فن تخليد اللحظات السعيدة
شريط الحياة الروتينى يمر يوميّا أمام أعيننا لا نكاد نتوقف إلّا عند بعض تلك اللحظات التى سرقناها فى غفلة من الزمن.. بعضُنا يسترجعُها فى عقله وقد رسم لها صورة مُعَيّنة، وآخرون احتفظوا بتلك الذكريات فى أشياء مادية مختلفة، كثيرون منّا لديهم صناديق خاصة يحتفظون فيها بما يُذكرهم بأحبائهم السابقين أو الحاليين، سواء كانت مقنتيات أو «كروت» أو صورًا.
تكاد تكون الصور الفوتوغرافية من أشهَر الوسائل لتخليد الذكريات الجميلة للأماكن والأشخاص؛ لنتعلم منها فى الحاضر وتعطينا الدافع للتغيُّر والإقبال على الحياة، إلّا أن هذه الصور لم تَعد الطريقة المثالية أو الوحيدة لتخليد الذكريات، بعد أن عددًا من الفتيات ابتكرن عدة أفكار خارج الصندوق للاحتفاظ بالذكريات الجميلة بطريقة مختلفة تجعلك تسترجع كل لحظة وأنت فى منزلك.
ذكريات أنيميشن
كريستين ملاح، فتاة مصرية جمعت بين موهبتها وهوايتها لبدء مشروعها الخاص؛ حيث تقوم برسم ذكريات الأشخاص ولحظاتهم الخاصة وتحويلها لقصص رسوم كرتونية وكتُب تلوين، تقول: «جاءتنى الفكرة بعد تخرُّجى فى كلية فنون تطبيقية وعملى فى إحدى شركات الملابس؛ حيث كنت أعمل فى تصميم الطباعات والرسومات على الملابس وأحوِّل الصور إلى رسوم كرتونية وأنيميشن، وبعد فترة من عملى؛ خصوصًا بعد الزواج والإنجاب أصبحت مواعيد العمل لا تناسب ظروفى الاجتماعية، فضلًا عن أن العائد قليل بالنسبة للمجهود الذى أبذله».
قررت كريستين ترك العمل، واستغلال موهبتها فى الرسم وحُبها لجمع الصور القديمة والذكريات فى بدء مشروع خاص بها، وعرضت الفكرة على عائلتها، التى أعجبت بها، لكن تخوّفها كان من عدم استيعاب الناس للفكرة؛ خصوصًا أنها فكرة غريبة: «صممتُ على خوض التجربة وبدأتُ بقصتى فقمتُ بتحويل صورى مع زوجى لرسوم كرتونية ملونة وبدأت فى تدوين أجمل اللحظات بيننا وذكريات طفولتى وجمعتها فى كتيب صغير من 5 صفحات، وقمت بتسويق فكرتى على فيس بوك وكتبت عليها: ارسم قصة حياتك».
لاقت الفكرة إعجاب الكثيرين فى الأيام الأولى، وبعدها بدأتْ تصل إلى كريستين رسائل وطلبات عن تفاصيل الفكرة وكيفية تنفيذها والأسعار، وبعد أسابيع قليلة انتشرت الفكرة، وبدأت تنهال عليها طلبات خاصة فى المناسبات مثل عيد الحب وعيد الأم وأعياد الزواج.
تعتزم كريستين العمل على تصميم مقاطع رسوم متحركة تحكى حكايات الناس وقصص الحب والوفاء بشكل يشبه قصص ديزنى: «أعشق الأنيميشن، لكنى للأسف لم أستطع تنفيذ الفكرة حتى الآن؛ لأنها تتطلب جهدًا كبيرًا، بالإضافة لفريق عمل وليس شخصًا بمفرده».
حيث قمتُ بتسجيل ورسم قصص جميلة ومؤثرة، منها قصة بطولة عظيمة سجلتها أمٌّ لابنها الضابط الشاب الذى فقد إحدى ساقيه دفاعًا عن الوطن، وأخرى لأمٍّ أفنت حياتها فى سبيل تربية أبنائها وتعليمهم، وأرادوا أن يكرموها بكتاب بسيط للذكرى، وقصة كفاح شاب مَرَّ بمراحل فشل صعبة حتى تمكن من تحقيق حلمه أهدته له خطيبته».
تماثيل للذكرى
من إبداعات تخليد الذكرى هى نحت البصمات والتماثيل الذى انتشر فى الفترة الأخيرة، وبدأت الفكرة على يد مجموعة طالبات فى كلية الفنون الجميلة قسْم النحت اللاتى حولنها إلى مشروع لكسب الرزق؛ حيث قامت إحداهن بنحت تمثال لأرجُل طفل صغير ونشرته على صفحتها الخاصة وكتبت عليه «خلّد بصمة طفلك بسعر رمزى».
