سميحة أيوب: محسن سرحان سجننى.. والفن سرقنى من محمود مرسى!

هبة محمد على
هى وهم حلقات جديدة:
يقولون إن وراء كل رجل عظيم امرأة، هى مسكنه وملاذه، وسره وسنده، فلا يستطيع أن يستغنى عن وجودها فى حياته، أما المرأة ففى حياتها رجال أيضًا، لا يشترط أن يكونوا شركاء نجاح، لكنهم حتمًا سيكونون دافعًا لها حتى بغيابهم الذى يولد بداخلها قوة خفية، يجعلها تنجح، وعلى مدار الأسابيع المقبلة، سنقدم سلسلة حوارات أجريناها مع نجمات زمن الفن الجميل ضمن ملف يحمل عنوان (هى وهم) وسيكون الرجل ضيفًا دائمًا فى هذه الحوارات، أبًا أو زوجًا، داعمًا أو محاربًا، حليفًا أو عدوًا ففى النهاية، ومهما اختلف حجم الدور، ففى ذاكرة كل نجمة منهن مساحة خاصة لرجال مروا بحياتها، فتركوا أثرًا ثم غابوا.. فهيا بنا نخترق تلك المساحة.
يصفونها بأنها سيدة المسرح العربى، فى إشارة إلى مشوار طويل قضت معظمه بين أروقة المسارح وعلى خشباتها، فكان صوتها جليًا يرج جنباته، وأداؤها قويًا يأسر القلب قبل العين، لكن خلف الكواليس أدت دورًا من نوع آخر لا يقل بطولة عن أدوار قدمتها فى أكثر من مائة وسبعين عملًا مسرحيًا.
فكانت الزوجة لثلاثة نجوم، هم الفنان «محسن سرحان» أحد أبرز وجوه زمن الفن الجميل فى الأربعينيات، والخمسينيات، ثم الفنان العملاق «محمود مرسى» الذى ظل يعشقها رغم طلاقهما لدرجة أنه فضل البقاء وحيدًا حتى وفاته لكى لا يقترن اسمه بغيرها، ثم الكاتب والسيناريست «سعد الدين وهبة» الذى قضت معه خمسة وثلاثين عامًا كان فيها الرفيق والحبيب، وهى أيضًا الأم لشابين هما «محمود محسن سرحان» الذى توفى منذ سنوات تاركًا فى قلبها جرحًا لا يندمل، و«علاء محمود مرسى» الاستشارى النفسى الذى يشكل وصغيره «يوسف» الكنز الذى تبقى لها فى هذه الحياة، وبخلاف كل ذلك فقد كانت «سميحة أيوب» زوجة أب ربطتها بأبناء أزواجها علاقة عميقة لا تختلف عن الأمومة فى أى شىء، وزميلة وأستاذة لجيل كبير من المسرحيين تربى على يديها.
من داخل منزلها الذى تمتلئ جدرانه بمئات من شرائط الفيديو المصطفة جنبًا إلى جنب عشرات الجوائز، والصور التى التقطتها مع الأحباء، نتحدث معها فى هذا الحوارعن كل الرجال الذين أثروا فى حياتها…

> دائما تتحدثين عن تأثير خالك على بداياتك الفنية، وتشجيعه لك على تعلم التمثيل وإتقان اللغة العربية، فى إشارة إلى رفض باقى أسرتك امتهانك الفن، إلى أى مدى كان هذا الرفض؟
- وصل إلى رفضهم انتمائى لهم، فقد ابتعد عنى الجميع واضطررت إلى تغيير اسمى الفنى إلى (سميحة سامى) فى بداية حياتى، لأن عائلة «أيوب» رفضت أن أضع اسمها بجوار اسمى فى أى عمل فنى، وفى فيلم (شاطئ الغرام) سميت نفسى «ناهد فريد» بعدها بدأت أثور على نفسى، فما الذى يجعلنى أتخفى كمن ترتكب جريمة، فى حين أننى أقدم أعمالًًا عظيمة أهلى جميعًا لا يستطيعون تقديمها، ومن يومها قررت أن يصبح اسمى «سميحة أيوب» ..(ويضربوا دماغهم فى الحيط)!
• وكيف أزلت الخلافات وأقنعتيهم فيما بعد بأهمية ما تقدمينه؟
- هم من عادوا، وبدأوا يتفاخرون بى فى مجالسهم، ويذكرون لأصدقائهم أننى قريبتهم، خاصة بعد أن وجدونى أقدم أعمالا تحمل رسالة تنويرية، وتصيغ الوجدان.
