الأحد 27 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
«كيد النسا» داخل القصر البطلمى

«كيد النسا» داخل القصر البطلمى

منذ بداية العصر البطلمى الذى يعتبر أول فترات الاحتلال الأجنبى بعد انتهاء حكم الملوك المصريين مع الأسرة الثلاثين الفرعونية، تحولت مصر إلى دولة بل إمبراطورية ذات طبيعة مزدوجة تجمع بين العنصر الهيلينى اليونانى؛ الممثل فى المحتل الوافد الذى كانت تربطه صلات قوية بمصر القديمة، والعنصر الشرقى ممثلاً فى مصر الفرعونية وحضارتها العريقة التى أبهرت الوافد اليونانى وجعلته يتأثر بها للغاية.  وفى النهاية، نتجت حضارة جديدة هى الحضارة الهلنستية التى تمثل مزيجًا بين الحضارتين.



استكمل الملوك البطالمة ما بدأه الإسكندر الأكبر فى مصر، ودخلت مصر فى صراعات وتحالفات عديدة مع القوى الدولية الفاعلة فى المنطقة. ولعبت دورًا عسكريًا متميزًا فى أحيان كثيرة، ومالت إلى استخدام الدبلوماسية وتبادل الهدايا مع القوى الخارجية المحيطة بها كى تؤمن مصالحها فى المنطقة، ومُنيت بالهزيمة فى أحيان أخرى. وكان عهد الملوك الأربعة الأوائل هو عصر القوة. كانت الملكة كليوباترا الثانية (185-116 قبل الميلاد) ابنة الملك البطلمى بطلميوس الخامس إبيفانس (أى «الظاهر»)، الذى بدأ الضعف فى عهده يدب فى أوصال الدولة وكان بداية لعصر الملوك الضعاف، ثم مات وترك الحكم لزوجته كليوباترا الأولى السورية الأصل، التى أنجبت منه ولدين هما: بطلميوس السادس وبطلميوس الثامن إيورجتيس الثانى، وبنتا هي: كليوباترا الثانية التى تزوجت من أخويها واحدًا بعد الآخر. انتقل الحكم إلى ابنه الأكبر وأخيها بطلميوس السادس فيلوميتور أى «المحب لأمه»، ولما كان فى مرحلة الطفولة بعد، قامت أمه كليوباترا الأولى بالوصاية عليه. وبعد أربع سنوات ماتت. فانتقلت الوصاية على ابنها ذى السنوات التسع إلى اثنين من رجال البلاط: الخصّى يولايوس والعبد المحرر ومحاسب القصر لينايوس. وحين بلغ سن الرشد، قررا تزويجه من أخته الأكبر منه سنًا كليوباترا الثانية. واتخذت كليوباترا الثانية الألقاب التالية: «أخت-زوجة ابن رع» و«سيدة الأرضين». وأنجبت منه أربعة أبناء: ولدان باسم بطلميوس وبنتان باسم كليوباترا.

 

