الأربعاء 7 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من قتل رجاء عليش؟

من قتل رجاء عليش؟
من قتل رجاء عليش؟


خيرى حسن يكتب:
 
47 عامًا عاشها الأديب رجاء عليش قبل انتحاره الصادم، والمُباغت.. والغريب، والعجيب لا يحلم فيها سوى بابتسامة، مُجرد ابتسامة، تكون صافية، وصادقة، وباعثة على الأمل، والحياة، هذا كل ما كان الرجل قبل موته يتمناه. كان حلمه أن يرى الابتسامة كل صباح، مرسومة على وجه، بائعة اللبن عندما تطرُق بابَه، وعلى وجه حارس العقارالذى يراه فى أول صَباحه، وعلى وجه امرأة أربعينية، كانت تقف فى شرفتها يراها ولا تراه لتحتسى فنجان قهوتها الصباحية، وعلى وجه سائق الحافلة كانت تمرُق بجواره مسرعة إلى مصانع التبغ، ولعب الأطفال، وفساتين السهرة، وتوابيت. وعلى وجه رجل الشرطة الذى كان يقف بلا نشاط واضح، ينظم حركة المرور، المرتبكة، اليومية. وعلى وجه عامل البلدية، الذى ينظف غالبًا الشارع من كل شىء، إلّا من حالة «العبوس» التى تنام فى أحضان لياليه الشتوية. وعلى وجه فتَى وفتاة هاربين من المدرسة الثانوية، ليقفا تحت ظل شجرة، يتحدثان عن مستقبل، يحلمان فيه بأيام جميلة وردية. وعلى وجه عامل المقهَى العجوز الذى يحتسى فيه فنجان قهوته السادة، وأمامه عناوين صحف الصباح، الباهتة، والثابتة، والكاذبة، التى لا تعرف هى أيضًا طَعم الابتسامة العادية.
لم يكن لرجاء عليش طلبٌ فى الحياة، عاش له وتمناه، سوى أن نبتسم فى وجهه؛ لعلها تكون طوق نجاة. وعندما تأكد أننا أهملناه، وتركناه، اتخذ قراره و..و.. وانتحر!.. فهل هو الذى قتل نفسه.. أمْ نحن جميعًا قتلناه؟


(مصر الجديدة - 2019م)


أخرُج مُسرعًا من مترو الأنفاق محطة الأهرام فى طريقى إلى ميدان الجامع بحى مصر الجديدة، أترجل فى شارع عثمان بن عفان، ومنه دلفتُ إلى شارع اسمه طلخا، اسم مدينة فى وسط الدلتا، على جانبَى الشارع محال ذهب تحمل كلها لقب «عليش». سألتُ فى المحل الأول، هل تعرف أحدًا من أسْرة الكاتب الراحل رجاء عليش؟ نظر إلىّ الرجل الجالس وراء ميزان صغير وفى يده موبايل حديث يُجرى عليه عملية حسابية فيما يبدو مُعقدة. ثم قال: لا.. اسأل عم يوسف، ستجده فى المحل الكبير نهاية هذا الشارع، فهو يعرف العائلة كلها. وصلت بعد لحظات إلى عم يوسف. قال: نعم أنا أسمع عنه، لكن لا أعرف أحدًا من أسرته؛ لأنها عائلة كبيرة، ومتفرعة، ومتشعبة. ثم أكمل قائلًا: إن أردت معلومات دقيقة؛ فعليك بالذهاب إلى خان الخليلى، فهناك العديد من الأسْرة يعملون فى تجارة الذهب. تركتُه وتحركتُ فى الشارع الهادئ، حتى وجدت مقهَى جانبيّا صغيرًا جلست فيه. صاحب المقهَى أعطانى عنوانًا آخر بمنطقة منشية البكرى، وقال: هناك ستجد منزله.


