جرائم «النوم فى العسل»!

لخص المشهد الأخير من فيلم «النوم فى العسل» الذى قام ببطولته الزعيم عادل إمام، ما يمكن أن تتسبب فيه انتشار ظاهرة الضعف الجنسى، عندما صَوَّرَ الكاتب المبدع وحيد حامد جموع الشعب تخرج فى مظاهرات حاشدة وهى تصرخ بكلمة واحدة «آآآه».
فبَعد 23 عامًا من الفيلم الذى أخرجه للسينما شريف عرفة، تكاد تكون الـ«آه»، هى السبب وراء عشرات الحالات التى انتهت بالقتل أو بقضايا الطلاق والخُلع، فالسبب فى جميعها معاناة الرجُل من «الضعف الجنسى».
فى وسط الضغوط النفسية التى يمر بها الناس فى المجتمع وإدمان المواد المخدرة يتولد الضعف النفسى أكثر من العضوى، ورُغم تطوُّر العلاج والطب فإن الكثير يلجأ لأدوية التنشيط الفورية التى تؤثر على المدى البعيد، بدلًا من تلقّى العلاج الصحيح.
السينما المصرية تناولت قضية الضعف الجنسى فى عدد كبير من الأفلام، ومنها: «السراب» و«أرض أرض» و«الفرح» وغيرها من الأفلام، ولكن يظل أبرزها فيلم «النوم فى العسل» الذى تناول الأمْرَ بشكل فانتازى فى ظاهره وواقعى بشكل مخيف؛ حيث اختلق فكرة إصابة أغلب الرجال بالضعف الجنسى بسبب الإحباط والضغوط الاجتماعية، ورَدّة فِعل كل منهم.. الانتحار كان بداية اكتشاف الظاهرة فى «النوم فى العسل»، عندما أقدم العريس «ياسر جلال» فى ليلة الدخلة على الانتحار أمام قطار بعد اكتشافه عجزه الجنسى وخوفه من الفضيحة، الأمْرُ فى الواقع لم يختلف كثيرًا، إلّا أنه كان أكثر دراما من السينما، فقبل نحو شهر، أقدم المحامى «محمد عثمان» على قتل عروسه «منار» يوم «الصباحية» والهرب وطعن نفسه بالسكين لينهى الفضيحة التى تلحق به وبأسرته بعد عجزه عن الدخول بزوجته ليلة الزفاف.. هذا ما توصلت إليه التحقيقات الأولية فى قضية مقتل عروس المنوفية «منار»، التى طعنها زوجها بعدما سمع مكالمتها لوالدتها التى فضحت فيها سرّه.
لم تكن تلك هى القضية الوحيدة التى حدثت بسبب العجز الجنسى والخوف من الفضيحة؛ حيث تشهد محاكم الأسرة بفروعها المختلفة سنويّا مئات القضايا التى تنقسم ما بين الخُلع والطلاق بسبب العجز الجنسى، وهناك قضايا قَتْل تدور فى النطاق نفسه، منها قضية «محمد» حارس العقار الذى قتل زوجته بسبب معايرتها له. فخلال العام الماضى ادّعى حارس أحد العقارات بالقاهرة فى بلاغ أنه وجد زوجته «نعمة» فى حالة إعياء شديدة وألقيت على الأرض دون معرفة ما الذى أصابها، إلّا أن التحريات وتحقيقات النيابة كشفت أن السيدة تم قتلها والوفاة ليست طبيعية، وبعد الضغط على الحارس اعترف بأنها كانت دومًا ما تدخل معه بشجار وتعايره بعدم «رجولته» لضعفه الجنسى، حتى إنه قام بتناول منشط جنسى قبل الواقعة بساعات، ولكنه فشل كالعادة، ما جعلها تهدده بالطلاق، وتخوُّفه من الفضيحة دفعه إلى فقدان صوابه وكتَمَ أنفاسها بوسادة حتى تُوفيت.
وعلى طريقة الفنان القدير ضياء المرغنى بفيلم «النوم فى العسل» الذى قتل زوجته لمعايرتها له لعجزه الجنسى، قام طباخ فى محافظة البحيرة بذبح زوجته أمام أهلها بعد عودته من عمله فى إنجلترا؛ حيث كانت فى استقباله ولكنه قام بالشجار معها بسبب شكه فى سلوكها، وعندما ردت عليه بأنها تتحمل عجزه الجنسى ولا تسمح بالشك نشب شجار كبير بينهما تركت على إثره البيت وذهبت لمنزل أهلها، ليلحق بها ويذبحها أمام أهلها ويفر هاربًا.
أثيرت الأقاويل حول أسباب انتشار العجز الجنسى فى مصر؛ خصوصًا بعدما أعلن الدكتور مدحت عامر أستاذ أمراض الذكورة والعقم بـ«طب قصر العينى» أواخر عام 2017، أن نسبة الرجال الذين يعانون من مشاكل ضعف الانتصاب والضعف الجنسى بين المصريين ارتفعت إلى 64 % بين الرجال، فى الفئة العمرية ما بين 35-70 عامًا.. وأرجع هذا إلى أسباب نفسية تؤدى إلى العجز والإصابة بأمراض أخرى مثل القلب والسكرى وغيرهما، وأفادت بعض التقارير أن نسبة العجز بين الشباب وصلت إلى 18 % أوائل عام 2018.
