الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نوستالجيا تغييب الواقع

كان من الممكن أن يكون مسلسل «ليالينا 80» امتدادًا لرائعة أديب مصر العالمى نجيب محفوظ «القاهرة 30» التى رسم فيها باقتدار أحوال مصر فى تلك الفترة حتى صارت مرجعية لفساد الفترة الملكية ولخصها فى الفيلم المخرج الكبير صلاح أبو سيف فى 5 شخصيات تاريخية لاتزال عالقة بالأذهان بصراعاتها النفسية وأفكارها عن الحرية والاشتراكية والأخلاق والفساد السياسى؛ خصوصًا فى ظل النهضة الإنتاجية الآن التى توافرت للمسلسل.



 

 

لكن المؤلف أحمد عبدالفتاح- والمؤكد أنه لم يعش الفترة التى يكتبها- أهدر فرصة خلق أجواءً مماثلة فى فترة من أخطر الفترات التى مرت بها مصر، واكتفى بتفاصيل وأحداث وشخصيات تصلح لكل زمان ومكان وأهمل قضايا مهمة وثرية دراميًا وتاريخيًا.

 

أما المخرج «أحمد صالح» فقد اهتم بحشد تفاصيل ظاهرية تاهت بعضها من دون مبرر واقتصرت على إبراز ماركات السيارات وأشهر المحلات وشرائط الكاسيت وموضة هذه الفترة والجهاد لإخراج صورة مطابقة لعصر الثمانينيات ترتكز على أغنية للمطربة الكبيرة وردة «ليالينا» ليبنى عليها دراما العمل وهى أغنية قدمتها أميرة الغناء عام 77 ضمن أغنيات فيلمها «آه يا ليل يا زمن» أى قبل فترة الثمانينيات، ولحنها الموسيقار العبقرى بليغ حمدى واستثمرها فى تيتر المسلسل الموسيقار «هانى مهنى» باقتدار.

 

المخرج والمؤلف بدلاً من متابعة نشوء وتمدد التعصب الدينى والتيارات الإسلامية التى أصبح لها شكل وأهداف ومتاجرة بالإسلام وراح ضحيتها بطل الحرب والسلام الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى بدأت الأحداث يوم رحيله وما زلنا نكتوى بنارها حتى الآن اكتفيا بتمريرها فقط عبر بوابة تجارة العملة وهل هى حرام أم حلال وناورا بظلال خفيفة على مشاكل الطبقة الوسطى ولم يكشفا ماذا حدث لها وأين ذهبت؟

 

أما «الانفتاح الاقتصادى» الذى هو من العناوين البارزة فى تلك الفترة التى شغلت الرأى العام لفترة طويلة  لم يكن لها سوى صور غير واضحة المعالم أو التفاصيل.

 

المخرج ترك جذور نشأة التعصب الدينى وبروز الإخوان الشيطانية.. وراح يرسخ ظاهرة التعصب الكروى عندما اكتفى فى تيتر المسلسل بصورة لكابتن الأهلى محمود الخطيب ولقطة لإحدى مباريات الأهلى وتجاهل تاريخ الزمالك ونجومية حسن شحاتة وفاروق فى تلك الفترة، وكأن الساحة الرياضية فى مصر اختزلت فى الأهلى رغم تاريخ الزمالك وإنجازاته وفوزه بأول بطولة أفريقية فى تاريخه والثانية فى تاريخ مصر بعد الإسماعيلى وحصوله لأول مرة  وعلى البطولة الأفروآسيوية فى تاريخ الكرة المصرية.. المخرج لم يعترف بأن الأهلى والزمالك هما عنصرا الأمة- كرويًا وبالتالى لجأ إلى تزييف الحقيقة وتأجيج التعصب الكروى الذى لم يكن موجودًا فى تلك الفترة ولعل الإعلان الشهير الذى انتشر فى تلك الفترة يؤكد ذلك عن معجون حلاقة ظهر فيه محمود الخطيب وطاهر الشيخ وفاروق جعفر وحسن شحاتة بالتساوى نظرًا لأهمية الفريقين وشعبيتهما. وفى الوقت نفسه أهمل الإشارة لفريق المقاولون العرب الذى حقق فى تلك الفترة بطولة الدورى المصرى من أنياب الزمالك والأهلى وأحرز أيضًا بطولة الكؤوس الأفريقية فى ظاهرة تكشف امتداد أندية رجال الأعمال وتأثيرها على الوسط الكروى وهى الأقرب شبهًا اليوم بوجود بيراميدز.

 

إن الأداء الاستثنائى الذى قدمه نجوم العمل قد حفظ ماء وجه المسلسل وأحداثه فى تأكيد جديد على قدرة الممثل على حمل مسئولية العمل فى وجود ورق ضعيف يخلو من الهدف خصوصًا النجمين الكبيرين خالد الصاوى «جلال أرسطو» وصابرين «رقية» بينما ظلم السيناريو موهبة وقدرات إياد نصار وغادة عادل «هشام ومريم» رغم ما بذلاه من جهد وطاقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولا يمكن هنا التقليل من قدرات أسماء أخرى مثل محمد الشقنقيرى ونهى عابدين وميدو عادل ونورهان وهاجر الشرنوبى ومنة عرفة وحتى الوجه الواعد رنا رئيس.

 

«ليالينا 80» تعثر فى خلق حالة جديدة تعيد للأذهان «القاهرة 30» رغم خصوصية الفترة التى بدأت باستشهاد بطل الحرب والسلام أنور السادات وبداية المد الإخوانى والسلفى والحكم على عصر الانفتاح الذى التهم الطبقة الوسطى وكان ضمن ورقة أكتوبر الشهيرة، وكيف أضر الانفتاح عملية التنمية بمصر واكتفى المؤلف والمخرج باكسسوارات الفترة وبسيارات البيجو وفيات  128 وفولكس فاجن وجروبى وومبى وسجائر الكيلوباترا وملابس تعود لعصور تالية لمجرد الإلحاح على استعادة فترة ليست فى أكمل صورها أو تأثيرها. 