرض، حتى وصلنا إلى خيانة الوطن ووضع يدهم فى يد من يسعون لدمار مصر وشعبها، مقابل توفير المال اللازم لتنفيذ عملياتهم الإرهابية فى أبناء الوطن الذى باعوه بالرخيص (ولم يعد لهم مكانٌ فيه).. وأخيرًا تمنّوا علانية النَّيْل من قواته المسلحة التى لاتزال تحمى حتى الآن أسرهم المقيمة داخل مصر، يفعلون ذلك حتى يؤمّنوا الأغا التركى فى مخدعه، الذى تم تأسيسه بأموال الشعب القطرى المغلوب على أمره.. ما أقوله ليس من وحى خيالى، بل هو الواقع الذى يتمناه قادة هذه الجماعة الإرهابية وأذنابهم العاملون فى صحف وقنوات الشرق ومكملين الذين يروّجون ليل نهار لمصالح تركيا وقطر ويدافعون عنهما، فى الوقت نفسه الذى يشككون فيه لكل ما هو مصرى.
فبالأمس القريب خرج علينا أحد أبواقهم مطالبًا ومتهكمًا علينا فى مقال طويل عريض منشور فى إحدى نشراتهم الصادرة من لندن، بألّا نشمت فى وفاة «محمد مرسى» وكيف لا نترحم عليه ونتحدث عنه فى ذكرى رحيله مثلما نتحدث عن شهداء الوطن.. ولهذا البوق الهارب المقيم ما بين لندن وقطر الناعم بأموالها أقول: أولًا نحن لا نشمت فى أحد ونتمنى الرحمة لكل من توفاه الله، فهو الآن فى دار الحق وحسابه عند ربه.. ثانيًا الإخوان الذين تدافع عنهم هم أول من علمونا كيف تكون الشماتة والمعايرة، ألا تتذكر شماتتهم فى «جمال عبدالناصر» وفى رجال القوات المسلحة والشرطة الذين استشهدوا على أيدى جماعتك..
نحن لم ولن نشمت يا هذا، فالشماتة عند جماعتك داءٌ لا شفاء منه، ولكن يبدو أنك لا تتذكر احتفالاتهم عقب نكسة يونيو، وكيف سجد بعضهم شكرًا لله على هزيمة الجيش، التى عاد وكرّرها وتمناها حاليًا بوق آخر ولكنه هذه المرّة مقيم فى تركيا، اعتاد إثارة الزوابع بين الوقت والآخر، سبق أن تحدّث عنه وعن أمثاله من هذه الأبواق مستشار الأغا التركى «ياسين أقطاى» عندما وصفكم قائلًا: بأنكم الأدوات التى تستغلها بلاده لنقل رؤاها والترويج لسياستها وتأييد قراراتها وبث سمومها فى العالم العربى، ووجودهم فوق الأراضى التركية يُعد فرصة لا تقدّر بثمَن، وهو الأمْرُ الذى يتأكد بمجرد مطالعة صفحاتكم فى مواقع التواصل الاجتماعى، أو الاستماع لتصريحاتكم، أو مشاهدة برامجكم، أو معرفة توجهاتكم الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية، وفى الوقت ذاته الذى تدعمون فيه سياسات الأغا وتؤيدون تدخلاته فى شئون الدول العربية وتبررون قتله الأبرياء فى سوريا وليبيا، فيما يُعد دعمه للإرهاب فى مصر غاية سامية من وجهة نظرهم، فى الوقت الذى تصرحون فيه بالكذب أن الدولة التركية تنعم بأجواء الحرية والديمقراطية والأمن والسلام، وتحملت بثقلها الإقليمى والدولى، الدور الأكبر فى التعاطى مع الحدث العربى وقضاياه، استجابة لماضيها ودورها فى التاريخ الحضارى.. تصريحات جذابة وبراقة تمجد وتتفنن فى عشق إردوغان وديمقراطيته صادرة أسفًا عن مصريين اسمًا فقط، ولكنها تكشف أيضًا مدى خستهم (وندالتهم) وعمالتهم بعد أن باعوا شرفهم النفسى قبل شرفهم المهنى حينما قبلوا ووافقوا على دمار وخراب بلادهم، من أجل تمجيد النظام التركى الذى يُسبّحون به فى صلواتهم ويتباهون بديمقراطيته، بحُكم أنه النظام الذى يرعاهم ويكفلهم بحمايته لهم، فى حين أن هذا النظام نفسه يستخدم أقسى درجات الترهيب للصحفيين والإعلامين المعارضين له، وعلى إثر ذلك احتلت تركيا، المرتبة الـ154 من بين 180 دولة فى التصنيف الأخير لحرية الإعلام الصادر فى أبريل عن منظمة «مراسلون بلا حدود».. هذا هو بعض من كل من تاريخ ومنهج الخيانة الذى تأخذ به الجماعة الإرهابية وتمنح رخصتها لمن يتقن حفظه وتنفيذه أذنابها من القتلة والمأجورين ولمن انتسب يومًا زورًا وبهتانًا لأهل الإعلام.