السبت 7 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

الإنعاش في الإنعاش!

فى أوقات الأزمات، لا مجال للجشع.. المصلحة العامة فوق الجميع.. درء الخطر بأى ثمن هو اختيار أول واستراتيجى يجب أن يحتشد الجميع وأن يضحوا من أجله، لكن بعض المستشفيات الخاصة مؤخرًا بدأت فى استغلال حالة التكدس التى شهدتها مستشفيات العزل الحكومية، بسبب تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا، حيث تفتح باب استقبال الحالات المصابة وتخصيص غرف عزل لها، وبخاصة أماكن بغرف الرعاية المركزة، التى تحتاجها الحالات الحرجة والمتأخرة.. ولكن يتم ذلك عن طريق دفع فاتورة إقامة على طريقة «المقدم» حتى تسمح باستقبال الحالات التى تحتاج إلى رعاية، مستغلة تشبث أهالى المرضى الذين يكونون بين الحياة والموت بأمل إنقاذ أرواحهم من الموت بأى مقابل.



 

كانت وزارة الصحة والمستشفيات الخاصة قد دخلتا فى مواجهة مؤخرًا بعد رفض المستشفيات تطبيق التسعيرة التى حددتها وزارة الصحة وتتراوح بين 1500 إلى 10 آلاف جنيه لليلة الواحدة.

 

مبالغ خيالية

 

 تباينت أسعار التسعيرة من مستشفى لآخر ووصل بعضها لأرقام خيالية بين 40 حتى 100 ألف جنيه لفترة يتم تحديدها من قبل المستشفى، بخلاف مصروفات يومية أخرى تتخطى العشرين ألف جنيه، فعلى سبيل المثال توجهنا إلى مستشفى صغير فى منطقة المهندسين، أكد لنا موظف الاستعلامات الخاص أنه يستقبل حالات كورونا ويوفر غرف رعاية لها.

 

مبنى سكنى له أكثر من بوابة، تقف أمامه إحدى سيارات النصف نقل ينزل من صندوقها بعض العمال حاملين عشرات من أنابيب الأكسجين لنقلها إلى مخزن فى الدور الأرضى، توجهت إلى الأسانسير دون أن يسألنى أحد عن سبب دخولى المستشفى فلا يوجد أفراد أمن أو استقبال، واستقللت الأسانسير إلى الدور الثانى الذى كان خاليًا تمامًا، من الأطباء والعاملين، فبمرورى فيه اكتشفت أنه مخصص للعزل.

 

نزلت مرة أخرى إلى الدور الأرضى لأسأل عن مكان الاستقبال، فوصف لى أحد الأشخاص بالشارع الطريق، لأدخل من بوابة خشبية لمكان يبدو أنه مدخل خلفى للعمارة حيث تجلس سيدة أمام مكتب وإلى جانبها طبيب يرتدى بدلة العزل وثلاثة من الأشخاص غير ملتزمين بأى إجراء للوقاية على الرغم من خطورة المكان المتواجدين فيه.

 

وجهت سؤالى حول إمكانية توفر مكان للرعاية بالمستشفى لحالة مصابة بالكورونا، ليجاوبنى الطبيب الذى كان يقوم بجمع مبلغ كبير كان موجودًا على المكتب ووضعه فى «كيس بلاستيكى» فيبدو أن حالة سابقة قامت بإيداع المبلغ، بأن هناك مبلغ 70 ألف جنيه يتم دفعه كتأمين دخول الحالة.

 

وأضاف الطبيب أنه بخلاف مبلغ تأمين الدخول، يتم دفع مبلغ يومى يتراوح بين 17 حتى 23 ألف جنيه يتم تحديده حسب الوضع الصحى للحالة وحاجتها لجهاز التنفس الصناعي، فضلًا عن أن اليوم الأول يدفع 25 ألف جنيه مبلغ مقابل الإجراءات التى يقوم بها الأطباء.