ألعوبة الأوصياء

وتُوّج بطلميوس السادس ولم يكن بلغ سن الخامسة عشرة بعد. وكان ألعوبة فى يد الأوصياء والموظفين، فتشجع خاله أنتيوخس الرابع حاكم سوريا، على غزو مصر فى الحرب السورية السادسة؛ بل وصل إلى حدود الإسكندرية التى تمكنت من مقاومته على الرغم من أسر بطلميوس السادس. وانتقل الحكم إلى أخيه بطلميوس الثامن، انتهت غزوة حاكم سوريا بقبول وساطة بعض السفراء الأجانب فى مصر. ولكنه ما لبث أن نقض الاتفاق، وعاد إلى مصر غازيًا، وتدخلت روما وأعلنت نفوذها فى مصر، وعندئذ لم يكن أمام الملك السورى سوى الانسحاب. وقام الشقيق الأصغر لبطلميوس السادس، بطلميوس الثامن بالعديد من الأعمال السيئة التى أغضبت المصريين، فثاروا عليه. وانتهزت روما الفرصة، فأعادت بطلميوس السادس إلى الحكم على أن يحكم بطلميوس الثامن برقة. وحرصت على ترسيخ المبدأ الرومانى الشهير «فرق تسد»؛ فجعلت كل أخ متحفزًا ضد أخيه. ترك بطلميوس السادس طفلاً صغيرًا تحت وصاية أمه كليوباترا الثانية. وكان يُعتقد أن هذا الطفل هو بطلميوس السابع. ويُطلق عليه الآن اسم بطلميوس المنفى الذى لم يكن يتخطِ مرحلة الطفولة. واشترك هذا الطفل فى الحكم مع أمه. غير أن عمه بطلميوس الثامن تمكن بمساعدة اليهود من العودة إلى مصر، وقتل ابن أخيه، وانتقل إليه العرش، واتخذ بطلميوس الثامن لقب إيورجتيس الثانى.. وكانت بداية حكمه غير مبشرة بالخير؛ فقتل ابن أخيه، وتزوج من كليوباترا الثانية، أرملة أخيه، وبلغ به التهور أن اغتصب ابنة أخيه، كليوباترا الثالثة، وتزوجها بعد ذلك. وأدت هذه الأحداث إلى ثورة فى البلاد. ولم يتحملها الملك. وهرب هو وكليوباترا الثالثة. ولم يستمر الملك كثيرًا خارج البلاد حتى ساعدته روما على العودة إلى مصر، هو وزوجته كليوباترا الثالثة. فلجأت أرملة أخيه وزوجته، كليوباترا الثانية، إلى إنطاكية. فى ظل تلك الأحداث الملتهبة والمختلفة ثقافةً وفكرًا وأداءً عن ثقافة مصر الفرعونية المحافظة، عاشت الملكة كليوباترا الثانية، فاكتوت بنارها، وشعرت بأسى بفقد الغالى والنفيس فيها، وتبدلت بين الأزواج من إخوتها، وعانت من مؤامرات القصر، وقسوة السياسة والحكم، وذاقت مرارة العروش والجيوش فى مصر البطلمية الضعيفة.

 

الملكة كليوباترا الثالثة

عاشت الملكة كليوباترا الثالثة فى فترة الضعف التى لحقت بالأسرة حتى أنهت حكمها الذى بدأ مجيدًا وآل إلى زوال، وكانت ابنة بطلميوس السادس فيلوميتور وكليوباترا الثانية. وتزوجت من عمها بطلميوس الثامن إيورجتيس الثاني! وحملت لقب «سيدة الأرضين» مثل ملكات الفراعنة. وبموت زوجها، بدأ الانهيار الشامل يعم البلاد والأحوال تسير إلى الأسوأ. وكانت روما تعمل دائمًا على فرض نفوذها على مصر، والاستيلاء على ما تبقى من ممتلكاتها فى الخارج. وساعد على ذلك ما قام به بطلميوس الثامن، الذى كان له من كليوباترا الثالثة خمسة أبناء: ولدان وثلاث بنات، وترك لها حرية تولية العرش لمن تريد بعد وفاته. ومن إحدى المحظيات، كان لها ابن اسمه بطلميوس أبيون الذى تولى حكم برقة. وكتب وصية أن تؤول برقة إلى روما بعد وفاته.

 

