الأربعاء 9 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مفاهيم مشوهة (2)

مفاهيم مشوهة (2)

قالت لى: (طالما أنى أضحى باحتياجاتى من أجل أن أوفر احتياجات أبنائى فأنا أم تقوم بواجباتها وأكثر..) وهى بالفعل أم تعتنى بمأكل وملبس أبنائها وتوفر لهم احتياجاتهم بدرجة فوق إمكانياتها وهذا ما يجعلها فى أحيان كثيرة تضحى بما قد تحتاجه هى من أجل أن تشترى لهم كماليات من تلك التى (تفرّح) الأولاد.. وأقابل أمهات كثيرات يعتقدن بما تعتقده ولكنها مشكلة فهم كبيرة!! للأمومة والأبوة واجبات أساسية تسبق التضحيات أو ما يمكن تسميته بأعمال ما فوق المطلوب.. الواجبات الأساسية للأم والأب تجاه الأبناء هى تقديم المحبة والاستقرار والشعور بالأمن والتوجيه والتربية والتعليم وإشباع احتياجاتهم الجسدية والنفسية والروحية وإعداد الأبناء لأن يصيروا رجالًا ونساء مستقلين.. وهى واجبات صعبة ولكنها إذا تمت بشكل جيد تكون نتائجها ممتازة.. أولا لا بد أن يشعر الطفل بمحبة ذويه ليس عن طريق إغراقه بما لا يلزم من الأشياء بل بإغراقه بما يلزم من المشاعر.. الحنو دون إخلال بالتربية، والاهتمام به وبكل ما يصنعه حتى لو كانت أشياء بسيطة، وبالاستماع لآرائه وكلماته مهما كانت بسيطة أو حتى خاطئة، ثم توجيهه بشكل صحيح، وبتشجيع كل إنجازاته حتى لو كانت شخبطة.. كما يجب على الآباء ألا يرهبوا أبناءهم بل طبقا للدراسات النفسية – التى أصبحت معروفة لدى العامة – فإن الشعور بالأمان هو أحد أهم متطلبات الصحة النفسية للطفل.. ما أهم تلك الأحضان الدافئة من الأم، وأيضا من الأب الذى ينظر إليه الطفل كمصدر للأمان والاحتماء والاحتواء.. ثانيًا، ينبغى أن يتعلم الآباء والأمهات كيفية تربية وتوجيه وتعليم أبنائهم.. نعم ينبغى أن يتعلموا الأبوة والأمومة لأنها ليست مسألة سهلة وليست غريزية، ولا اعتباطية، ولا سطحية.. بل هى مهمة معقدة وصعبة ومسئولية ضميرية واجتماعية وإنسانية.. وعلى من لا يستطيعها ألا يقترب إليها.. ولفهم هذا البعد الهام، يجب أن يعرف الأب والأم أنهما مسئولان وحدهما عن خليقة جديدة ابنا أو ابنة سيعطيان له كيانا وشخصية وحياة ومستقبلا يزرعان هما جذوره الأولى والأهم فى السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل.. ويسألان نفسيهما: هل نحن على استعداد لهذه المسئولية؟ هل نحن قادران عليها؟ وللإجابة ينبغى أن يقرأ الزوجان، ويتعلمان، ويسعيان لمعرفة كل ما يمكن عن تربية الأبناء.. ليس عن مرحلة الطفولة فحسب بل عن المراحل المختلفة لنمو الأبناء.. فإذا كان هناك أب يضحى بما يستطيع كسبه من عمله ليلحق أبناءه بمدارس باهظة المصاريف ويعتقد أن هذا هو واجبه، فهذا مفهوم غير صحيح.. واجبه أن يعلمهم وأن يجد الوقت الكافى للتواجد معهم، لا أن يعمل ليل نهار ليوفر لهم ناحية واحدة من احتياجاتهم بشكل مبالغ فيه فى مقابل عدم الوفاء بكل احتياجاتهم الأخرى. كنت أسير مسرعة للعودة للمنزل بعد انتهاء عملى.. واستوقفنى مشهد مختلف عن مشاهد الشارع المعتادة فى كل يوم فى مثل هذا الموعد الذى يعود فيه الأولاد من المدارس بصحبة أمهاتهم أو آبائهم.. فى ذلك اليوم قابلت الأمهات العائدات بالأبناء وقد حمل كل ولد أو بنت الشنطة المدرسية المكتظة على ظهورهم وأمسك كل منهم إما بالشيبسى أو بأى نوع من الحلوى التى تتفق أسعارها مع (يونيفورم) المدرسة الذى يرتديه الطفل.. فأصحاب يونيفورم المدارس الخاصة العالية غالبا ما يخرجون من المدرسة لركوب سيارة الأم أو الأب ويحملون الشيكولاتة الغالية.. أما السائرون مع أمهاتهم (غالبا) فأكياس الشيبسى ويونيفورم المدارس الأقل تكلفة.. لكن تلك الفتاة ذات الضفيرتين البنيتين المذهبتين فى ضوء الشمس والتى ترتفع قامتها رغم صغر ملامح وجهها، فتكاد تقترب من طول قامة أبيها القصير، فكانت تمشى مبتسمة ابتسامة عريضة وأبوها يضع ذراعه حول كتفيها وهما سائران يتحدثان ويضحكان ولا شيء من الطعام فى أياديهما!! وكان مظهرهما بسيطًا فالأب يلبس جلبابا وطاقية والفتاة تلبس يونيفورم باللون البيج ولكن نظراتها لأبيها كما لبطل من أبطال الروايات التى تفتتن بهم البنات فى تلك المرحلة العمرية الصغيرة.. تباطأت قليلا لأسجل المشهد بعينى فى عقلى.. وتمنيت لو أن لعيوننا زر تسجيل فيديو لآخذ ذلك المقطع الصغير وأعطيه لها.. لتفهم أن التضحية الحقيقية ليست مادية بل هى بذل المحبة اللا محدودة والحنو والاهتمام والوقت.. أليس هذا هو المفهوم الصحيح!!