فضائح البيوت فى «جلسات الوعظ» الحريمى!

كتبت: هند خليفة
يجتمعن من أجل تدارس كتاب الله والأمور الدينية فيما بينهن.. لكن تتحول حلقات العلم الدينى إلى جلسات نميمة نسائية والدخول فى متاهات الحياة الزوجية.. الحكاية تبدأ دائمًا عند واعظات تطوعن لتقديم الدروس الدينية التى تركز على علوم تجويد القرآن الكريم والسنة النبوية، تستهدفن النساء والفتيات لتقديم النصيحة بشكل دينى، هذا هو ظاهر حلقات الوعظ الدينية التى اعتادت السيدات حضورها داخل أروقة المساجد، ولكن بعد أن تابعنا تلك الحلقات تبين أن هناك دورًا آخر تقوم به وكذلك مسائل أخرى يتم تناولها، وأنها لا تتعلق فقط بفقه المرأة أو المسائل الدينية.
روزاليوسف خاضت رحلة حضور عدد من حلقات الوعظ النسائية فى عدد من المساجد والزوايا، إضافة إلى حلقات أخرى كشفنا عن إقامتها فى المنازل.
«أسرار البيوت»
«أم مريم» سيدة أربعينية بدأت منذ سنوات إدارة حلقات للوعظ بين النساء داخل منزلها، حيث بدأت بدعوة المقربين منها، واستهدفت آنذاك السيدات المتزوجات، خاصة أنها تخصص حلقاتها للحديث عن العلاقات الزوجية وتعامل المرأة المسلمة مع زوجها والزى الإسلامى الصحيح.
وتقتصر مؤهلات «أم مريم» التى شجعتها على اتخاذ تلك الخطوة حصولها على شهادة جامعية «بكالوريوس تجارة»، كما أنها «منتقبة» وتعتاد قراءة كتب الفقه والتفسير، كما أن لديها ملكة تفسير الآيات القرآنية على حد قولها.
وبعد أن أصبح لحلقات «أم مريم» بمنزلها مُريدين اعتادوا حضورها والاستماع إلى فتاواها، ناشدتهم بدعوة «أهل الثقة» لمشاركتهم حضور الحلقات والاستفادة منها، كما شددت على دعوة الفتيات الصغيرات اللاتى تتراوح أعمارهن بين 12 و الـ 16 عاما، معللة بأنها ترغب فى الارتقاء بثقافتهم الدينية.
ومن خلال إحدى مريدات «أم مريم» استطعت أن أحضر تلك الحلقات حتى أتمكن من معرفة ما يدور فيها، حيث أخفيت هويتى الصحفية بالاتفاق معها، وذهبنا معًا إلى منزل «أم مريم» الكائن فى أحد الشوارع بمنطقة فيصل فى محافظة الجيزة، وصعدنا إلى شقتها بالدور الثالث، لتقابلنا بترحاب شديد ولكن عينيها كانت تتحدث عن حذر فى داخلها تجاه تلك الشخصية الجديدة، خاصة وأن هيئتى تختلف عن مرتاديها من النساء اللاتى عادة ما تأتين لها مرتديات العباءات السوداء.
وبلطف شديد قبل بدء الحلقة وجهت لى بعض الأسئلة الشخصية كحالتى الاجتماعية وهل أنا ربة منزل أم عاملة، لأجيبها بأنى مخطوبة وأعمل سكرتيرة فى إحدى الشركات، وكذلك أسئلة تتعلق بهدف حضورى الحلقات، لأرد فى حماس شديد أن صديقتى هى من شجعتنى خاصة وأنك تقدمين دروسا حول أمورنا الحياتية وأنى أريد أن أكون ملتزمة مع زوجى فى المستقبل وأكون فى صورة الزوجة المسلمة الملتزمة.
وبعد الكثير من الأسئلة وحضور جميع النساء واللاتى كن عددهن سبعة، بدأنا نعرف بأنفسنا، وكان جميعهن ربات بيوت غير عاملات فى الثلاثينيات والأربعينيات من عمرهن إضافة إلى اثنين من الفتيات فى عمر الأربعة عشر عاما.