 

وأشار الطبيب إلى أن المستشفى غير مسؤول عن نقل المريض، فيتم النقل عن طريق الإسعاف التى أقوم بطلبها، ليسألنى عن التحاليل الخاصة بالحالة والمسحة التى تؤكد أنها كورونا، لأقول إنها مجرد اشتباه بظهور الأعراض ولم أجرِ لها أى فحوصات، ليطلب منى إجراء تلك الفحوصات بالخارج ومن ثم أحضرها مع المريض. 

 

وأضاف أن هناك شروطا لاستقبال الحالة حيث إنه غير مسموح بوجود مرافق للحالة وأن شخصا واحدا فقط مسموحا بحضوره هو الذى يأتى لتسليم مبلغ الرعاية اليومى، على أن يكون التواصل مع الطبيب المعالج هاتفيًا، والحالة يتم إجراء اتصال «فيديو كول» لمرة واحدة يوميًا للاطمئنان على صحتها.

 

رحلة بحث

 

عجزا أمام المبالغ التى تعد بالنسبة لهما «فلكية»، والتى يعرضها عليهما موظفو الاستعلامات بالمستشفيات الخاصة، فى جولتهما للبحث عن سرير للرعاية لوالدهما صاحب العقد السابع من عمره، الذى أصيب بكورونا وتدهورت حالته الصحية كونه مريضًا بالقلب.

 

لم يتوقعا أن تكون تكلفة وضع والديهما فى غرفة الرعاية المركزة بهذا الشكل المبالغ، فكانا يتوقعان أنها قد تتراوح بين عشرة حتى عشرين ألف جنيه، فليس فى مقدرتهما أن يذهبا به إلى المستشفى الخاص، لكنهما فقدا الأمل أن يتم نقله إلى مستشفى حكومى، خاصة بعد أن تكدست الحالات المصابة بكورونا فى المستشفيات، التى لم يعد يتوفر بها أماكن لاستقبال حالات جديدة.

 

الأرقام القياسية التى جعلتهما أمام الأمر الواقع لضرورة تدبير مبلغ فلم يكن أمامهما حلً سوى المستشفى الخاص، بعد أن دخل والدهما فى حالة فقدان الوعى، ليتواصلا مع أحد المستشفيات الخاصة فى شارع السودان بمحافظة الجيزة، والذى كان يتوفر فيه سرير بالرعاية، مقابل دفع مبلغ تأمين أربعين ألف جنيه.

 

يقول الابن، الذى يعمل مقاولا، إن المستشفى طلب منهما أن يأتوا بالحالة والتحاليل الخاصة بها، موضحًا أن المستشفى لم يوفر سيارة إسعاف لنقل المريض، أو إجراء أى فحوصات أو أشعة، فهو يستقبل المريض ويتم وضعه بالرعاية لمتابعته فقط.

 

ويضيف أنه قام وشقيقه بحمل والدهما ونقله للمستشفى عن طريق سيارة صديقهما، ذلك بعد أن دفعا مبلغ التأمين المتفق عليه.. وتم وضع الأب داخل غرفة للرعاية بها أكثر من سرير، يفصل كل واحد عن الآخر ستارة مصنوعة من الجلد، بجانب كل منها جهاز للأكسجين وآخر لقياس نبض القلب، بحسب ما رأياه من نافذة زجاجية للغرفة، غير المسموح بالدخول لها.

 

تركا والدهما، لكنهما حصلا على رقم إحدى الممرضات للتواصل معه من خلالها، بعد أن قاما بدفع إكرامية لها، فيقول الابن: «خلال يومين وجدنا أنفسنا لا نستطيع أن نتعامل مع والدنا وشعرنا أننا وجدنا أنفسنا نتعامل مع عصابة»، مشيرًا إلى أنه فى إحدى المكالمات استنجد بهم الأب أن لا أحد يشرف على رعايته وأن حالته تتدهور وليس العكس، فلا يتلقى أى علاج.