الكاتب الكبير وحيد حامد الذى تُعتبر أعماله سابقة لعصرها، يقول عن «النوم فى العسل»: «وقتما بدأتُ فى كتابة العمل لم يكن هناك عجز جنسى منتشر بمصر ولا بنسب هائلة مثلما تناولتها بالفيلم. فلم أبنِ الفكرة على قضية معينة خاصة بالرجال، ولكنى لفَتَ نظرى موضوع قرأته فى إحدى الصحف بداية التسعينيات عن إصابة فتيات فى محافظة البحيرة بفقدان للوعى دون وجود سبب طبى، وكشفت التقارير الطبية لحالاتهن بأنهن مصابات بتوتر وضغوط نفسية شديدة أدت لفقدان التوازن والوعى دون وجود مرض معين. وأنا بعين الكاتب قمت بالتقاط الحدث وفكرتُ ماذا يمكن أن يحدث بسبب الضغوط النفسية على الشعب، فقمت بدراسة تأثير العامل النفسى على الرجال وافترضت أننا طبقنا حالة الفتيات على الرجال، فماذا سيفقدون، وكيف سيتعامل المجتمع مع الأمر»؟.
وأضاف «حامد» أنه لم يقصد أن يتناول الفيلم العجز الجنسى فقط، بل كان يريد أن يعكس عجز المواطن عن القيام بممارسة حقوقه الطبيعية فى المعيشة والتعبير عن رأيه والعجز السياسى والعجز عن أداء المهام التى خلقنا من أجلها الله، ولذلك يُعتبر مشهد التظاهر بصراخ الرجال بكلمة «آآه» أمام مجلس الشعب للتعبير عن ألم المواطن بشكل عام.
أشار «حامد» إلى أنه أثبت خلال الفيلم أن الأمْرَ ليس له علاقة بالفقر؛ حيث استعان بطبقات اجتماعية مختلفة. مؤكدًا أن الضغط النفسى يحمل التأثير نفسه على الرجُل العادى والرجُل الغنى، فمثلًا هناك رجال أعمال يعانون من ضغوط نفسية بسبب خطط العمل وتكوين الثروات وصراعات السوق وغيرها. وكل الحوادث التى ذكرها فى العمل من ضرب وانتحار وقتل كانت تخيلًا لرد فعل الناس بعد الإصابة بعدوَى خطيرة مثل هذه. والأمْرُ كله حلُّه فى محاولة معالجة الإنسان نفسه نفسيّا وتأهيله لمواجهة ضغوط الحياة.
وعن رأى الطب النفسى فى القضايا الناتجة عن الضعف الجنسى ومدى تأثير العوامل والضغوط النفسية على الرجال، قال د. هاشم بحرى- أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر: إن أغلب مراحل العلاقة الزوجية تعتمد على العوامل النفسية وليست العضوية.. مؤكدًا أن الاضطرابات فى الكفاءة الجنسية يعود للجانب السيكولوجى، لذلك فإن أغلب الحالات الزوجية الناجحة تعتمد على المعلومات الخاصة لكل طرف عن العلاقة وترتيب الأفكار مع الطرف الآخر، بالإضافة إلى إحساس الفرد بالثقة بنفسه وتمتعه بمشاعر حب وإيجابية نحو الطرف الآخر.
وأضاف: «يجب علينا زيادة الثقافة الجنسية لدى الشباب والأجيال القادمة، فهناك جانب تربوى خطير يسعى فى إنشاء أزواج مرضَى نفسيّا؛ خصوصًا عندما يربى كل فرد فى بيت أهله على الأنانية وأنه يجب أن يأخذ فقط دون عطاء، بينما أساس العلاقة الناجحة هو العطاء.. كما أن الأفلام الجنسية ساهمت فى تشويش الحالة النفسية والجنسية لدى الطرفين؛ لأن كلّا منهما ينتظر من الآخر أن يؤدى أداء مبالغًا فيه مثل أبطال تلك الأفلام».
وأشار د. «هاشم» إلى أن الأسباب التى تدفع إلى القتل اعتماد المجتمع على الثقافة الجنسية بأنها الحل لكل المشكلات والملجأ الوحيد للناس خارج مشاكلهم وحياتهم العملية، فعندما تقع تلك النقطة من حياتهم يبدأ الشجار بين الزوجين ويؤدى الجهل وقلة التعليم إلى زيادة الجريمة.
ووافقه الرأى د. مدحت عبدالهادى- أستاذ الطب النفسى بجامعة لندن سابقًا واستشارى نفسى وعلاقات زوجية- حيث قال: إن حالات القتل ليست تعميمًا لكل من يعانون من الضعف الجنسى، فهؤلاء يعانون من خلل نفسى قوى فى استقبال الأمور ورَدّة الفعل.. مستشهدًا بقضية عروس المنوفية التى قتلها زوجها بمجرد استقباله لمعلومة قالتها لأهلها؛ حيث اعتبرها إهانة لرجولته.