بعد التعرف والترحيب بدأت «أم مريم» التى كانت ترتدى جلبابًا منزليًا وخماراً حديثها حول زى المرأة المسلمة، وكذلك الحديث حول الأمور الحياتية، ليتخلل حديثها مقاطعات السيدات اللاتى وجهن أسئلة تتعلق بالحياة الزوجية وعلاقتهن وأزواجهن، لأجد بوصلة الحديث تتحول من الفقه والشرع، إلى حديث حول طباع الرجال السيئة فى تعاملهم مع زوجاتهم وقصص خياناتهم، كما أن الحديث تطرق إلى مواضيع تتعلق بالعلاقة الزوجية والتى تعد من «أسرار البيوت» وغير مسموح بالحديث فيها، حتى انتهت الحلقة، فلن أجد نفسى سوى فى جلسة نسائية عشوائية للتسلية وقضاء وقت فراغ.
وعقب الانتهاء طلبتنى «أم مريم» للحديث على انفراد، وقالت لي: «أنتِ أختى فى الله وواجبى أنصحك بأن تغيرى شكل لبسك (بنطال جينز وبلوزة)، البنطال ملفت ويفتن الرجال، ابدأى صفحة جديدة نقية من غير ذنوب»، وبابتسامة عريضة استكملت: «عايزاكى المرة الجايا تحضرى بلبس واسع وياريت تغيرى لفة حجابك وتكون خمار).
محظورات الحلقات
واستكمالًا لكشف خبايا وأسرار حلقات الوعظ النسائية كان لى محطة أخرى فى مسجد «الرحمة» فى منطقة المطبعة بمحافظة الجيزة، وكان ذلك من خلال إحدى السيدات اللاتى تحضرن حلقات بنفس المسجد منذ سنوات.
الحاجة «وفاء» ذات الستين عامًا، هى بطلة تلك الحلقة والتى اعتادت إدارتها منذ أكثر من عشر سنوات، واعتادت أيضًا نساء وفتيات المنطقة على حضورها، بشكل أسبوعى، حيث تعقد أسبوعيًا حلقتين أيام السبت والأربعاء لمدة ساعة، والتى تحضرها ما يقرب من خمس عشرة سيدة وفتاة.
الإقبال على حضور الحلقات ملفت، وحينما سألت عن السبب، قالت لى إحدى المشاركات إن «الحاجة وفاء» شخصية متمكنة من علوم الدين وشرحها بسيط خاصة وأنها حاصلة على دكتوراه فى السيرة والفقه، وحول ما تقوم بتدريسه لهم، أوضحت أنها تقوم بشرح الفقه الواضح مثل تعليم الوضوء والصيام والصلاة طبقًا للسنة.
جلست جميع النساء والفتيات فى وضع الإنصات أمام السيدة الستينية، التى أحاطوها بهالة من الاحترام والهيبة، لتبدأ حديثها ببعض الآيات القرآنية، وتتحدث بعد ذلك عن معانِ أسماء الله الحسنى، والجزء الآخر من الحلقة كان يوجه لها الحضور أسئلة كانت عن الأمور الحياتية، فكان من بينها سؤال من سيدة حول رأى الدين فى ضرب الزوج لزوجته، لترد عليها بـ: «كل ما نصبر على الزوج ناخد أجر.. والست لازم تكون مطيعة».
ولحلقات الحاجة وفاء محظورات أخبرتنى بها إحدى الحضور، موضحة: «كلام السياسة ممنوع، وأسرار العلاقة بين الست وزوجها»، لافتة إلى أن هناك توجيهات أمنية لعدم الحديث حول الموضوعات السياسية، إضافة إلى منع حدوث خلافات لاختلاف التوجهات، مشيرة إلى أنها لهذا السبب لا تسمح بحضور الأغراب وأن الحضور يقتصر فقط على «أهل الثقة».
كان من الواضح تعمد الحاجة وفاء الاهتمام بفئة الفتيات الصغيرات فى السن، والتأكيد على ضرورة الالتزام بتعاليم الدين الإسلامى وكذلك تقاليد وعادات المجتمع المصرى العربى، وليس التأثر بالأفكار الغريبة التى دخلت على مجتمعنا، لتدعو الفتيات الصغيرات الحاضرات بالحلقة أن يكن مثالًا للفتيات الصالحات، ونقل ما يتلقونه من علوم داخل الحلقة إلى صديقاتهن، وأن يكن سببًا فى إعادة نشر الدين الإسلامى بصورته الصحيحة.
