
عاطف بشاى
فوضى التناقضات
إذا سلمنا جدلاً أن مصر هى أرض التناقضات أو المفارقات.. أو إذا شئنا التبسيط هى أرض الأوضاع المقلوبة.. فإننا يمكننا بالتالى أن نصف شعبها بأنه يعانى من الازدواجية التى تنعكس على سلوكه الاجتماعى والأخلاقى وتمثل تناقضًا حادًا فى كثير من الظواهر المرتبطة باتساع الهوة بين الشكل والمضمون.. السطحى والجوهرى.. القديم والحديث.. العلم والخرافة.. التدين الحقيقى والتدين القشرى. إن مثالبنا المتأصلة والمتصلة بازدواجية السلوك والمفارقة الزاعقة بين نقيضين والأمثلة الصارخة على ذلك التى تنطوى فى أغلبها على مظاهر عبثية فى رؤية الواقع المعاش تقودنا إلى تراجع مخيف.. وردة حضارية مؤسفة. فمثلاً من الشائع أن تجد رجلاً يطلق لحيته ويحلق رأسه ويرتدى زيًا عصريًا مستوردًا (تى شيرت وارد باريس وبنطلون جينز أمريكى.. حذاء إيطالى.. ويسير مختالاً على شاطئ بحر فى قرية سياحية أو حافة حمام سباحة فى نادى.. خلفه تسير زوجته المنقبة تجر فى يديها طفلين وتنوء بحمل احتياجاتهما فى حقيبة.. وهو يمثل ذلك بذلك (سى السيد) فى نسخة الألفية الجديدة ويبدأ فى خلع ملابسه مرتديًا شورتًا شرعيًا طويلًا يتجاوز ركبتيه يشبه لباس الصيادين درءًا لفتنة النساء بينما تتولى هى إلباس الطفلين مايوهين.. يقفز الرجل إلى البحر أو حمام السباحة ومعه الطفلان يلهو معهما فى حبور.. بينما تجلس هى على الشاطئ تحرس احتياجاتهم.. يعانق هو بهجة الحياة ومتع الدنيا وتختنق هى داخل خيمة مظلمة كجارية أو خادمة لا يجوز لها أن تجاهر بما يتناقض مع كونها عورة من قمة رأسها حتى أخمص قدميها وظيفتها أنها وعاء للجنس والإنجاب. المدهش فى الأمر – وهو ما يقودنا إلى المثال الثانى – هو أن إحساس المرأة بالهوان والانكسار والازدراء واحتقار التكفيريين الذين يفتون أنها مثل الكلب والحمار تقطع الصلاة وتعتبر شؤمًا بالبيت وزانية إذا تعطرت.. ويبيحون الزواج من بنت التسع سنوات لمجرد أنها تطيق النكاح وألا يكون علاجها واجبًا على نفقة الزوج إذا مرضت ذلك لأن شرط الزواج بها الاستمتاع وإعطاء جزوة للرجل لأن مرضها أو موتها يتسبب فى فقدان هذا الشرط.. فقدر المرأة أنها كائن مضطهد يعانى من قهر الرجل وطغيانه عبر العصور. المدهش – والذى يفجر مجموعة من التناقضات – أننا نجد نماذج من النساء السافرات اللآتى يستمتعن بحريتهن وإرادتهن المستقلة بعيدًا عن هؤلاء الرجال (المطوعين).. يباركن هذه الوصاية ويسخرن من التمرد عليها ويدعين إلى الرضوخ لها.. والمدهش أكثر وهو ما يقودنا إلى مفارقة ثالثة أن تكون بطلتها فنانة معروفة هى المطربة «شيرين» التى أثارت سخط السعوديات على هامش حفلها الذى أقيم بالسعودية ضمن فاعليات موسم الرياض الترفيهى عقب انتهاء الحفل قائلة: (طالما منقدرش نستغنى عن الراجل فى حياتنا يبقى نسمع كلامه أحسن): فى الوقت الذى تظهر فيه السعودية قرارات متتابعة بتمكين المرأة – أخيرًا – من الحصول على حقوقها المغتصبة وكرامتها المهدرة فى مجتمع ذكورى قهرها وأهانها باسم الفضيلة الزائفة.. والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. وثقافة الحلال والحرام والتشدد غير الإنسانى.. إنها الآن تجنى ثمار محاولاتها لانتزاع حريتها الإنسانية وفى هامش يتسع تدريجيًا فى طريق مساواتها بالرجل.. وتحتفل بسعادة هذه الخطوات التى طال انتظارها بينما صدمتهم – تلك التى أتت من مصر الحضارة – لا تعانى قهرًا ذكوريًا ولا مجتمعيًا – بعبارات تشى بوجوب خضوع المرأة لإرادة الرجل بدلًا من أن تحتفل معه بذلك التحول التاريخى. ومن هنا فقد استحقت ذلك الهجوم العاصف ضدها من خلال هاشتاج تحت عنوان (اخرسى يا شيرين). وفى الوقت الذى تحتفل فيه السعوديات ببعض الإنجازات الطيبة فى طريق تحرير المرأة وثرن فيه ضد ممثلة تستهجن تلك الرؤية الحضارية وكأنها تريد أن تطفئ شموع التنوير.. تبرز أم من أمهات المفارقات المدوية متمثلة فى فنانة أخرى من مصر هى «صابرين» فى محاولة للبحث عن ذاتها المنقسمة وحسم الصراع للتحرر من هذا الانقسام بين ما فرض عليها وما تطمح إليه لمصالحة نفسها.. فانتصرت لطموحها وخلعت الحجاب.. لتواجه بحملات عاتية من التكفير والترهيب.. بدعوى أنها نزعت عباءة الإسلام وأساءت إلى العقيدة وتستحق عقاب الأرض قبل عقاب السماء. إنها فوضى من التناقضات يعيشها شعب «ملوش كتالوج».