الأحد 8 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

جنة المانجروف!

«عايزينها تبقى خضرا.. الأرض اللى فى الصحرا».. على مدار السنوات الماضية ظلت كلمات الشاعر الكبير صلاح جاهين والتى تغنى بها الفنان محمد ثروت تتردد على ألسنة المصريين وارتبطت   دائما  بالمشروعات الزراعية الكبرى، وتناساها الفلاحون بعد أن سقطت الزراعة المصرية من اهتمامات الحكومات المتتالية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت اهتماما بالملف الحيوى باعتباره أحد ركائز الاقتصاد المصرى.



 

مشروع غابات المانجروف واحد من المشروعات القومية الكبرى التى تسعى الدولة من خلاله إلى تحقيق خطط التنمية المستدامة والحد من مخاطر التغيرات المناخية خاصة فى المناطق الواعدة سياحيا بالبحر الأحمر، وسيناء.

 

بداية الفكرة

 

طرحت فكرة المشروع لأول مرة مطلع عام 2017،  وحقق المشروع رؤية متكاملة للتنمية، وخاصة تنمية الثروة الحيوانية والسمكية اعتمادا على الميزة النسبية لمنطقة البحر الأحمر، وذلك من خلال تغذية الثروة الحيوانية فى المنطقة (الجمال والماعز) على الأجزاء الخضراء لنباتات المانجروف، فضلا على إنتاج عسل النخل من خلال اعتماد النحل على أزهار المانجروف فى التغذية، خاصة أنه تم تجريب إنتاج عسل النحل على غابات المانجروف، وأعطى نتائج جيدة للغاية، كما تمثل أشجار المانجروف المكان والمأوى للعديد من الكائنات البحرية مثل الأسماك والمحارات، فضلا عن أنها بيئة جاذبة لتنمية وإنتاج الجمبرى.

 الدكتور أحمد الخولى نائب رئيس مركز بحوث الصحراء السابق، أكد أن مصر لديها نوعين من نبات المانجروف هما الشورى والقندل، وتم زراعة 18 ألف شجرة من هذا النبات بجنوب سفاجا وحماطة خلال عام 2017.. وأوضح أن هذا النبات له خصائص مميزة حيث إنه ينمو على المياه المالحة وفى المناطق التى لا تقل فيها درجة الحرارة عن 25 درجة مئوية، ويزرع فى الشواطئ التى تخضع لظاهرة المد والجزر. مشيرا إلى أن هذا النبات له العديد من الفوائد الاقتصادية ويمثل بيئة خصبة لنمو أغلى أنواع الأسماك مثل الجمبرى والكابوريا، بالاضافة إلى أن غابات المانجروف تعد بيئة سياحية جاذبة، فماليزيا تجنى نحو 424 دولار من كل هكتار من المانجروف.

 

تكليف رئاسى

تشترك العديد من الجهات المعنية فى تنفيذ المشروع، حيث تموله أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا بوزارة البحث العلمى،بالتعاون مع وزارة الزراعة ممثلة فى مركز بحوث الصحراء، ووزارة البيئة بجانب محافظة البحر الأحمر.

الدكتور سيد خليفة، نقيب الزراعيين ومدير مشروع استزراع غابات المانجروف بالبحر الأحمر، أكد إن مصر لديها خطة للتوسع فى غابات المانجروف بإطلاق أكبر مشروعات لهذه الغابات على سواحل البحر الاحمر للمساهمة فى تحقيق قيمة اقتصادية وتحسين الأوضاع البيئية ومواجهة مخاطر التغيرات المناخية.

وأضاف خليفة، أنه يجرى تنفيذ مشروع لإكثار والتوسع فى مساحات المانجروف بساحل البحر الأحمر، وهو أحد تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى بتكثيف مشروعات السياحة البيئية، والاستفادة من المحميات الطبيعية، موضحا إنه تم إقامة 4 مشاتل لإكثار غابات المانجروف بمناطق سفاجا – حماطة – شلاتين بمحافظة البحر الحمر، ومحمية «نبق» بمحافظة جنوب سيناء لإنتاج حوالى 25 ألف شتلة مانجروف فى العروة الواحدة بمعدل عروتين سنويا، وبإجمالى 300 ألف شتلة خلال فترة المشروع بإجمالى مساحة مستهدفة تصل إلى 500 فدان.