• يعد هذا الموقف هو الاختبار الأول الذى أظهرت فيه قوة الشخصية، والنفس الطويل والقدرة على تجاوز الصعاب، وهو ما استمررت عليه بعد ذلك، ألم يقلقك الأمر فى البداية خاصة مع صغر سنك؟
- بالفعل كانت سنى صغيرة جدًا، حيث انتسبت لمعهد الفنون المسرحية وعمرى 14 عامًا، لكن قرارى منذ البداية كان أن أقدم أعمالًا محترمة يفخر بها أهلى، وكان رفضهم يزيدنى إصرارًا على تنفيذ هذا القرار، ومن حسن حظى أننى اشتهرت سريعًا، وبالتالى قطيعتهم لى لم تدم طويلا.
• وهل زواجك من الفنان «محسن سرحان» فى نفس عام التحاقك بالمعهد فى حين أنه كان يكبرك بأكـثـر من عشرين عامًا كان سببه خلافاتك مع أهلك؟
- لم يكن هذا هو السبب، فقد تقدم لخطبتى، واعترض أهلى فى البداية بسبب فارق السن، لكنى كنت مقتنعة به جدًا، خاصة أنه كان فتى الشاشة الأول حينها، ومرغوب جدًا من كل الفتيات.
>وما الذى جعل زواجكما لا يستمر طويلا مادمت لم تشعرى بفارق السن بينكما؟
- دام زواجنا عامين، ولا أحب أن أقول إنه أساء معاملتى خلالهما، لكن يكفى أن أقول إننى كنت أشعر بأن هناك عبئًا على كاهلى لا بد أن أتخلص منه، فلم يكن مسموحًا لى لقاء الأصدقاء، أو زيارة والدتى، وكنت كالسجينة داخل البيت، حتى جاء يوم ميلادى، وطلب منى أن أختار هديتى، فقلت هديتى الطلاق منك.
> وكيف كانت ردة فعله؟
- سمح لى بزيارة أهلى، وأصدقائى ظنًا منه أننى سأتراجع عن قرار الطلاق، لكن كلما كان يزيد من مساحة الحرية التى سلبها منى لمدة عامين كنت أصر على قرارى أكثر، حتى تم الطلاق.

> عشت فى نفس المنزل مع أبنائه من زوجته الأولى الذين كانوا يقاربونك فى العمر، فكيف كانت علاقتك بهم؟
- تزوجته وكان له من زوجته الأولى ولد عمره أحد عشر عامًا، وبنت عمرها تسع سنوات، وكنا ثلاثة أطفال فى بيت واحد، لكننى عانيت كثيرًا فى بداية زواجى من رفض ابنه «إبراهيم» لى، فقد كان يؤذينى طوال النهار فى غياب والده، وعندما كان يعود من العمل، ويسألنى كيف كانا معى، أقول له -على خلاف الحقيقة- أن كل شيء على ما يرام، حتى أصبحت له بمرور الأيام مثل أمه تمامًا، وفى إحدى المرات اصطحبته فى زيارة لوالدتى، وحدث أن صعقت بالكهرباء أثناء تشغيلى لأحد الأجهزة الكهربائية، فقفز صارخًا (ماما) وجلس يبكى من خوفه علىّ.
> وكيف تقبلا قرار طلاقك من والدهما؟
- رفضاه فى البداية ، وترجاننى ألا أتركهما، لكننى قلت لهما إننى لا أشعر بالسعادة مع والدهما، وإننا سوف نظل نلتقى بشكل مستمر، خاصة أن بيننا (محطة تروماى) واحدة، وظلت لقاءاتنا مستمرة لسنوات، حتى كبرا، ودخل «إبراهيم» كلية البوليس، وانتقل للعيش فى بنى سويف، وانقطعت عنه الأخبار لسنوات طويلة، حتى التقيته صدفة فى الشارع، فأخذ يحتضننى، ويقبلنى، صارخًا (أمى.. أمى) وظللت أضحك وأقول له، لن يصدق أحد من المارة فى الشارع أنك ابنى ونحن فى نفس العمر، وللأسف توفى بعدها بسنوات، وحزنت عليه كثيرًا كما حزنت على ابنى «محمود».
