الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أبطال إكرام موتى كورونا!

فى الوقت الذى يسارع فيه العالم إلى توفير لقاح لمحاصرة فيروس كورونا المستجد ووقف مؤشرات حالات الوفاة، يدخل أهالى ضحايا «كوفيد - 19» دوّامة مرهقة؛ بحثًا عن مُغسّل أو مغسّلة تبعًا لنوع الضحية وفقًا للشريعة الإسلامية، لإتمام إجراءات الغُسل فى ظل عزوف بعض المغسّلين عن هذه المهمة؛ خشية انتقال العدوى، خاصة فى ظل انتشار شائعات تقول إن الاقتراب من موتى كورونا يصابون بالفيروس مباشرة.



 

 

وعلى الرغم من تخوف البعض من انتقال العدوى، هناك أناس وهبوا أنفسهم لتلك المهمة وتطوعوا مرضاة لله؛ لخدمة الموتى وتغسيلهم؛ خاصة بعد أن طمأنتهم تأكيدات منظمة الصحة العالمية بأن جثث الموتى ليست معدية، خاصة مع اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة. «روزاليوسف» تواصلت مع بعض المتطوعين بغسل الموتى وبشكل خاص المتعاملين مع حالات الوفاة على إثر الإصابة بكورونا، الذين تحدثوا عن تجربتهم الإنسانية التى تؤكد أصالة ومعدن المصريين فى وقت الأزمات والكوارث.

 

يعانى سعد عبدالفتاح، مسئول الجمعية الشرعية بشبرا الخيمة، التى تُساهم فى عمليات نقل وتكفين الموتى منذ أكثر من عشر سنوات، فى هذه الفترة من عزوف بعض المتطوعين عن غسل ضحايا فيروس كورونا بعد تزايد حالات الإصابة وباتوا يتخوفون من انتقال الوباء إليهم: «بتجيلنا استغاثات لطلب مُغسل، لكننا نعتذر لعدم توافر الشخص الذى يتطوع لهذا الدور بالجمعية»، مشيرًا إلى أن المتطوع الوحيد لدى الجمعية اعتذر لظروف صحية بعد إجرائه عملية جراحية، فى الوقت الذى يأتيه فيه يوميًا أكثر من خمس استغاثات لإجراء عمليات التغسيل منطقة شبرا وأنحاء القاهرة.

 

أضاف سعد أن المتطوع كان يذهب لأى مكان يطلب مغسل سواء فى شبرا أو خارجها، خاصة مع توفير سيارة تتيح له فرصة التنقل بسهولة، بمرافقة اثنين من المساعدين: «كانوا بيعقّموا نفسهم ويلبسوا ماسكات وجوانتى كإجراء احترازى للتعامل مع حالات الوفاة»، لافتًا إلى أن الجمعية توقفت عن إجراءات الغسل بسبب مشاكل العدوى، لكنها توفر الأكفان والمقابر وسيارات نقل الموتى، مضيفًا أن عشرات الأشخاص طلبوا التدريب على غسل الموتى ليكونوا على قائمة الانتظار كمتطوعين.

 

إكرام ميت 

 

ونجحت أسماء عفيفى، صاحبة فكرة تطبيق «إكرام ميت»، فى استغلال التكنولوجيا لتوفير المتطوعين، وكذلك تدريب أى شخص على كيفية إجراء التغسيل، خاصة مع ارتفاع معدل إصابات الفيروس التاجى وعزوف المتطوعين واكتمال الطاقة الاستيعابية فى المستشفيات.

 

وإكرام ميت تطبيق إلكترونى يقدم خدمة تغسيل وتكفين موتى المسلمين مجانًا ابتغاء مرضاة الله، كما جاء فى الكتاب والسنة الصحيحة ودلت عليه المذاهب الأربعة، بهذا التوصيف الدينى يصادف المتصفح للتطبيق هذه الكلمات على صفحته الرئيسية والتى تسعى صاحبة فكرته إلى تهيئة المتطوعين بتدريبهم على كيفية الغسل وفقًا للشرع من خلال «فيديو جراف، وإعدادهم نفسيًا للمهمة، لكن هناك متطوعين انسحبوا من المهمة بسبب كثرة الشائعات حول انتقال العدوى، فبعضهم يقدمون حججًا كرفض الأزواج بالنسبة للسيدات، وعدم سماح الحالة الصحية بالنسبة للرجال، إلى أن تضاءل العدد وأصبح على أصابع اليد الواحدة: «مَن ينسحب فى هذا الوقت آثم، الغسل فرض كفاية إذا قام به شخص سقط عن بقية الأمة، لكن إذا كان لا يوجد غيره ورفض رغم علمه بالحالة يأخذ وزر»، بهذا التعليق تخفف أسماء من أمر الانسحاب المفاجئ للمتطوعين.

 

الغُسل بـ3000 جنيه

 

تواصل أسماء حديثها بأنها تسعى من خلال التطبيق الخيرى لضم أكبر عدد من المتطوعين خلال هذه الفترة؛ للنقص الحاد فى أعداد المُغسّلين بعد تخوفهم من غسل الضحايا، مشيرة إلى أنها قابلت العديد من المواقف التى حفّزتها لتنشيط التطبيق الذى أسّسته منذ قرابة عام، أبرزها قيام بعض تجار الأزمات باستغلال الوضع ونشر إعلانات بتوفير مغسلين بأسعار مبالغة وصلت فى حالات كورونا إلى ثلاثة آلاف جنيه.

