الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لعبة الذكاء بين المؤلف والجمهور!

(لمّا كنا صغيرين) واحدٌ من عدد ضئيل من المسلسلات الرمضانية التى يجوز النقاش حولها، فهى تضم ما يكفى من العناصر الفنية الجيدة التى تسمح بالتنافس فى هذا الموسم المرتبك. المسلسل من تأليف «أيمن سلامة» وإخراج «محمد على»، وبطولة: «محمود حميدة، خالد النبوى، نبيل عيسى، نسرين أمين، كريم قاسم وريهام حجاج». والملاحظة الجديرة بالاهتمام أنه رُغم أن المسلسل مصنوع برمته لتلميع «ريهام» ووضعها بين صفوف نجمات الدراما التليفزيونية؛ فإنها لا تستأثر بكل الاهتمام.



 

 ولا تبتلع الجزء الأكبر من الشاشة، وتلك ميزة تُحْسَب، ولا شك لصناع المسلسل الذى ينتمى لأعمال الإثارة والتشويق!. تلك التى يمكن أن نقول إنها مضمونة النجاح لأنها تثير فضول المُشاهد ورغبته فى كشف الأوراق المخفية! فى لعبة تقوم على الإجابة على هذا السؤال: مَن القاتل؟؟. ما يعنى أن هناك جريمة قتل وعدة متهمين مشتبه فيهم لكل منهم مبررات وأهداف، وقد يسقط فى الطريق قتيل آخر أو اثنان فتزداد حدة السؤال ويتحول إلى لغز كبير يثير شهية المُشاهد للمتابعة حتى آخر حلقة! 

 

إذا كنت من محترفى قراءة قصص ملكة قصص الجريمة «آجاثا كريستى»، التى تحتل أعمالها قائمة أفضل الروايات طوال نصف قرن، فلا بُد أنك تعلمت أن تلك النوعية تقدم مع كل جريمة عدة متهمين لكل منهم دافع للقتل، وعادة أو غالبًا ما يكون القاتل هو آخر شخص ممكن أن يكن محلًا للشك والريبة، والذين يقدمون هذا اللون من المسلسلات أحيانًا ما يلجأون لخداع المُشاهد وتضليله، والعبث بقواعد اللعبة، فكلما اقترب المُشاهد المحترف، من معرفة القاتل يقوم المؤلف مع المخرج بتغيير منطق الحدث لتلبيس الجريمة لشخص آخر. حتى لو كان هذا التصرف يضرب مصداقية العمل تمامًا، ويحدُث هذا غالبًا مع مسلسلات رمضان؛ خصوصًا أنها تبدأ التصوير قبل أن تنتهى الكتابة، ويستطيع المؤلف أن يتابع ردود فعل المشاهدين واقتراحاتهم على السوشيال ميديا، فيقوم بتغيير الحدث واختيار قاتل آخر لا علاقه له بالموضوع من بعيد أو قريب، وهو ما حدث العام الماضى مع مسلسل (زى الشمس)!.

 

(لمّا كنا صغيرين)  يقوم على متابعة مجموعة من الأصدقاء ينتمون إلى الطبقة الراقية وهم من خريجى الجامعة الأمريكية؛ لسبب ما تندس بينهم فتاة من بيئة متواضعة «نهى - نسرين أمين»، تصبح الصديقة الأقرب إلى الفتاة المدللة فى الشلة «دنيا- ريهام حجاج»، التى لا تمانع فى الإنفاق عليها ومساندتها ماديّا حتى تستطيع أن تلتحق مثل بقية أفراد الشلة بالجامعة الأمريكية، وبعد انتهاء الدراسة يلتحق الجميع بواحدة من أشهَر وكالات الإعلان يديرها «سليم - محمود حميدة»، الذى يسيطر تمامًا على مقدرات المجموعة ويورط بعضهم فى عملية ترويج مخدرات وقضايا فساد، وتُقتل «نهى» بشكل غامض، ويتم اتهام «حسن - نبيل عيسى» بقتلها؛ نظرًا لأنها كانت «حامل» منه وتطالبه بالزواج وتحاصره وتهدده أحيانًا، بمعنى أنه ظاهريّا كان لديه الدافع للتخلص منها، ويقوم شقيقه المحامى «ياسين - خالد النبوى» بالدفاع عنه ومحاولة تبرئته وبالتالى محاولة الكشف عن صاحب المصلحة فى قتل «نهى»، وتتوطد علاقة «ياسين ودنيا» وتتحول إلى قصة استلطاف وحب، ويسقط قتيل آخر هو «وائل - كريم قاسم» الصديق الطيب فى الشلة، ثم ترتبك الخيوط وتزداد الأحداث غموضًا بعد مقتل «سليم» نفسه التى كانت الأحداث ترشحه بقوة كى يكون القاتل. ومع وصولنا للحلقة الخامسة والعشرين لم يبق  فى دائرة الشك إلا «دنيا» نفسها. ولا أعرف كيف يمكن أن يحل المؤلف «أيمن سلامة» هذا اللغز بطريقة منطقية يصدقها الجمهور.

 

باستثناء بعض التطويل فى بعض الأحداث، يمكن أن نعتبر أن إيقاع العمل مناسب لنوعيته وأنه خَلق حالة من الارتباط الشديد بين الجمهور والمسلسل. وبأسلوب شديد السلاسة يقدم «محمود حميدة» شخصية الشرير الذكى الأنيق الذى لا ينفعل إلا فى أضيق الحدود، وهو ما يمكن أن يكون محل دراسة لشباب الممثلين الذين يعتقدون أن التعبير عن الشر يكون بكثرة الصراخ وتغليظ الصوت ورفع الحواجب والمبالغة الممجوجة. اهتمت «ريهام حجاج» بمظهرها أكثر من اهتمامها بالأداء الذى جاء فى كثير من المَشاهد على الوتيرة نفسها من العصبية ورعونة التصرف وبعض «السهوكة». «خالد النبوى» لم يتخل عن ابتسامة السخرية التى لازمته طوال الأحداث وكأنه الواثق العليم بخبايا الأمور.

 

ديكورات المسلسل بالغة الأناقة أكثر مما يحتاجه الموقف وطبيعة الشخصيات، أغنية المقدمة التى قدمتها «سميرة سعيد» من ضمن العناصر المشجعة والمضافة لمميزات المسلسل. 

 

يبقى أن ينتهى (لمّا كنا صغيرين) بشكل منطقى حتى يمكن أن نعتبره من أنجح مسلسلات عام الكورونا.>