> على ذكر «محمود»، كيف كانت علاقته بأبيه «محسن سرحان»، خاصة أنك طلقت منه، بينما لم يكن الصغير قد أكمل عامه الثانى بعد؟
- لم تكن علاقة جيدة أبدًا، فلم يكن «محسن» يفهم فى التربية، وظل يوغر قلب الصغير تجاهى، ويقول له كلامًا سيئًا عنى، لكى يجعله يكرهنى، حتى انقطعت الصلة به إلى أن توفى.
> (حب لم يكتمل) هكذا وصفت علاقتك بزوجك الثانى «محمود مرسى» حيث لم يدم زواجكما أكـثـر من ثلاث سنوات، من السبب فى عدم اكتمال هذا الحب؟
- «محمود» كان إنسانًا نبيلا، وقد انبهرت بشخصيته كثيرًا عندما اقتربت منه، وتمنيته زوجًا حتى قبل أن يصارحنى برغبته فى الزواج منى، وأظن أنه ظل يحبنى حتى توفى، بدليل أنه لم يتزوج بعدى، وللإنصاف فقد انتهى زواجنا دون أن ينتهى الحب من قلبينا، وكان السبب انشغالى المستمر، وسعيى وراء تحقيق ذاتى فى الفن على حساب بيتى، وأبنائى.
> ورغم كل هذا الحب كنت أول فنانة تقيم (حفلة طلاق) فما الذى جعلك تقبلين على القيام بذلك؟
- «محمود» طلقنى غيابى، وعندما وصلنى الخبر، شعرت كمن أخذ صفعة مؤلمة على غفلة، وكنت لا أريد أن أظهر ذلك للناس من حولى، فأقمت حفلة وكنت فيها كالطير يرقص مذبوحًا من الألم، مع ذلك فقد ظلت علاقتنا قوية جدًا حتى توفى.
> وكيف كانت علاقته بابنه «علاء»، وبابنك «محمود» الذى عاش معه مدة زواجكما؟
- علاقته بـ«علاء» علاقة أب بابنه، فقد كان مسئولا عنه مسئولية كاملة ماديًا ومعنويًا حتى بعد الطلاق، أما علاقته بـ«محمود» فكانت عظيمة، لأنه كان يحنو عليه كثيرًا، ويعامله معاملة المعالج النفسى، وفى حين أن والده «محسن سرحان» يهمله كان «محمود مرسى» يصطحبه للتنزه ودخول السينما، فقد أحبه أكثر من أبيه، وكثيرًا ما كان يقول لى خصصى وقتًا لابنك حتى لا يكون الولد محرومًا من أبيه وأمه وهما على قيد الحياة لكننى لم أكن أستجب.
> «يوسف» حفيدك الوحيد من ابنك «علاء»، فما هى الصفات التى أخذها من جده؟
- «يوسف» هو الرجل الوحيد الذى قهرنى، فلا أتحمل غيابه أو البعد عنه، وبالفعل يشترك فى كثير من الصفات والطباع مع جده، خاصة أن عينيه ملونتان، وله نظرات، وحركات يقوم بها بفمه، أشعر وأنا أراها أن «محمود مرسى» يقف أمامى.
> قضيت مع «سعد الدين وهبة» خمسة وثلاثين عامًا ليشكل زواجكما رحلة عمر مهنية وإنسانية انتهت بوفاته عام 1997، فى رأيك لما استمر زواجكما كل هذه السنوات؟
- لأنه لم يعتمد على الحب فقط، فقد لعبت الصداقة دورًا كبيرًا فى استمرارنا كزوجين، فكنت أتعرى أمامه نفسيًا، وأحكى بكل حرية عن كل النواقص التى لم أكن أجرؤ أن أحكيها لأمى مثلا.
> وهل يسرى ذلك على العمل أيضًا؟
- لا، فقد كان اتفاقنا ألا يتدخل أحدنا فى عمل الآخر، وسبب هذا الاتفاق هو ما حدث بعد زواجنا بأسابيع، حيث كنت ألعب بطولة مسرحية (أونكل فانيا) وكنت أعود كل ليلة أجده عاكفًا على مكتبه بالساعات لينهى كتابة مسرحية (كوبرى الناموس) التى لعبت بطولتها بعد ذلك، وبعد أن أنهى الرواية طلب منى قراءتها، وبالفعل قمت بقراءتها، ولاحظت أن البطلة تقف طويلا على خشبة المسرح صامتة دون أن يكون لها تأثير فى الأحداث، وعلقت على ذلك، فما كان منه إلا أن أخذ منى النص، وألقى به من شرفة منزلنا فى الدور السابع، ولم يكن يمتلك نسخة ثانية منه، تحليت بالصمت، وذهبت لأعد فنجانين من القهوة، وتعاهدنا ونحن نحتسيهما ألا يتدخل أحدنا فى عمل الآخر حتى تستقيم حياتنا الزوجية، وقد كان.
