الأربعاء 18 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
لا أستطيع التنفس

لا أستطيع التنفس

تلك هى الكلمات الثلاثة الأخيرة التى قالها الأمريكى (جورج فلويد) ذو الأصول الأفريقية قبل أن تصعد روحه إلى بارئها، وذلك أثناء تثبيته على الأرض بُغية اعتقاله من قبل شرطة المدينة، حيث قام ضابط شرطة بمدينة مينيا بولس (ديريك تشوفين) بالضغط على عنقه لمنعه من الحركة أثناء الاعتقال لأكثر من سبع دقائق، وهو يردد «لا أستطيع التنفس» فى وقت يصرخ بعض المارة طالبين من الشرطى التوقف عن ذلك، تم تسجيل الحادثة فى العديد من مقاطع فيديو الهواتف المحمولة التى تم تداولها على نطاق واسع على منصات وسائل التواصل الاجتماعى، والتى كان من نتيجتها فصل رجال الشرطة الأربعة وأحالتهم إلى التحقيق، بما فيهم المتهم الرئيسى الذى وجهت له تهمة القتل من الدرجة الثانية والقتل الخطأ.. مقاطع الفيديو التى تم تصويرها كانت من أهم أسباب اندلاع المظاهرات التى عمت العديد من المدن الأمريكية احتجاجا على قتل الرجل، وهى نفسها التى جعلت الكثيرين من جميع بقاع العالم يتندرون على احترام حقوق الإنسان فى أمريكا، خاصة أن هناك الكثير من الانتهاكات تقع يوميا فى أغلب المدن الأمريكية، وتحديدا ضد المواطنين أصحاب البشرة السوداء، وهذا ما جعل سكان مدينة مينيا بولس السود يبدون تخوفاتهم من أن يكون لأبنائهم نفس مصير فلويد الذى قتل خلال عملية توقيف للشرطة. فأكثر من مئة أمريكى من أصل أفريقى قتلوا فى ظروف مشابهة على يد الشرطة منذ 2014، على الرغم من أن الإدارات الأمريكية المتتابعة ومنذ سنوات تدشن العديد من التقارير، وتعلن المئات من البيانات وتصدر آلاف الانتقادات والاتهامات بشأن حقوق الإنسان، على اعتبار أنها الدولة العظمى التى تحمى حقوق الإنسان والأقليات فى جميع بقاع العالم، وتسير على منوالها بعض المنظمات التى تدين بالولاء والطاعة، فى إصدار الأحكام والإدانات على الدول التى تحددها الإدارة الأمريكية لغرض أو لآخر ( بالطبع أغلبها سياسى)، ولكن عندما يتعلق الأمر بوقائع بل جرائم فى المجتمع الأمريكى، لا نجد من يتحدث أو يصدر بيانا أو حتى انتقادا ، مثل منظمة (هيومن رايتس ووتش) غير الحكومية والمعنية بحقوق الإنسان الأمريكية الهوى والمقر، ولذلك لم أستغرب أن ترد المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية بثلاث كلمات لا رابع لها (لا أستطيع أن أتنفس) ردا على انتقادات أمريكية بشأن حقوق الإنسان فى هونج كونج، وكأنها تقول للكفيف والبصير: على من يتشدق ليل نهار بأنه شرطى العالم وضميره الحى المدافع عن حقوق الإنسان، لا يرد عليه إلا بما قاله جورج فلويد قبل وفاته بهذه الصورة المهينة لكل حق للإنسان فى العيش فى هدوء وسلام.. مما يؤكد للقاصى والدانى أن الولايات المتحدة التى توصف بمهد الحرية والديمقراطية، هى أكثر دول العالم صخباً وضجيجاً بالحديث عن حقوق الإنسان وشعاراته، كما أنها الدولة الأكثر استخداما لورقة حقوق الإنسان فى سياستها الخارجية، إلا أنها على صعيد الممارسة الفعلية تعد الدولة الأخطر على مر التاريخ التى انتهكت وتنتهك حقوق الإنسان، أما كل هذا الضجيج والصخب - الأمريكى - حول حقوق الإنسان لم يكن سوى ستار أخفى خلفه نزعة التوسع والسيطرة التى طبعت الإمبراطورية الأمريكية منذ نشأتها وقيامها فوق تلال من جماجم عشرات الملايين من الهنود الحمر، وهكذا فان حقوق الإنسان كانت هى اللافتة التى اتخذتها الولايات المتحدة ستارا لارتكاب أبشع ممارسات انتهاكات الإنسان فى تاريخ البشرية، وقد دفعت هذه المفارقة الصارخة أحد المحللين إلى القول بان الولايات المتحدة أكثر الإمبراطوريات دموية فى التاريخ.. كما تعد الأكثر وقاحة بين نظيراتها فى استخدام حقوق الإنسان كمبرر لتلك الدموية غير المسبوقة، وقريبا من هذا المعنى، ذهب المفكر الأمريكى ناعوم شومسكى إلى أنه (من وجهة النظر القانونية أن هناك ما يكفى من الأدلة لاتهام كل الرؤساء الأمريكيين منذ نهاية الحرب العالمية بأنهم مجرمو حرب، أو على الأقل متورطون بدرجة كبيرة فى جرائم حرب)، وتعد لغة الأرقام هى الفيصل للتدليل على هذا الأمر، فمنذ نهاية الحرب العالمية وإلى اليوم هناك 75حرباً وتدخلاً عسكرياً أو دعماً لانقلاب عسكرى نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية فى مناطق شتى من العالم، وكلها لا علاقة لها بالدفاع عن حقوق الإنسان أو إضاءة مشاعل الديمقراطية للشعوب المغلوبة على أمرها، رغم أن هذا ما تم الترويج له، بالطبع هذا يحدث فى نفس الوقت الذى يلاقى فيه المواطن الأمريكى الأسود شتى أصناف التفرقة والطائفية، وأعتقد جازما أن هذا هو النهج المتبع حتى الآن والذى أكده مؤخرًا مقتل جورج فلويد.