الأربعاء 9 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مفاهيم مشوهة!

مفاهيم مشوهة!

«لقد صدمنى أن أعرف أن نسبة الإعلانات الخيرية بسبب معاناة الحمير مقارنة بالأطفال الذين يموتون من الجوع هى 4 إلى 1.. يجب أن نهتم بكل الخليقة، ولكن كرامة الانسان وحياته يجب أن تأتى أولا».. صدمتنى هذه التغريدة – وهى فى الأصل بالإنجليزية - والتى قرأتها فى بداية هذا العام على حساب الأنبا أنجيلوس أسقف الكنيسة القبطية فى لندن.. وأثارت فى نفسى تساؤلات قديمة متجددة عن هذا التحول الذى أصاب البشر.. وبخاصة أننى أظن أن البعض ممن أعرفهم شخصيا لا يوافقون نيافة الأنبا أنجيلوس فى النصف الثانى من تغريدته.. نعم! لا يرون أن كرامة الإنسان تأتى أولا.. والدليل على ذلك ما نشرته الجارديان منذ فترة طويلة عن أسعد ثلاثة حمير فى إنجلترا والذين يلبسون الجاكتات التى صنعت خصيصا من أجلهم – عذرا لا أعرف هل أستخدم هنا «من أجلهم» أم «من أجلها».. ذلك لأن هذا الملجأ الخاص بالحمير قد تلقى تبرعات بلغت 13 مليون جنيه إسترلينى فى ذلك العام!! وبعدها بعدة أعوام نشرت الجارديان أيضا أن اتحادات المرأة التى تساعد السيدات من ضحايا العنف المنزلى واللواتى بلغ عددهن 7 ملايين سيدة تلقت تبرعات من البريطانيين بلغت 17 مليون إسترلينى فى مقابل 20 مليونا للحمير وعددهم 12 ألفا !!!! الدليل أيضا ما نشر مؤخرا من دراسات نفسية عن التعاطف «empathy» مع الحيوانات وبالأخص الحيوانات المنزلية أكثر كثيرا من التعاطف مع البشر.. ومنها دراسة ظهرت فى أواخر العام الماضى يحاول فيها أخصائيون نفسيون إيجاد أسباب  لتلك الظاهرة.. فقد وجدوا مثلا أن الحيوانات المنزلية ينظر لها أصحابها على أنها كائنات ضعيفة تحتاج لحمايتهم ورعايتهم تماما كالأبناء – صدمنى أيضا هذا التعبير «تماما كالأبناء.. وأنها كائنات لا تستطيع التعبير عن نفسها فيشعر صاحبها بالمسئولية تجاهها.. كما أنها تقدم للإنسان حبا غير مشروط – كالكلاب التى تموت وفاء لأصحابها – وتقدم لصاحبها الرفقة الدائمة والفرح الغامر بالتواجد معه.. الحقيقة أننى أتفهم تلك الرابطة بين الإنسان وحيوانه الأليف الذى يرافقه ويعيش فى بيته ويصير أحد سكان البيت فيتعاطف أهل البيت معه بشكل كبير.. أما ما لم أفهمه فهو أن يتبرع البريطانيون للحمير ولا يتبرعون بقدر أكبر أو حتى بقدر مماثل من أجل حياة البشر من سيدات وأطفال على حافة الموت.. لذا صار السؤال لماذا لا يشفق الإنسان على شركاء الإنسانية الذين ينتمون لجنسه ويتحول عطفه وشفقته إلى جنس الحيوان، مع كامل الاحترام لكل أنواع التعاطف بالطبع؟ هل صار هؤلاء المتعاطفون مع الحيوانات يشعرون بأن الجنس البشرى لا يستاهل منهم عطفا؟ هل تأذوا من بشر مثلهم فالتجأوا للعطف على الحيوان لعله أكثر رحمة من الإنسان؟ أم هل لم يستطيعوا أن يثبتوا قوتهم وشخصيتهم وذواتهم فى المجتمع الإنسانى لسبب أو آخر فقرروا أن يثبتوا ذواتهم بالشفقة على مخلوقات ضعيفة لا تناقش ولا تحرج ولا تنتقد ولا تذم ولا تصغّر من الآخر؟ وهل هذا دليل على انهيار القدرات البشرية الخاصة بالتعامل والتواصل الانسانى فى القرن العشرين، وهو بالمناسبة القرن الذى بدأ فيه الاهتمام المبالغ به بالحيوانات فى مقابل الإهمال المبالغ فيه للكوارث الانسانية؟ بالرغم من كل هذه الدراسات ومحاولات الفهم سيبقى الإنسان تاج  الخليقة والمخلوقات والمسئول الأول عن سلامة البشر والمخلوقات الأخرى والطبيعة وكوكب الأرض وما عليه.. وتكمن تلك المسئولية فيما يتميز به الإنسان على سائر الكائنات ألا وهو العقل.. وإذا اهتز لديه إيمانه بعقله، اهتز مفهومه لمسئوليته الكونية.. وإذا اختلت المفاهيم، سيبيد الإنسان جنسه بنفسه.. أن يهتم الإنسان بسلامة الحيوان هذا واجبه ودوره، أما أن يبحث عن المحبة غير المشروطة، والصحبة الآمنة الدائمة، والفرح بالتواجد مع «الحيوانات» لا «البشر» فهو مؤشر خطير يجب أن ننتبه له جميعا.. ليس بإصدار الدراسات بل بالحرص على أن نتصرف مع البشر من حولنا بمشاعر إنسانية حقيقية تعيد إيمانهم وتصلح التشوه الذى أصاب نفسياتهم وعقولهم.