> فى حياة «سعد الدين وهبة» عشرات النصوص المسرحية التى قمت ببطولة معظمها، ألم يكن ذلك سببًا فى اتهامه بأنه يقوم بتفصيل الأدوار لك خصيصًا، وأنه يسعى لتنجيمك بصفتك زوجته؟
- تضحك.. لعبت بطولة كل المسرحيات التى كتبها «سعد» ما عدا أربع هى (الأستاذ، وكوابيس فى الكواليس، والمحروسة، وكفر البطيخ) ولم يحدث أن شرعنا فى إعداد رواية جديدة إلا وكانت مثل هذه الاتهامات تلاحقنا، وكنت أرد عليها بسخرية، نعم يفصل لى الأدوار، و«شكسبير» أيضًا، و«بريخت»، و«برنارد شو»، «يوسف إدريس»، و«نعمان عاشور»، وغيرهم، جميعهم يفصلون لى الأدوار، وعموما لم أكن التفت إلى مثل هذه التفاهات وإلا لما كنت «سميحة أيوب» التى تجلسين معها الآن.
> لكن لماذا لم تعتمدى نفس النظرية فى السينما رغم أنه تقلد مناصب مهمة تسمح لك بأن تكونين بطلة معظم الأفلام التى أنتجت فى هذه الفترة؟
- الأمر هنا يختلف، وأذكر موقفًا عندما تم تعيينه مديرًا للشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائى (فيلمنتاج) كان الطلب على «سميحة أيوب» سينمائيًا متزايدًا فى هذه الفترة، وعندما تقلد المنصب وجدنى مرشحة للمشاركة فى ثمانية أفلام دفعة واحدة، فأزال اسمى عنها جميعها ليرفع الحرج عن نفسه، وعاد إلى المنزل قلقًا من رد فعلى، لكنه عندما قال لى ما حدث، قلت له (عين العقل.. أنا كنت سأطلب منك ذلك) فقبلنى وأربت على كتفى.
> ورغم كل هذا الحب لما لم تفكرا فى الإنجاب؟
- لأنى عندى ولدان، وهو عنده بنتان، فما وجه المتعة أن ننجب طفلًا لنتركه فى يد مربية تتولى شئونه، فنظلمه معنا، إذا كنت لم أستطع أن أستمتع بـ«محمود وعلاء»، فهل من المنطق أن أنجب للمرة الثالثة، ومع ذلك، فبعد أن مرت السنون قال لى ذات مرة نادمًا (مش كان زمانه فى الجامعة دلوقتى؟) قلت له (ربنا يخلى الموجودين).
> هناك قضايا ونزاعات بينك وبين ابنتيه، لماذا لم تستطعى الحفاظ على مساحة الود معهما كما فعلت من قبل مع أبناء «محسن سرحان»؟
- علاقتى بهما كانت (سمن على عسل) حتى تدخل شخص ما قبل عامين، وصور لهما أن لهما حقوقًا عندى، فتوترت العلاقة، وبدأت القضايا من هنا، لكن بالطبع أتمنى أن تنتهى كل النزاعات بينى وبينهما، لأنى أحبهما، وخصوصًا ابنته الكبيرة التى كُنت لها بمثابة أم ثانية.
> هل تذكرين آخر ما قاله «سعد الدين وهبة» لك قبل وفاته؟
- أذكر أنه فى وعكته الصحية الأخيرة، وبينما كانت الكاتبة «نعم الباز»، والروائى «فوزى فهمى» فى زيارته، قال لهما (عارفين لو ربنا طلعنى من الأزمة دى على خير هكتب كتاب عن سميحة وأسميه المرأة التى تحملتنى) لكن القدر لم يمهله.

> «سعد أردش»، و«كرم مطاوع» رجلان لا يمكن أن نغفل دورهما فى حياتك المهنية خاصة أنهما أخرجا معظم مسرحياتك، ماذا تقولين عنهما؟
- كنا نفهم بعض جيدًا، وكنت بالنسبة لهما أيقونة نجاح وقدم السعد، وهما أيضًا، لكن من الطبيعى جدًا أن تدب أحيانًا الغيرة فى قلب المخرج تجاه بطل العمل، خاصة أن المخرج يبذل مجهودًا خرافيًا ليأتى البطل ويخطف الأضواء فى النهاية.