(منشية البكرى - 2019م)


أنا الآن أمام العمارة رقم (5 أ) شارع السخاوى،على مَدخلها يافطة تحمل اسم (د. تيسيرعليش طبيب نساء وولادة) دلفتُ إلى مدخل العمارة، خرجتْ زوجة الحارس تطارد النومَ من عينيها. سألتُها عن الأديب عليش؟ ردت وهى تتثاءب وتقول: أعمل هنا منذ 6 سنوات، ولا أعرف هذا الاسم. بعد دردشة قصيرة. قالت: هذا رقم هاتف الدكتور تيسير عليش، ومن المؤكد أنه يعرفه. أمسكتُ بهاتفى وطلبته: آلوه..أنا صحفى أكتب موضوعًا عن الراحل رجاء عليش؟ نعم هو عمى، لكنه رحل وأنا طفل صغير، ولا أعرف عنه شيئا. ثم أعطانى رقم هاتف شقيقه الأكبر محمود عليش سفير سابق، وبالفعل حاولتُ التواصل معه أكثر من مرّة، لكن كل المحاولات باءت بالفشل. عدتُ إلى الدكتور تيسير، فأعطانى رقم هاتف ابنة شقيقة الراحل. بعد تحَفُّظ. قالت: هو مات من زمان.. لماذا تتذكرونه الآن؟ قلتُ هو أديب وكاتب، وإن مات الكاتب لا تموت الكتابة. واصلتْ ردودها المتحفظة فى كلامها حتى انتهت المحادثة بيننا، هى لا تريد أن تتحدث، ولا تريد أن يتذكره أحد.



(شارع عبدالخالق ثروت -  2019م)

عدتُ من مصر الجديدة إلى مَطعم نقابة الصحفيين؛ حيث لايزال مصطفى عبدالله جالسًا يتذكر بحزن ذلك الأديب الذى ساقه القَدَر؛ ليتعرف عليه، ويعيش معه أيامًا وليالى بعضها سعيد ومعظمها حزين. يقول مصطفى عبدالله: بعدما نشرتُ له خبرًا عن روايته «كلهم أعدائى» جاء لمقابلتى فى صحيفة الأخبار. كان أصلع الرأس، عملاق الجسد، يخفى خلف نظارته الطبية نظرات مُوحشة، وحزينة، قلت له: لماذا أراك هكذا حزينًا؟ رد: بالعكس أنا اليوم لستُ حزينًا! كيف أحزن وهناك خبر نُشر عنّى بالأخبار، وهذا أمرٌ بالنسبة لى عظيم، فلقد ذهبتُ من قبل بأعمالى إلى خمسة صحفيين، وقدمتها لهم، فلم ينشروا ولو سطرًا من عدة كلمات قليلة.. ثم أردف قائلًا: لذلك جئتُ اليوم حتى أشكر أسرة تحرير صحيفة «الأخبار» على دعمكم لى. ثم ترك لى مجموعته القصصية (لا تولَد قبيحًا) فقدّمتُها مع روايته «كلهم أعدائى» للناقدَين عبدالفتاح البارودى، والدكتور نبيل راغب. ولقد كتب الدكتور راغب دراسة أدبية نقدية مطولة، أذكر منها: «لقد استطاع الأديب رجاء عليش بروايته «كلهم أعدائى» أن يكتب شهادة ميلاده الأدبية، وهو روائى يمتلك رؤية فكرية، وفنية محددة، ومتبلورة، تجاه المجتمع المعاصر بصفة خاصة، والكون بصفة عامة». أمّا عبدالفتاح البارودى فقد كتب: «ماذا يقصد رجاء عليش بالكتاب الذى أصدره بعنوان :لا تولَد قبيحًا؟ إنه كأديب يشعر بمتناقضات عجيبة، ويفسر المآسى تفسيرًا عجيبًا، وهو كمفكرـ  يقول إن المأساة الحقيقية هى التناقض الصارخ بين الشكل والحقيقة.. وكروائى يصور فى قصته إنسانًا أصيب بمأساة القبح ثم بلعنة المرض وبمصيبة الخوف، فهل يعيش بلا أمل؟ وأين يجد الأمل؟ إنه يروى أن أحد جيرانه كانت ظروفه سعيدة، ولكنه فشل لأنه كان قبيحًا، ورُغم ذلك ففى الكتاب بناء فنى غير عادى، وأسلوب بليغ». هنا اعتدل الشاعر فريد أبو سعدة على مقعده ثم قال: أظنه يا مصطفى بدأ يطمئن لك ويُعمق معرفته بك؟ رد: بالطبع.. فهذا الاحتفاء بأعماله، جعله يقترب منّى كثيرًا، ويطمئن لصداقتى يومًا بعد يوم. وبدأ يتحدث معى عن حياته الخاصة وكيف كان يحب أمَّه حُبّا جَمّا، وكيف أن إخوته كانوا يبتعدون عنه، ويتجاهلونه. وكيف اضطر للعيش وحيدًا حياة خالية من الدفء الأسَرى والعاطفى. لا زوجة. ولا أولاد. ولا أصدقاء، حتى أصبح لحياته روتين يومى ثابت ومحدد.