بدأت «أسماء رؤوف» أول عمل ببصمة لطفلة عمرها عام أراد والدها عمل شىء مختلف كهدية لها فى عيد ميلادها الأول: «قمتُ بأخذ البصمة فى قالب مخصص، ثم قمتُ بنحتها من مواد طينية معالجة لتعيش لفترة طويلة من الزمن وطلائها بألوان دائمة وبروزتها، بعدها تلقيتُ عددًا كبيرًا من الطلبات لم تقتصر فقط على الأطفال، بل الكبار والأزواج والبصمات الجماعية لعائلة كاملة وبصمة الأشخاص مع حيواناتهم الأليفة».
تكلفة التصميم تبدأ من 500 إلى 1500 شاملة النحت والطلى والبرواز، وبعد فترة فوجئتْ «أسماء» بانتشار الفكرة، إلّا أنها ترى أن البعض يقوم بتنفيذ مجسمات بخامات رديئة غير صحية وقابلة للتعفن والتشقق وتسبب الحساسية، مثل عجينة السيراميك وعجينة النشا وعجينة الملح وبعض أنواع الطين مجهولة المصدر بأسعار رخيصة.
انتشر فنانو المُجسمات فى بعض النوادى وروّجوا لفكرتهم بين السيدات الحوامل بعرض نماذج لأعمالهم، وجذبت الطريقة الجديدة فى الذكريات الخاصة بالمواليد عددًا كبيرًا من الأمهات لوضعها ضِمْن قائمة الذكريات الخاصة بالمواليد الجُدُد كصور الأشعة الثلاثية الأبعاد التى تظهر أقرب ملامح للجنين، وأول صورة فوتوغرافية، كما روّجت بعض المتاجر الإلكترونية لعجينة من نوع خاص جاهزة ومبروزة يتم طبع بصمة القدم أو اليد عليها فقط وتركها حتى تجف إلى جانب الفيديوهات التعليمية التى ظهرت بكثرة عن كيفية صُنع عجينة النحت أو البصمة.
استوديو الذكريات
من الإبداعات الجديدة فى تخليد اللحظات المهمة والذكريات الجميلة، فكرة التجفيف؛ حيث ظهرت فى مصر مؤخرًا استوديوهات الذكريات تقوم بحفظ الأشياء المُعَلقة بالذكريات بطرُق غير تقليدية وبديعة مثل تجفيف بوكيه ورد الزفاف، ووضعه فى تابلوه خشبى أو برواز.
«آية حامد»، صاحبة استوديو ذكريات فى منطقة العباسية، كانت تعمل مصوِّرة فوتوغرافية ولديها استوديو خاص، مع الوقت وانتشار تكنولوجيا التصوير، وجدت أن الاستمرار من دون ابتكار أو تجديد أمر مستحيل، لذا قررتْ تنفيذ فكرة التحنيط وحفظ الذكريات بشكل غير تقليدى بعد أن استلهمتها من فيلم أجنبى: «قمتُ بعمل إعلان عن حفظ ذكريات الزفاف من بوكيه وفستان وبدلة ومنديل كتب الكتاب والأغراض الشخصية للعروس والأشياء المتعلقة بالمواليد الجُدُد كالسّرّة وملابس السبوع وبعض المتعلقات الشخصية».
تقوم «آية» بمعالجة الأشياء المعرَّضة للتعفن أو التلف قبل حفظها فى البراويز، فالزهور يتم تجفيفها قبل حفظها عن طريق استخدام السيليكا جل، أمّا الملابس فيتم حفظها عن طريق سَحب الهواء والضغط بالإضافة لوضع قطع بللورية مخصصة لحفظ الملابس لأطول فترة، أمّا سُرة الطفل فيتم وضعها فى محلول ملحى وتترك لتجف تمامًا دون لمس حتى لا تتعرض للتلف، ثم تحفظ فى برواز.
فكرة «آية» لم تنتشر بالشكل الكافى بعد، لكنها نجحت؛ حيث أقبل عليها الكثيرون، متوقعة أن تنتشر وتتطور فى وقت قصير، إلّا أن ذلك لا يقارَن بالإقبال على ديكورات الذكريات المصنوعة من الأخشاب مثل شجرة العائلة، التى تقوم بتصميمها بأشكال مختلفة وجذابة تُعَلق على جدران المنزل، وتضم أسماء أفراد العائلة وصورهم على أغصان الشجرة، وأيضًا حائط الذكريات الذى يعتمد بشكل أساسى على مجموعة كبيرة من الصور الخشبية المحفورة بالليرز ومزخرفة بطريقة عصرية مُسَجل بها أجمل اللحظات الخاصة بأصحاب المنزل.>