العواطف تحكم القصر

أما فى مصر، فحكمت العواطف الشخصية اختيار الملكة الأم لأحد أبنائها لتولى الحكم؛ فنقلت الحكم إلى ابنها بطلميوس التاسع سوتير (أى «المنقذ») الثانى. وزوجته من أخته الكبرى كليوباترا الرابعة التى كانت تمتلك طموحًا كبيرًا لم تقبله أمها، فطردتها من مصر. وزوجت ابنها من أخته الصغرى كليوباترا الخامسة سيلينى (أو كليوباترا سيلينى الأولى كما كان يُطلق عليها من قبل). غير أن الملكة الأم هذه المرة غضبت من الابن نفسه؛ فطردته إلى قبرص، وعينت بدلاً منه، ابنها الآخر، بطلميوس العاشر الإسكندر الأول، ولكنه لم يكن ملكًا عادلًا. وكان المصريون يمتلكون الجرأة للثورة ضد أى ملك ظالم. فقتل أمه، وانفرد بالحكم، بعد ست سنوات من الحكم المشترك معها. وثار المصريون ضده، وطردوه شر طردة خارج البلاد، حيث مات. عاد بطلميوس التاسع مرة ثانية إلى الحكم. ولم تكن له أعمال تُذكر سوى السعى الحثيث لإرضاء المصريين الثائرين أبدًا. وترك بطلميوس التاسع الحكم لزوجته؛ إذ لم يترك أبناء. غير أن هذه الزوجة لم تستقر طويلًا على العرش؛ إذ ماتت، وأصبح حكم مصر فارغًا، وهنا تدخلت روما بقوة، وأعلنت عن وجود ابن لبطلميوس العاشر فى روما، وأن هذا الابن من حقه العرش. أصبح هذا الابن هو بطلميوس الحادى عشر الإسكندر الثانى. غير أن أعماله أدت إلى ثورة المصريين عليه، فقتلوه، بعد حكم دام عدة أشهر، وللمرة الثانية، أصبح عرش مصر خاليًا. غير أنه ظهر ابنان للملك بطلميوس التاسع الذى يبدو أنه أنجب الكثير من الأبناء الذين يمكن الاستعانة بهم عند الحاجة، وتولى فعلاً الحكم فى مصر وفقًا لرغبة المصريين بطلميوس الثانى عشر الزمار. وكان لقبه «نيوس ديونيسيوس الصغير»، غير أن المصريين خلعوا عليه لقب «الزمار»؛ إذ كان مولعًا بالعزف على الناى. وبدأت روما تضغط على الملك لتنفيذ أوامرها. ولكنه تمكن بمساعدة المصريين من الوقوف ضد روما التى أعلنت عن وجود وصية من بطلميوس الحادى عشر بنقل حكم مصر لروما بعد وفاته. وبالفعل أتت هذه التهديدات بنتيجة جيدة، فأصبح الملك ألعوبة فى أيدى الرومان. وسخر منه المصريون. وثاروا عليه؛ فهرب إلى روما طالبًا المساعدة فى العودة إلى مصر. ودفع لأجل هذا الكثير من الأموال التى كلفت خزانة مصر الكثير.

 

زمن جميلة الجميلات

عاد إلى مصر بأمر روما! ورافقه فى رحلة العودة اثنان من القادة الرومان: بومبى، وماركوس أنطونيوس، ويقال إن الأخير هام حبًا فى ابنة بطلميوس الثانى عشر، الفتاة الأجمل فى زمنها، كليوباترا السابعة، منذ أن وقعت عيناه على محياها الجميل. وكان آخر الأحداث المرتبطة بحكم بطلميوس الثانى عشر تعيينه لأحد المرابين الرومان فى وظيفة المسئول المالى ليتمكن من تحصيل الديون التى أخذها الزمار أثناء إقامته فى روما. أما الحدث الثانى فهو نقل الحكم إلى ابنته، كليوباترا السابعة، وابنه، بطلميوس الثالث عشر بعد موته. كانت كليوباترا الثالثة معاصرة لأحداث، ودافعة لأخرى، وأدت فى نهاية المطاف إلى وصول الأسرة البطلمية إلى المحطة الأخيرة، بل إلى المحطة الأجمل، والأكثر شهرة، والأطول خلودًا فى تاريخها الطويل، بل فى تاريخ العالم القديم كله، وأعنى فترة حكم المرأة الأجمل والأذكى والأقوى والأشهر، الملكة كليوباترا، المشهورة دومًا وأبدًا، أو حسب ترتيبها بين ملكات الأسرة العديدات اللائى حملن الاسم نفسه، كليوباترا السابعة، أيقونة العالم فى الجمال والذكاء والثقافة وقوة الشخصيّة والعذوبة والرقة والسحر والجاذبية وكل ما وُهب لامرأة عبر العصور والأزمان.