الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأم فى الدراما.. من «ماما» الحنون إلى «مامى» القاسية

تُعَد شخصية الأم واحدة من (التابوهات) التى تعامَل معها صُناع الدراما على مدار التاريخ بحذر شديد، على اعتبار أن ما يُقدَّم على الشاشة هو انعكاس للمجتمع، فمن منّا لا يتذكر الراحلة «هدى سلطان» أو «فاطمة تعلبة» فى مسلسل (الوتد)، هذه المرأة الريفية التى استبدلت الأعمدة الخرسانية فى بيتها المصنوع من الطين بأبنائها السبعة، فكانت هى (الوتد) الذى يقيم حياتهم، ومن منا ينسى «ماما نونا» التى قدمتها الراحلة «كريمة مختار» فى مسلسل (يتربّى فى عزّو) كنموذج للأم الحنون.



 

 

 الأم التى تفنى حياتها من أجل سعادة ابنها مما تسبب فى جعله شخصًا عديم المسئولية دون أن تقصد هى فعل ذلك، أمّا «عفاف شعيب» فى مسلسل (الشهد والدموع) فقد قدّمت نموذج السيدة الكادحة التى علمت أولادها عزة النفس والكرامة، وعدم التهاون فى الحصول على الحق، وإذا كان ما سبق هو مجرد نماذج أوردناها لشكل الأم فى زمن مضى؛ فيجدر بنا أن نشير إلى أن صناع الدراما هذه الأيام لديهم نظرة أخرى للأم العصرية، يكسرون من خلالها (التابو) المعتاد؛ ليبدأوا فى تصدير نماذج أخرى لصورة الأم، لم نعتَد عليها من قبل.. ولمزيد من التحديد، قررنا اختيار نماذج لأمهات قدمتها الدراما فى الأشهُر الستة الأخيرة.

 

الفرار من المسئولية

 

مسلسل (بخط الأيد) الذى انتهى عرضه منذ وقت قريب؛ حيث لعبت فيه «يسرا اللوزى» دور أم لثلاثة أبناء، تتراوح أعمارهم ما بين 9 و14 سنة، تقوم بعملها اليومى المعتاد وتوصيل أبنائها إلى المَدرسة، وتحضير الغداء، وتنظيف المنزل كأى أم مصرية، لكنها تقرر فجأة أن تختفى بعد أن تترك ورقة لزوجها تُعلمه فيها أنها أقدمت على الانتحار، ويظل التساؤل على مدى 45 حلقة عن مصير «نوارة» أو «يسرا اللوزى» وفى المقابل يزيد تفاعل متابعو المسلسل على (السوشيال ميديا)، فاختفاء الأم جعل بعض (الجروبات) النسائية تنشط بشكل كبير لتنهال تعليقاتهن بأن «نوارة» هربت من المسئولية وإنها ملت من تجاهل زوجها لها وتركت الأبناء كنوع من الانتقام ليشعر بحجم المسئولية التى كانت تتحملها، بينما تمنت أخريات أن تتاح لهن الفرصة ليُقدمن على ما أقدمت عليه بطلة المسلسل، فى محاولة للفرار من مسئولية الأبناء والمنزل والزوج وغيرها من الأعباء التى تتحملها المرأة ولا تجد أى منفذ للهروب منها.

 

ورُغم أن المسلسل مستوحَى أحداثه من أحد المسلسلات التركية؛ فإن الحلقة الأخيرة من المسلسل التى كشفت عن أن «نوارة» كانت مصابة بمرض السرطان وكانت بالفعل تنوى الانتحار لولا تدخُّل طبيبها المعالج لإنقاذها فقررت أن تختفى تمامًا لتلقى العلاج بمفردها دون أى دعم من أسرتها تسبب فى انقسام الآراء بين مؤيد ومعارض لاختفائها، فمنهم من يرى أنها كانت تمر بلحظات من اليأس وهروبها كان بسبب عدم قدرتها على تحمُّل نظرة أبنائها وزوجها لها وهى فى تلك الحالة؛ خصوصًا أنها كانت تطمئن عليهم من خلال جارتها، وآخرون يرون أن هذا الاختفاء عرَّض أبناءها لكثير من المشكلات النفسية؛ خصوصًا بعد خلافات بين الأب وشقيقة زوجته التى كانت دومًا تلومه على كونه أبًا فاشلًا ولم يُحسن رعايتهم، كما تعرَّض الطفلان أيضًا إلى تعنيف جسدى ولفظى من قِبَل جدة الأب المتشددة دينيًّا، التى كانت تعمل على ترهيبهما طوال الوقت، بالإضافة إلى حالة الاكتئاب التى أصابتهما بعد معرفه انتحار والدتهما بطرُق غير مباشرة.