 

المبلغ الذى دفعاه لم يكن فى حسبانهما لكنهما يسارعان لإنقاذ حياة الأب، ما جعلهما يبحثان عن مستشفى آخر لنقله فيها، ففى ذات المنطقة وجدا مستشفى آخر، وحينما تأكدا من توافر مكان بالرعاية وقبل نقله دفعا مبلغ 60 ألف جنيه تأمينا، ويوميًا يتم دفع مبلغ مالى للرعاية، فيقول: «خلال يومين دفعنا أكثر من مائة ألف جنيه.. المبلغ عالٍ علينا ودبرناه بالاستلاف لكنا نسعى لإنقاذ روح والدنا فسنحاسب على إهمالنا له ونبحث له عن الاهتمام».

 

8 آلاف جنيه فى خمس ساعات

 

رصدت «روزاليوسف» تجربة أخرى لسيدة ستينية لكنها لم تكن مصابة بكورونا فى هذه المرة، فبحسب ما قالت زوجة ابنها أنها كانت تعانى من حساسية صدر وأزمة ربو منذ عام 2005، وكانت فى هذه المرة تحتاج أن ينقذها الطبيب بوضعها على جهاز أكسجين فقط.

 

تشير زوجة الابن أن حماتها تعرضت لأزمة الربو وقامت بنقلها إلى أحد المستشفيات الخاصة بالشيخ زايد، واشتبهت الطبيبة المسؤولة عن الطوارئ فى ذلك التوقيت أن الحالة مصابة بكورونا، لتطلب منها إجراء أشعة على الصدر، التى أكد لها طبيب الأشعة عقب إجرائها أن تشخيص الحالة التهاب رئوى شديد وليس كورونا، وأنها تحتاج لأكسجين وبعض الأدوية فقط، لافتًا إلى أن الأشعة لم يظهر فيها بؤر كورونا.

 

وعلى الرغم من عدم تأكيد طبيب الأشعة إضافة إلى عدم ظهور أى أعراض اشتباه كورونا إلا أن الطبيبة أصرت أن الحالة اشتباه ولابد أن ترى مسحة للتأكد من الإصابة أو عدمها، وهى بمقابل 3200 جنيه، وبعد إجراء المسحة منحتها الطبيبة بروتوكولًا للعلاج بالمنزل.

 

تقول: «عدنا للمنزل والحالة تدهورت حتى فقدت وعيها تمامًا، طلبنا الإسعاف ورجعنا للمستشفى لكن الطبيبة تبدلت بطبيب آخر لانتهاء ساعات عملها.. هذا الطبيب تعامل معنا بشكل سيئ كأننا منبوذون لمجرد اشتباهه فى الحالة أنها مصابة بكورونا».

 

اضطروا فى هذا الوقت للعودة بها إلى المنزل مرة أخرى بعد أن قاموا بدفع مصاريف قيمتها 8 آلاف جنيه خلال خمس ساعات فقط هى فترة تواجدها بالمستشفى لإجراء فحوصات.

 

مفاجأة بوفاة الأم

 

تعيش أسرة أخرى صدمة بعد أن تفاجأوا بوفاة والدتهم عقب إلحاقها بقسم الرعاية بأحد المستشفيات الخاصة بمنطقة الدقى فى محافظة القاهرة، وإخفاء إدارة المستشفى الوفاة، مستغلين منع الزيارة والتواصل مع الحالة.

 

فيقول أحد الأبناء إن المستشفى استقبل حالة الأم التى تدهورت حالتها بعد إصابتها بكورونا باهتمام شديد، حصل هذا الاهتمام بعد أن تم إيداع مبلغ 100 ألف جنيه لتأمين مصروفات فترة أربعة أيام لإقامة المريضة بالرعاية، بإجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة ليتسنى لهم حجزها بغرفة الرعاية.

 

يحظر المستشفى الزيارات، ولم تكن هناك أى وسيلة للاطمئنان على الحالة، فبعد مرور أربعة أيام توجه أحد الأبناء إلى المستشفى ليكتشف أن والدته توفيت فى اليوم التالى لحجزها بالرعاية، فيقول بحزن شديد: «أخفوا عنا الوفاة حتى لا نطالبهم بالمبلغ المدفوع تحت الحساب.. انتظروا فترة الأربعة أيام تنتهى حتى لا نطالبهم بها».