> هل لك أن تذكرى لنا مواقف شعرت فيها بغيرتهما منك؟
- فى مسرحية (المسامير) التى عرضت عقب النكسة كان لى مونولوج مهم جدًا، وكنت اشتهرت وقتها بإلقاء المونولوجات ولا سيما فى مسرحية (سكة السلامة) التى سبقت عرض (المسامير) وحقق المونولوج فيها نجاحًا كبيرًا، المهم أنه جاء قبل العرض وأخبرنى أنه سيلغى المونولوج، فقلت له إذن سأنسحب من العمل، وجرى بيننا حوار وافق على إثره لكنه لم يكن راضيًا من داخله، والنتيجة أن مونولوج (اضرب يا عبدالله) الذى قدمته فى مسرحية (المسامير) كان يطلب فى التليفزيون مثل الأغانى. .الأمر تكرر أيضًا مع «كرم مطاوع» فى (الفتى مهران) حيث وافق على مضض على مونولوج أحدث وقت عرضه ضجة كبيرة جدًا، وفى إحدى ليالى العرض وجدته يدخل إلى الكواليس ويقول لى (إيه ده إنت ملبوسة عفاريت.. المونولوج محقق نجاح كبير فى الصالة هذه الليلة) فقلت له (هذا ما يحدث كل ليلة.. أين كنت إذن كل الأيام الماضية وأنا ألقيه) واكتشفت يومها أنه كل ليلة كان يخرج خارج المسرح وقت المونولوج من شدة غضبه أننى أصررت على تقديمه، وأنه هذه الليلة تحديدًا اضطر للجلوس بسبب حضور والدته لمشاهدة العرض!
> توليت إدارة المسرح الحديث والمسرح القومى فى ظروف صعبة، ومن المؤكد أن هناك الكثير من الرجال الذين ساعدوك لإتمام مهمتك، هل تذكرين تلك الفترة؟
- تم تعيينى كمديرة للمسرح الحديث عام 1973، وقبلت المنصب على مضض، لأن الوزير كان قد وعدنى بتولى إدارة المسرح القومى وخلف وعده معى، وكان قبولى على أساس أن أقدم استقالتى بعد وقت وجيز، حتى لا يظن المتربصون أننى كنت أروج شائعة تولى منصب مديرة مسرح، خاصة أن الحديث كان عبارة عن أحزاب متصارعة بعد دمج الكوميدى معه، مما تسبب فى فشل أساتذة كبار فى إدارته، لكن نبأ العبور غير مجرى الأحداث، فعقدت جمعية عمومية طارئة، وأوقفت مسرحية (100 بوسة وبوسة) التى كانت تُعرض وقتها من بطولة «سمير صبرى، ونجوى وفؤاد»، وقلت لجميع العاملين، الجنود تحارب على الجبهة، ونحن سنحارب على خشبة المسرح، من يرغب فى العمل معى فليبقى، ومن لا يرغب يُعلمنى فورًا من الآن، لأن من سيتقاعس فيما بعد (هقطم رقبته) فهلل الجميع بحماس، وقررنا المبيت فى المسرح حتى نخرج ليلة نضالية تصبح جاهزة للعرض أمام الجمهور خلال 48 ساعة، واستدعيت «عبدالغفار عودة، ومحمد نوح» لهذه المهمة فكانت (مدد مدد مدد شدى حيلك يا بلد) التى لا تزال تذاع حتى الآن، وكان العرض كل ليلة يتخلله نشرة أخبار لأن الناس فى المسرح كانت متعطشة لسماع الأخبار، وخرجت وكالات الأنباء تعليقًا على المسرحية تقول (مصر تغنى تحت قصف المدافع) وظللت لمدة ثلاث سنوات أحقق نجاحات كبيرة فى الحديث، حتى حدثنى وزير الثقافة يشكو من الحال الذى آل إليه المسرح القومى، ويطلب منى أن أتولى إدارته، فرفضت فى البداية، وقلت له (لماذا تعاملنى على أنى كاسحة ألغام) لكننى وافقت بعد ذلك وتوليت إدارته لمدة أربعة عشر عامًا أحدثت خلالها طفرة غير مسبوقة حتى استقلت. >