 

بخط الإيد.. ومن الغدر ما قتل

 

لم تكن «يسرا اللوزى» وحدها هى النموذج الذى أحدث حالة من الجدل فى هذا المسلسل، فهناك دور التونسية «رشا بن معاوية» أو «نيفين» الذى كان له النصيب الأكبر من الصدمة لدى الجمهور؛ حيث جسدت من خلاله صورة الأم المستهترة التى يسافر زوجها من أجل لقمة العيش بينما هى تحاول بكل الطرُق إشباع رغباتها المتحررة فى التعرُّف على الرجال، وعندما بدأ يلاحظ ابنها الذى لا يتجاوز عمره 5 سنوات هذه التصرفات بدأت فى إعطائه عقارًا للكحة حتى يخلد للنوم، لكن الإسراف فى تناول الطفل للدواء أدى إلى تعرضه لوعكة صحية شديدة ليأتى الأب ويكتشف خيانتها، ورُغم مرض ابنها الذى كانت الأم سببًا رئيسًا فيه؛ فإنها لم ترجع عن طريقها، بل باتت مستمرة فيه حتى أوقعت بزوج صديقتها أيضًا لتجسد من خلال الدور صورة الأم القاتلة والخائنة، التى توجّه سهام غدرها تجاه أقرب الناس إليها. ورُغم اعتزال مؤلفة المسلسل «هالة الزغندى» للكتابة وإعلانها ذلك بشكل رسمى؛ فإنها قالت إن مسلسل «بخط الإيد» وبالأخص صورة المرأة أو الأم قد ظهرت بأنماط مختلفة ومتعددة، فكما رأيتم «يسرا اللوزى» و«رشا بن معوية» كان هناك أيضًا نموذج آخر جسدته « إيمان العاصى» كأم لابنتين فى عمر الزهور، تسعى دومًا لراحتهما وإسعادهما، ورُغم تعنيف الأب لها واتهامها لأكثر من مرّة بالخيانة والتعدى عليها بالضرب، ورُغم طلاقهما؛ فإنها دومًا ما كانت تتحدث عنه أمام ابنتيها بمنتهى الرقى والأخلاق محاولة بذلك العناية بصحة ابنتيها النفسية، كما أنها تحقق نجاحات فتفخر بها ابنتاها، وكذلك أيضًا «سوسن بدر» تلك المرأة القوية التى وجدت فى اختفاء ابنتها حالة من الحزن وكانت دومًا على يقين أنها ستعود، فأنماط الاختلاف هنا واردة ولا بُد من إبراز نماذج حية من أرض الواقع.

 

ختم النمر وغريزة الأمومة

 

ومن مسلسل (بخط الإيد) إلى مسلسل (ختم النمر) الذى يُعرض حاليًا، والذى قدّم نموذجين مختلفين لصورة الأم، إحداهما لزوجة الأب التى تجسدها «عفاف شعيب» أو «بدور» والتى تحدثت إلينا قائلة: «أغلب الأعمال الدرامية والسينمائية قدّمت دور زوجة الأب بشكل مسىء للغاية وصورتها كالوحش أو مصاص الدماء الذى يقوم دومًا بتعذيب أبناء الزوج لتكن الأفضلية لأبنائها فقط، لكنها نظرة خاطئة، فهناك نماذج يمتلكن من الحنان والطيبة ما هو أقوى من الأم التى أنجبت، وهذه هى شخصية «بدور» التى أجسّدها فى مسلسل (ختم النمر) زوجة الأب الحنون على ابن زوجها أكثر من ابنها، فهى تراه دومًا السند والدعم، ورُغم ظهور والدته ضمن أحداث المسلسل؛ فإن الجُمل الحوارية فى المسلسل كلها تشير إلى أن الأم هى التى تربّى وتسهر، وتصطحب أبناءها إلى المدارس، وتهتم وتراعى، وليست من تنجب وتتركهم لمواجهة مصيرهم، وهذه المقولة حقيقة 100 % ولا جدال عليها، فغريزة الأمومة غريزة فطرية وإن كان البعض من النساء يفتقدنها».

 

وفى المقابل، نرى الأم التى أنجبت وتجسدها «وفاء سالم»، التى تركت ابنها فى مراحل عمره الأولى بسبب خلافات مع زوجها وبعد عودتها له ظلت تؤكد أنها أخطأت حين تركته ونادمة كل الندم على كل هذه السنوات التى ظلت بعيدة؛ حيث اكتشفت أنها برحيلها عن ابنها قد اختارت طريق الهلاك.