 

القيمة الاقتصادية

يتميز المشروع بأنه ذو جدوى اقتصادية عالية، نظرا لتعدد الأنشطة الإنتاجية التى يوفرها، حيث إن غابات المانجروف تُشكل مزارع لإنتاج عسل النحل والثروة الحيوانية والسمكية، فالغالبات تعد أحد المراعى المتميزة لتغذية النحل، لإنتاج أفخر أنواع عسل النحل فى العالم والأغلى من ناحية القيمة الغذائية فضلا عن أنه الأعلى سعرا فى الأسواق الدولية.. وأوضح خليفة أن إقامة مناحل فى الغابات يوفر فرص عمل جديدة وتسويق منتجات المشروع وإنتاج عسل ذي مواصفات قياسية بعيدا عن الملوثات والمبيدات، ويساهم فى الحصول على منتجات عالية القيمة مثل حبوب اللقاح وإنتاج الغذاء الملكى وإنتاج طرود النحل وإنتاج الملكات العذارى من ذوى الأسعار المتميزة.

 

التوازن البيئي

يساعد المشروع فى دعم خطط الدولة فى الحفاظ على التوازن البيئى والحد من ظاهرة التغيرات المناخية التى تهدد دول العالم، فالتوسع فى المشروع يحول منطقة سواحل البحر الأحمر إلى أحد أهم الوجهات السياحية والبيئة، خاصة مع ارتباط المشروع بتحسين الأوضاع البيئية لأحد القرى الريفية للصيادين والعاملين بمشروع زراعات المانجروف.

المشروع يعمل كمنطقة عازلة بين المنظومات الأرضية والبحرية ويحافظ على الشاطئ ويحميه من التآكل بالإضافة للحماية من الغمر الناتج من ارتفاع مستوى سطح البحر عن طريق ارتباط المانجروف بكائنات أخرى مثل أعشاب البحر والشعاب المرجانية، حيث يلعب المانجروف دوراً مهما فى الحفاظ على الاستقرار والاتزان البيئى.. تكمن الميزة النسبية لزراعة أشجار المانجروف فى أنه ينمو على الصخور المرجانية الساحلية وفى الشقوق والفجوات الموجودة بالصخر ويحتل الوديان، حيث تتراكم الرواسب المحمولة بمياه الأمطار.

وترتبط بيئة المانجروف بوجود الكائنات الحية من النباتات والحيوانات المصاحبة وبالتالى تعتبر مخزونا للمادة الوراثية، وتعد أشجاره مأوى للطيور وللعديد من الحيوانات البحرية والأرضية، فضلا على أنه يحمى الشواطئ من التآكل خاصة مع ارتفاع مستوى سطح البحر المتوقع نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض. ولفت مدير مشروع استزراع غابات المانجروف إلى أن وجود المشروع يؤدى إلى الحد من الملوحة الزائدة.

 

السياحة البيئية

لايتوقف  المشروع عند أهميته الاقتصادية فقط، المتمثلة  فى النشاط الإنتاجى الحيوانى والسمكى، ولكن له أبعادا أخرى حيث إنه يمثل بيئة جاذبة لما يطلق عليها السياحة البيئية، فالمنطقة التى يقام فيها المشروع بها محمية وادى الجمال والتى تعد من أهم وجهات السياحة البيئية فى منطقة البحر الأحمر، فضلا على أن أشجار المانجروف، تعد مزارع طبيعية لأنواع كثيرة من الطيور والحيونات النادرة.

وتعد محمية وادى الجمال مثالا حيا  للسياحة البيئة، حيث تمثل المحمية بمدينة مرسى علم نظاما بيئيا متكاملا بحريا وبريا، لاحتوائها على مجموعة متنوعة من الكائنات، فضلا على تمتعها بمقومات بيئية وجمالية وعلمية وثقافية فريدة ومتميز، فهى غنية بالأنواع النادرة والمهددة بالانقراض من النباتات والحيوانات، حيث توجد أنواع نادرة من الأشجار والنخيل والبحيرات، وتتمتع بنباتات نادرة مثل أشجار المانجروف التى تنمو فى مياه البحر وتبنى فيها الطيور المهاجرة عششها.