
اقبال السباعى
كورونا والخرافات الدينية
من العار على البشرية أن يستغل كتاب الله عز وجل ليكون تفسيرًا لظاهرة سوف تنتهى كما انتهت جميع الظواهر الإنسانية منذ أن خلق الله عز وجل البشرية جمعاء وليكون الغاية من هذا الاستغلال توقف عطاء القرآن الكريم عند تلك الظاهرة يكون المفهوم من ذلك انتهاء عطاء القرآن الكريم وهذا خطأ فادح وعار على من يقول به لأن عطاء القرآن ممتد مع امتداد الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن قبيل هذا التفسير تلك الأفكار الجدلية التى تتفتق عنها أذهان بعض المرضى ممن يقولون أن القرآن الكريم قد تحدث عن كورونا منذ أربعة عشر قرنًا فى سورة «المدثر» وأنه قد حددها وحدد اسمها وطريقة التعامل معها والحكمة من ظهورها وذلك من خلال «لى عنق» آيات سورة المدثر وألفاظها لتكون طوع هذا التفسير المريض مع أن الأمر أسهل من ذلك الاحتيال بكثير لأن أى ظاهرة تحدث بالكون هى أداة تستحثنا على أن نعمل وفق ما أمر الله به بالتعامل مع الظواهر الكونية وهى لا تخلو إما أن تكون ضارة أو نافعة، فإن كانت ضارة اتخذنا من الوسائل العقلية التى خلقها الله فينا وجعلنا بها قادرين على تلمس الأسباب التى توصل إلى المصلحة وهى هنا الشفاء والتعافى من آثار هذه الجائحة وإنقاذ البشرية من الهلاك تحت أقدامها، وإن كانت الظاهرة نافعة وجب علينا أن نحصل نفعها وذلك هو الأسلوب الإسلامى المستنير للتعامل مع الظواهر الكونية التى خلقها الله عز وجل، فأى ظاهرة لا تخلو من ضرر أو نفع فإن كان فيها ضرر قاومناها وحصنا أنفسنا من شرورها وإن كانت نافعة تمسكنا بها وحافظنا عليها والعقل الذى حبانا الله به قادر على إدراك هذا المعنى، فنحن بعقولنا وما آلت الأمور من حولنا نستطيع بعون الله وقدرته أن ندرك الخير فنحصله وأن نعرف الشر فنبتعد عنه وآيات القرآن الكريم كلها بما فيها سورة المدثر توصل إلى هذا المعنى خاصة فيما يعم البشرية كلها الذين يؤمنون بالقرآن الكريم والذين لا يؤمنون ولو كان الأمر فى مقاومة «كورونا» ظاهرة قرآنية لأدى ذلك إلى الضرر الماحق بالإنسانية حيث سيكون الالتزام بمقاومة هذا الداء خاصًا بمن يؤمنون بالقرآن وحدهم مع أن الظاهرة إنسانية لا يسلم منها الذين يؤمنون بالقرآن والذين لا يؤمنون به ولو تم تطبيق هذا التفسير الملتوى الذى يقول به من يفسر سورة المدثر على هذه الظاهرة لأدى ذلك إلى جر القرآن الكريم لما يهلك البشرية وليس بما ينفعها وهذا ضد المقصود من سورة المدثر بل وضد المقصود من كتاب الله عز وجل ومن مبادئ التشريع الإسلامى نفسه.
إن الناس جميعًا عباد الله عز وجل وما يضر أى إنسان فى آخر الدنيا يضر المسلم وما ينفعه ينفع المسلم وقد قال الله تعالي: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا» وقال «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» ذلك ما يجب أن ينادى به من يدعى أن الأمر قد حسم فى سورة المدثر.
إن الخطر على الإسلام لا يكمن فى الإسلام ذاته ولا من لا يؤمنون به ولكن الخطر كل الخطر ممن ينتسبون للإسلام وهم يعانون أمراضًا نفسية وعقلية لا تفهم الإسلام بل تهدمه ولا يسعنى هنا سوى أن أدعو الله عز وجل أن يفتح علينا لنفهم دينه العظيم فهمًا صحيحًا بما يحفظ البشرية ويرفع عنها البلاء.