 

 شبر مية.. اكسر للبنت ضلع

 

وفى مسلسل (شبر مية) عبّرت «نجلاء بدر» عن نموذج حى، نراه كثيرًا ونتعايش معه فى كل بيت مصرى، وهو نموذج للأم التى تتعامل بصرامة مع أبنائها دون أى نقاش أو حوار، فأطفال ومراهقو هذا الجيل لا يمكن التعامل معهم بشدة وأوامر وإهانة وضرب؛ لأن هذا يجعلهم يسلكون عدة طرًق، منها اللجوء للمخدرات أو البحث عن الشخص الخاطئ الذى يوهمون أنفسهم أنه يستطيع أن يسمع شكواهم، وهذا بالفعل ما حدث مع ناظرة المَدرسة التى جسّدتها «نجلاء بدر»؛ حيث لعبت دور امرأة مطلقة وأم لابنتين الأولى 5 سنوات والثانية فى مرحلة المراهقة؛ حيث تعاملت معهما بشكل صارم دون نقاش أو جدال، وحين علمت الأم بوجود علاقة عاطفية بين ابنتها الكبرى وأحد زملائها تعاملت مع الموقف بجهل شديد للغاية، وطبقت المَثل الشعبى الدارج (اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24) لتكون النتيجة انصراف البنت عن أمّها ونشوب خلافات بينهما لا حصر لها، وإحقاقًا للحق، أبدعت «نجلاء» فى تقديم هذا النموذج بشكل كبير لتوصيل رسالة مهمة للغاية لأمهات هذا الجيل، مفادها أنه لا بُد من إيجاد لغة حوار مع الأبناء حتى وقت ارتكابهم الأخطاء.

 

 بنات موسى.. والأم المحاربة

 

أمّا مسلسل (إلّا أنا) الذى لاتزال تُعرض حلقاته الأولى؛ فإنه يقدّم نماذج متعددة للمرأة بشكل عام، والأم بشكل خاص من خلال عدد من الحكايات المنفصلة المتصلة التى سيتم تقديمها فى 60 حلقة، لكل حكاية 10 حلقات.

 

والحكاية الأولى حملت عنوان (بنات موسى) قدمت فيها «وفاء عامر» دور امرأة صعيدية، ولكن على الطريقة (المودرن)، فهى أم لـ 3 بنات يموت زوجها وتتعرض لطعنة من عم البنات الذى سلب حقوقهن المادية، ورُغم مرارة فقدان الزوج، وغدر أخيه، فقد قررت أن تَسن أسنانها حتى تحصل على ميراث بناتها، فدخلت صراعًا مع الجدة والعم؛ لتقدّم نموذج الأم التى تدافع عن حق بناتها فى ورث أبيهن دون النظر للعادات والتقاليد وعدم إنجاب الولد وغيرها من المعتقدات الخاطئة.

 

 ورش الكتابة  هى السبب

 

وبعد سرد هذه النماذج تحدثنا مع الناقد «محمود قاسم» عن أسباب اختلاف صورة الأم فى الدراما المصرية بين الماضى والحاضر، الذى أكد أنه يأتى نتيجة الظروف المجتمعية المختلفة، فعلى سبيل المثال نجد فيلم (الجراج) الذى قامت فيه «نجلاء فتحى» ببيع أبنائها ليس لربح مادى وإنما من أجل حياة ومستقبل أفضل لهم؛ خصوصًا أنها ستموت وتتركهم للحياة بلا سَند أو مأوى، بعد تنصل الأب وهروبه من المسئولية لنتعاطف معها بشكل كبير، والكثير منا لا يلومها على هذا التصرف، وفى المقابل نجد نموذجًا للمرأة القاسية والجاحدة فى قلبها ومشاعرها، التى جسّدتها «غاده عبدالرازق» فى مسلسل (حدوتة مُرّة) والتى باعت أبناءها لتتكسب منهم، فالقسوة كانت ميراثها عن والدتها. ويضيف «قاسم» قائلًا: «غريزة الأمومة فطرية، ولكن أحيانًا ما نجد حالات شاذة وبعيدة عن المألوف، ومن الطبيعى أن تتصدر المَشهد فى الواقع، ومن الطبيعى أيضًا أن يتم تقديمها عبر عمل فنى، ولكن فكرة التركيز على هذه النماذج السيئة دون غيرها يعود إلى ورش الكتابة، فمعظم أفرادها يتعمدون الإثارة والخروج عن المألوف لجذب انتباه المشاهد». 