ومع انتهاء الحلقة طلبت منى إحدى الحضور الحصول على رقم هاتفى للتواصل معى من خلال «الواتس آب»، وأعطيته لها لأجدها أدخلتنى فى جروب، يتداولون فيه فيديوهات الفتاوى لبعض المشايخ أبرزهم «محمد حسين يعقوب- أبو إسحاق الحويني- محمود المصري- محمد حسان»، يدور أغلب تلك الفيديوهات حول الاحتشام والسبيل إلى قلب الزوج.
شعار «أم يوسف»
وكانت محطتنا الجديدة للكشف عن حكايات وأسرار حلقات الوعظ النسائية، فى منطقة «دار السلام» المعروفة بعشوائيتها الشديدة، بمسجد «أهل السنة»، فحينما وطأت قدماى فيها وجدت عددًا لا بأس به من السيدات اللاتى يرتدى أغلبهن النقاب ويصطحبن أطفالًا، وعددًا لا بأس به أيضًا من الفتيات الصغيرات، فى انتظار معلمتهن التى اعتادت أن تأتى لهن يوم السبت من كل أسبوع عقب انتهاء صلاة العصر.
سيدة مرتدية النقاب، فى العقد الرابع من عمرها، ما إن فرغت من صلاتها إلا والتفت حولها جميع المصليات، بشكل عشوائى تحيطه أصوات الضحكات والأحاديث الجانبية، ما يبرز مدى عدم اهتمام هؤلاء بتلقى العلوم الدينية، التى تلقيها عليهم «أم يوسف» التى تطوعت لإقامة تلك الحلقات.
هناك طقوس تقوم بها «أم يوسف» مع البدء فيها تنتهى الأحاديث الجانبية، حيث اعتادت بدء حديثها بإغلاق الإضاءة فى المسجد معللة بأن الإضاءة الخافتة تجعل الجميع خاشعون بشكل أكبر، كما أنها تقوم بوضع أعواد البخور، مهيئة الأجواء للبدء فى الحديث.
بدأت «أم يوسف» بتجويد بعض الآيات القرآنية وقامت بتفسيرها، حتى بدأت تلقى الأسئلة وتقديم بعض الفتاوى المتعلقة بالأمور الحياتية، من بينها تقديم فتوى عدم إجازة الصلاة فى وضع الجلوس لصغار السن، قائلة لإحدى الفتيات والتى كانت تصلى وهى جالسة لمرضها: «استمتعى بشبابك.. الصلاة عل الكرسى ممنوع».
ووجدتها تحث الفتيات الصغيرات على ارتداء الملابس المحتشمة والالتزام، ولكن بطريقة بها تعنيف، فوجهت حديثها لفتاة صغيرة سنها لا يتخطى الثلاثة عشر عاما، قائلة: «قومى صلى والبسى حجاب أنتى مبقيتيش صغيرة وبقيتى زيك زينا».
وبعد مرور ثلثى الوقت المخصص للحلقة، قامت بعض السيدات بالافتراش واتخاذ وضع النوم، لحين انتهاء الحلقة، كما تحولت الجلسة إلى أحاديث حياتية تتعلق بالأبناء والأزواج والطبخ والميزانية، انساقت معهن فيها معلمتهن التى تركت الوعظ والفتوى وتحدثت معهن عن أسعار الدروس الخصوصية.
وبالحديث مع إحدى السيدات الحاضرات عن تلك الحالة التى تتسم بالعشوائية قالت: «أغلب اللى جايين يحضروا مش علشان يتعلموا دينهم.. أغلبهم جايين علشان يتجوزوا ويتسلوا»، موضحة: «من بين الحاضرين أمهات بتخطب لأولادها بنات من الدرس بعد ما تتأكد من التزامها».
وبسخرية شديدة استطردت أحد المواقف المدللة على ذلك وقالت: «فى مرة واحدة كبيرة فى السن كانت عايزة عروسة لأخوها عنده ستين سنة وكلمت واحدة عندها أربعين سنة علشان تتجوزه وتقوم بخدمته»، لتستمر الأحاديث الجانبية حتى تنهيها «أم يوسف بأن الدرس قد انتهى، لتعد بلقاء جديد فى الأسبوع التالى.