نحن الآن نقضى يومًا عاديّا من حياته، التى أصبح عليها، بعد استقالته عام 1958م من عمله فى ديوان وزارة الخارجية، كباحث قانونى. يستيقظ من النوم فى العاشرة صباحًا، يرتدى ملابسه، ويستقل سيارته الحديثة، ويذهب إلى«جروبى» مصر الجديدة. يتناول إفطاره الصباحى، ثم ينتقل للجلوس فى أحد المقاهى القريبة فى ميدان «الكوربة» حتى الظهر. بعد ذلك يذهب إلى مطعم (لامفيتريون) ليتناول الغداء، ثم يذهب إلى السينما؛ حيث يعشق مشاهدة الأفلام الأجنبية ثم يعود إلى منزله فى الثامنة مسًاء؛ ليستمع للموسيقى الكلاسيكية، ويقرأ حتى ساعة متأخرة من الليل ثم ينام وحيدًا سعيدًا. ويتكرر ذلك فى اليوم التالى، واستمر برنامجه اليومى هكذا، حتى بدأت فكرة الانتحار تراوده، فذهب إلى قسم شرطة مصر الجديدة، وقام بترخيص سلاح، وبدأ يتدرب على إطلاق النار فى صحراء مدينة نصر، استعدادًا للنهاية التى اختارها لنفسه.



(الزمالك - 1979م)

أثناء تدريبه على طريقة الانتحار التى اختارها لنفسه، بدأ يرتب أوضاعه، وأفكاره، وأحلامه، التى كان يتمناها بعد موته. ففى الأول من سبتمبر من العام نفسه أرسل خطابًا مُسَجلًا بعلم الوصول إلى (11أ) شارع حسن صبرى للأديب توفيق الحكيم بصفته رئيس اتحاد الكُتّاب قال فيه:«أتشرف أنا محمد رجاء عليش، المقيم فى شارع محمد فريد- مصر الجديدة، بعرض الآتى: لمّا كنت أملك ثروة كبيرة وأرغب رغبة شديدة فى أن أسهم بقدر طاقتى فى تنشيط الحركة الأدبية فى مصر بتيسير سُبُل النشر أمام الشبان من أصحاب المواهب الصاعدة، فقد عزمتُ العزمَ على تخصيص جزء من ثروتى أوصى به لتحقيق هذه الغاية لكل من جمعية الأدباء واتحاد الكُتّاب مناصفة، والنصف الآخر من الموصَى به إلى صفحة أخبار الأدب بالأخبار، وفيما يلى بيان بهذه الممتلكات التى سأوصى بها «عمارة بمنشية البكرى تُدر عائدًا سنويّا قدره ألفان وأربعمائة جنيه، وتقدر بحوالى مائة ألف جنيه.. قطعة أرض بمدينة نصر تساوى مائة ألف جنيه تقريبًا، ومكتبة بها 1200 كتاب تبرعًا منّى لجمعية الأدباء. وحق طبع ونشر كتابى «كلهم أعدائى» و«لا تُولَد قبيحًا»، وإننى على استعداد تام لمقابلة من ترون من أعضاء جمعية الأدباء أو اتحاد الكُتّاب لمناقشة الخطوط العريضة للعملية نحو تحقيق هذه الغاية. وأرجو أن يكون ذلك فى أسرع وقت ممكن، وتقبلوا خالص التحية».
المُقر بما فيه: «محمد رجاء عليش»
مرّت الأيام ولم يتواصل معه أحد، وهذا معناه، إمّا الخطاب وصل إلى توفيق الحكيم ولم يلفت انتباهه. وإمّا سكرتارية مكتبه لم تقدم له الخطاب من الأصل، واعتبرتها رسالة من مجهول لمختل عقليّا. لذلك قرر أن يتجه إلى طريق آخر، وغيّرَ وجهته إلى كتابة وصية؛ فربما يسمعونه وهو ميت، بعدما رفضوا يسمعونه وهو حى!



