
عاطف بشاى
المتحرشون والمكفرون
لن تنتهى جرائم التحرش.. فالصحف تطالعنا بعد مرور أيام قليلة على التحرش بفتاة «المنصورة» بحادثة اتهام مدير مدرسة (الجنينة) الإعدادية «بمنية النصر بالدقهلية» بالتحرش بطالبة بالصف الثالث الإعدادى، حيث استدرجها إلى مكتبه بحجة تسليمها الكتب المدرسية وتحرش بها ولامس أجزاء حساسة من جسدها.. وهذا ببساطة يعنى أن الدافع الحقيقى تجاوز تلك الأسباب التى تعزو ارتكاب تلك الجرائم إلى ضعف الرادع أو شيوع الجريمة كما فى حادثة «فتاة المنصورة».
إن النشأة والتربية والبيئة التى تفرز هؤلاء الصبية المعتدين.. ولا حتى ارتداء الفتيات ملابس عارية.. وهى حجة مضحكة لسبب جوهرى يؤكده تقرير الأمم المتحدة عن التحرش فى مصر لعام 2013 يوضح أن %90 من المصريات يتعرضن للتحرش.. وسبب هزلية التبرير أن معظم فتيات وسيدات «مصر» يرتدين الحجاب والملابس المحتشمة.. بينما انتشار المينى والميكروجيب والملابس الكاشفة عن مفاتن المرأة منذ الستينيات من القرن الماضى لم تشهد هذه السنوات وما بعدها حادثة تحرش واحدة. لذلك فإن التفريق بين الضحايا وعدم التفريق بين المتحرشين – رغم بشاعته ودلالاته الخطيرة ليس هو السبب أو الدافع الحقيقى للتحرش.. وقد استلفتنى سطحية إلقاء الضوء على الأسباب وطرق الردع فقد لخصت إحدى الإعلاميات القضية بإيجاز بأن الجناة «أولاد مش متربيين» لأن «أولاد الإيه» القادمين من العشوائيات يحركهم حقد وغل طبقى عميق تجاه المتحرش بهن من بنات الذوات اللاتى يعانين الأمرين فى مجتمع فوضوى يسمح لهؤلاء المتشردين أن يطاردوهن أينما ذهبن بالألفاظ النابية أو استباحة إحداهن.. مع أن حقيقة الأمر أن بنات تلك الطبقة محصنات بعيدًا عن أعين وأيادى هؤلاء الأشرار، فهن لا يركبن الأوتوبيسات ولا يسرن فى الشوارع.. ويتحركن داخل سياراتهن ويذهبن إلى الأندية.. ولا يجرؤ الصبية المعتدون على لمسهن أو مجرد الاقتراب منهن أو إيذاء مشاعرهن المرهفة دون ضابط أو رابط أو عقاب رادع. وفيما يختص بالعقاب الرادع لعلنا نتذكر الخطاب التاريخى الذى ودع به المستشار «عدلى منصور» بإصدار قرار يقضى بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات بما يسمح بمعاقبة المتحرش جنسيًا بالحبس والغرامة مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير بتلميحات جنسية بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية. وما إن صدر القرار حتى وقعت أحداث حفل الاغتصاب الجماعى فى ميدان التحرير أثناء الاحتفالات بتنصيب الرئيس «السيسى»، حيث تعرضت (5) فتيات وسيدات لعمليات هتك عرض واغتصاب جماعى فى قلب الميدان.. وفى إثر ذلك طالعتنا الصحف بمانشيتات غاضبة تتركز حول القصاص من المتهمين بالإعدام.. ووجهت شخصيات سياسية ومنظمات حقوقية نداءً إلى الرئيس «السيسى» بالإسراع فى تغليظ العقوبة أسوة ببعض الدول التى كانت تعانى من انتشار هذه الظاهرة ونجحت عقوبة الإعدام فى الحد منها. هذا القرار الذى أبى المستشار «عدلى منصور» أن يخرج من القصر الرئاسى والذى أسمته وقتها زعيمات الحركات النسائية (هدية الوداع) لم يجد ولم يجن ثماره، بل تفاقمت بعده العشرات من حوادث الاغتصاب والتحرش والاعتداء الجنسى لعل أبشعها حادثة تلك الطفلة البائسة التى لم تكمل عامين من عمرها المسماة وقتها بطفلة (البامبرز) التى اغتصبها مأفون والذى يمكننا أن نصفه كمريض عقلى ومجرم سيكوباتى تغذى روحه البغيضة بفتاوى التكفيريين. وقتها أيضًا تفتق ذهن نائبة برلمانية بمقترح إخصاء المتحرش للحد من الظاهرة.. وقد استوقفنى ذلك الاقتراح بمزيد من الدهشة والأسف، بل اليأس حيث ما زلنا نبحث عن تكثيف وتفعيل وتغليظ عقوبات المتحرشين ولا نسعى إلى اجتثاث جذور التحرش.. ناهيك عن أن إخصاء المتحرش يحوله إلى كائن مجنون.. مشوه.. أو إرهابى قاتل. والحقيقة أن الكتب الصفراء التى تحتشد – ما زالت – بها المكتبات والأرصفة ويقبل عليها العامة.. بالإضافة إلى فتاوى دعاة التكفير الذين يخصون بها المرأة بوابل من المحرمات الشاذة ومنها ضرورة إخفاء الوجه لأنه مثل الفرج عورة.. ويستحسن عدم خروج المرأة من بيتها إلا إلى القبر. إن ذلك المفهوم المتخلف لماهية المرأة باعتبارها كائنًا غير أخلاقى ومصدرًا للغواية ومنبعًا للرذيلة هو ما تبقى فى أذهان الشباب الذين يسعون للتحرش بها، فهم لا يرون بناءً على فتاوى الدعاة والكتب الصفراء سوى أنها كائن غير إنسانى لا وظيفة له سوى اعتلاء الرجل لها.