 

أضافت الفتاة الثلاثينية: «فتاة من الفيوم توفيت وظل أهلها يبحثون عن مُغسلة لمدة يومين والجثمان بالمنزل، وشخص آخر لم يجد مُغسلة لوالدته فقام هو بغسلها، وهو أمر غير شرعى»، مؤكدة: «هناك سيدة لم تجد مُغسلة لوالدتها بسبب مخاوف العدوى، وإحدى المُغسلات ساعدتها على القيام بالغسل عن طريق الهاتف بشرح الطريقة خطوة خطوة»، مستكملة بأنها شعرت بأن أزمة نقص عدد المغسلين بها إساءة لحق الموتى.

 

 

إجراءات وقائية لحماية المتطوعين

 

 

وتابعت أنها قبل البدء فى حملة غسل موتى كورونا، قامت بالقراءة والبحث والتواصل مع الأطباء؛ للتأكد من إمكانية نقل العدوى، وتوصلت إلى أن الوباء لا يُنقل بعد الموت ويموت بموت الضحية: «بنسمع عن دكاترة نقلت لهم العدوى من مرضى الكورونا، لكنا لم نسمع عن انتقال العدوى لأحد المغسلين».

 

وشددت على أن ذلك لا يمنع من اتخاذ إجراءات احترازية أثناء عملية الغسل: «حاليًا بأتعامل مع أى حالة كورونا بتيجى ومبسألش عن سبب الوفاة، لأن لازم أخد احتياطاتى اللازمة وأهم حاجة سلامة المتطوع»: «يصلنى تصريح الدفن على الواتس آب لضمان عدم التواصل المباشر مع أى شخص، وبعدها يتم توفير ملابس واقية للمتطوع الذى يتم اختياره للقيام بالمهمة، عبارة عن بدلة واقية تغطى الجسم كاملًا ونظارة وجوانتى وقفاز، إضافة إلى الكفن الذى سيتم استخدامه وأدوات الغسل وزجاجة مُعقم يتم استخدامها لرش المكان الموجود فيه المتوفى».

 

مقابر مجانية لموتى كورونا

 

 

تواصل أسماء عفيفى حكاياتها بالإشارة إلى موقف كشفت من خلاله امتناع بعض العاملين بالمقابر عن دفن الموتى لمجرد الاشتباه فى إصاباتهم بالفيروس التاجى. وطرد ذويهم والسيارة التى تقلهم، لمجرد رؤية الملابس الواقية: «أب توفى والتُّربى رفض دفنه.. وقال مش هدفن ميت بكورونا عندنا»، لافتة إلى أن تطبيق إكرام ميت يوفر أيضًا مشروع قبور مصر وهى مقابر شرعية مجانية، لتواصل أسماء عملها وسط مناشدات زوجها وأسرتها بضرورة اتخاذ الإجراءات الاحترازية وعدم دخول مستشفيات العزل الصحى. لتستمر فى مهمتها التى تقوم بها مرضاة لوجه الله.

 

حرق ملابس الضحية

 

 

«أسعى ألا يُحرم الله أى شخص يموت فى تلك الأيام من الغسل الشرعى»، هكذا يبرّر كرم أبوإسماعيل، متطوع فردى لغسل الموتى بكفر الشيخ عمله قائلاً إنه يقوم بمهمة غسل المتوفين منذ 20 عامًا، مضيفًا أنه تعلم غسل المصابين بكورونا من بعض متمرسى تلك المهمة فى مستشفيات العزل: «أخذت عنهم بعض الأمور التى لم أكن أفكر فيها بالغسل العادى».

 

يضيف أن الأوضاع فى كفر الشيخ مستقرة بعض الشىء عن باقى المحافظات بالنسبة لأعداد حالات إصابات كورونا والوفاة، ما جعل لديهم القدرة على السيطرة بالاستجابة لأى استغاثة تطلب منهم، مشيرًا إلى أنهم يتلقون استغاثة أو اثنتين يوميًا، مشددًا على أنه يعمل على حماية المغسّل ومساعده بتوفير ملابس وقاية كاملة يتم وضعها فى سلة خاصة على أن يتم نقلها للعاملين بالمحارق ويتم التخلص منها، مستنكرًا مخاوف البعض من انتقال العدوى: «الميت مجرد ما مات ملابسه ومكانه هما العرضة لنقل العدوى ويتم تعقيمهما، لكن الميت نفسه لم يعد به ما يسبب نقل الفيروس مثل الرّذاذ».

 

 

عدوى الإخفاء

 

«مخاوفنا تكون من المخالطين للمتوفى حينما نذهب لغسله»، هذا ما قالته يارا الزهار، إحدى المتطوعات لغسل المتوفين بكورونا، مؤكدة أنها حينما تذهب للغسل قد تحتك بالمخالطين الذين قد يكونون من حاملى الفيروس، مستنكرة إخفاء بعض الأهالى سبب وفاة الضحية، موضحة أن صديقة لها أصيبت بكورونا بعد انتقال العدوى إليها جراء إخفاء أهل المتوفاة إصابتها بـ«كوفيد - 19».