(محكمة مصر الجديدة- 1979م)

فى صباح يوم خريفى معتدل، ارتدى ملابسه، ونظارته الطبية، وتناول إفطاره اليومى المعتاد، واحتسى فنجان قهوته فى مقهَى بشارع بيروت، ثم استقل سيارته واتجه إلى مبنى الشهر العقارى، وهناك كتب وصيته وأودعها فى محضر رسمى حمل رقم إيداع 2490 لعام 1979م، ثم عاد إلى بيته يفكر، ويدبر، ويخطط، ويهيئ نفسه، للموت منتحرًا. ولقد استغرق ذلك ستة أشهُر كاملة، ترك خلالها شقته فى عمارته بمنشية البكرى. وقام باستئجار شقة رقم 5 بالعقار رقم 24 ش عبدالحميد أبو هيف، وبدأ يخزن بها كل ما يساعد على الانفجار بغرض الانتقام من المجتمع الذى أهانه، وتجاهله، وعذّبه، وهمّشه، وقتله وهو حى. كما جاء فى رسالته التى وُجدت فى خزنته بعد انتحاره. والتى طلب فيها بحرق جثته وإلقائها فى البحر، ولا تُسَلم لأسرته.

 
(شارع عبدالخالق ثروت -  2019م)

فى مطعم نقابة الصحفيين مصطفى عبدالله  لايزال  يسترجع شريط  ذكرياته مع رحلة عليش مع الحياة والثقافة والموت. ولايزال فريد أبوسعدة يُذكرنا بشعراء وكُتّاب عالميين وعرب انتحروا، بعدما فشلوا فى التأقلم - ربما لرهافة مشاعرهم - مع المجتمع المحيط بهم. قلت: عندما نعود إلى«وصية» رجاء عليش، نجده كان مُصرّا عليها وبقوة، رُغم تجاهلها من اتحاد الكتّاب ومن صحيفة الأخبار.. لماذا كان هذا الإصرار؟ يرد مصطفى عبدالله: قبل أن أُجيبك عن هذا السؤال، دعنى أقول لك إننى ذات يوم سألته: أنت تعرضت فى كتابَيْك إلى مشكلة القبح أو الاختلاف الذى يعانى منه جزء كبير من البشر. لماذا القبح بالتحديد الذى ركزت عليه فى الكتابين؟ رد منفعلًا: إننى لم أحصر نفسى فى مشكلة واحدة، ولقد حاولت أن أعالج قضية الموت والحياة والحب والكراهية وغيرها من القضايا، وعالجت انتهازية المجتمع المعاصر وأخلاقياته المنهارة، من خلال بطل رواية «كلهم أعدائى»، وسوف أستمر فى معالجة قضية الإنسان الذى يشعر بمأساة الحياة، أيّا كان سبب هذه المأساة. توقف مصطفى عبدالله قليلًا ليحتسى فنجان قهوته الذى جاء به النادل قبل قليل ثم قال: أمّا فيما يخص وصيته، فلقد رأيتها، خطوة غريبة، وعجيبة، وقتها بعدما أطلعنى عليها، وأذكر أنه أرسل إنذارًا على يد محضر «للأخبار» يُعلمهم فيه بوصيته، لكنهم تجاهلوه واعتبروه «غاوى شُهرة». كان ذلك قبل انتحاره بأيام قليلة. يومها أجريتُ معه حوارًا حول هذه الوصية بالتحديد، وللأسف تأخرتُ فى نشره عدة أيام، حتى صُدمتُ بخبر موته. سألته: ما دوافعك وراء هذه الوصية؟ قال: ليس أكثر من الرغبة فى كسر حاجزَى الصمت، والنشر، أمام الشبان الجُدد. وعمل جائزة سنوية لأفضل الأعمال الأدبية يستفيد منها- على الأقل ماديّا - شباب الأدباء وهم فى بداية حياتهم. وهذه الوصية لا رجوع فيها؛ لأى سبب من الأسباب. وقد يظن البعض أنها طريقة ليتكلم عنّى الناس، ولكننى أرد على هذا قائلًا: أننى استطعت كسر حاجز الصمت حول أعمالى، ولا أبحث من وراء الوصية عن شُهرة أو نجومية. قلت: وما الوصية بالضبط ؟ رد: الوصية عبارة عن عقارات أملكها تقدر بـ (200 ألف جنيه مصرى) تعادل الآن 4 ملايين جنيه تقريبًا توزَّع كالتالى: «صفحة أخبار الأدب ولها النصف، وجمعية الأدباء لها الربع، واتحاد الكتّاب له الربع». والوصية تتضمن أيضًا «إنشاء جائزة سنوية باسمى فى مجالَى القصة القصيرة والرواية لأحسن كتاب منشور خلال السنة فى الفرعين المذكورين»، وهدفى من ذلك إتاحة الفرصة كاملة للكتاب الجُدد بلا وساطة أو علاقات شخصية أو محسوبية أو شللية؛ لنشر إنتاجهم. ولقد فعلتُ بهذا ما أملاه علىّ ضميرى الإنسانى والإبداعى، وبقى على الآخرين أن يتحركوا لتنفيذ تلك الوصية بعد موتى، ثم سكت قليلًا وحدثنى عن الموت وفكرة الانتحار التى تراوده منذ عدة سنوات، ثم قال فى يأس واضح: أنا أشعر بالاغتراب فى هذا المجتمع، أشعر بأن أناسًا يتربصون بى طول الوقت، يضمرون لى شرّا، يكرهوننى لسبب خارج عن إرادتى، لذلك لم يكن غريبًا أن أتمزق تمامًا، لكننى أحاول جاهدًا، أن يتغلب الحب على الكراهية، يتغلب الأمل على اليأس، فأنا إنسان بسيط، إذا ابتسم إنسان فى وجهى، أشعر أن الحب انتصر فى داخلى.. فيا أبناء وطنى ابتسموا فى وجهى. هذا كل ما أطلبه منكم».


(مبنى أخبار اليوم -  1980م)

الساعة الآن العاشرة صباحًا، موسى صبرى رئيس تحرير صحيفة الأخبار فى طريقه إلى قاعة اجتماع مجلس الإدارة. سكرتير الجلسة يتلو على الأعضاء جدول الأعمال. بدأت المناقشات، والمداولات، والموافقات، حتى وصلوا إلى البند الأخير. قال موسى صبرى: لدينا وصية الكاتب الراحل رجاء عليش التى اختص فيها «الأخبار» بملبغ كبير لصالح جائزة سنوية للشبان الجُدد، فماذا أنتم فاعلون بتلك الوصية؟ بعد دقائق من الهمهمات، والتلميحات، والمداولات، وقف عضو مجلس إدارة- عن العاملين- يتحدث غاضبًا قائلًا: يا موسى بيه.. هذا الرجل مات منتحرًا «يعنى كافر» ومؤسسة أخبار اليوم، كصَرح صحفى كبير لا تقبل أموالًا من شخص مات منتحرًا، ثم نظر إلى باقى الأعضاء وجلس إلى مقعده. رد: موسى صبرى قائلًا: إلى هنا يُغلق محضر الاجتماع على ما تم التوقيع عليه. فى الممر المؤدى إلى مكتبه التقت حُسن شاه المشرفة على صفحة أخبار الأدب. سألته: ماذا كان القرار؟ رد: الرفض طبعًا! لكن يا ريس هذه خسارة فادحة للثقافة؛ لأن هذه الأموال كانت ستساهم فى تنشيط حركة النشر للمواهب الجديدة. رد أوافقك فى ذلك، وتعلمين كم أنا داعمًا لهذه الصفحة ودورها الثقافى. لكن لو أعلنت موقفى وموافقتى على تلك الوصية، كان هناك فى مجلس الإدارة من سيخرج ويهاجمنى، ويتهمنى بالكفر والإلحاد مثل.. رجاء عليش! الوصية اترفضت!. 
يتبع فى الأسبوع المقبل