السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مشروع «سوروس - كوتش».. تحالف الغرماء!

مشروع «سوروس - كوتش».. تحالف الغرماء!
مشروع «سوروس - كوتش».. تحالف الغرماء!


تحالف جديد، ربما يكون الأغرب فى تاريخ السايسة الأمريكية، نشأ مؤخرًا بين اثنين من أغنى رجال الأعمال الأمريكيين وأكثرهم شهرة، وهما «جورج سوروس» و«تشارلز كوتش». فرُغم أن الرجلين لا يتفقان فى التوجات السياسية بشكل لافت؛ فإنهما يتفقان مؤخرًا على انتقاد سياسات الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» علنًا. فـ«سوروس» اليسارى المشهور بتأييده للحزب الديمقراطى لم يكن ليتفق يومًا مع «كوتش» اليمينى الذى ينفق بسخاء على الحملات الانتخابية لأعضاء الحزب الجمهورى، لكنْ الطرفان اتفقا على أن الولايات المتحدة يجب أن تنهى حروبها الخارجية وتتبنّى سياسة خارجية جديدة كليّا.

المشروع الذى جمع رَجُلى الأعمال هو إنشاء مركز أبحاث جديد فى واشنطن للترويج لهدفهما بإنهاء الحروب الأمريكية ووقف سياسات التدخل فى شئون الدول، وذلك من خلال أبحاث ودراسات سيشرف على إعدادها باحثون وخبراء متخصصون لكى يطلع عليها صناع القرار فى البيت الأبيض وتبدأ السياسات الأمريكية فى التغيير. وأكد المسئولون عن المركز الجديد أنه يسعى إلى التأسيس لتوجُّه أمريكى جديد تجاه العالم يقوم على الدبلوماسية وضبط النفس بدلًا من التهديدات والعقوبات والصراعات، وهو ما اعتبره الكثيرون توجُّهًا مختلفًا عمّا هو سائد حاليًا سواء فى مراكز الأبحاث أو فى الإدارة الأمريكية التى توصف حاليًا بأنها إدارة حرب.
يشارك كل من «سوروس» و«كوتش» فى رأس مال المركز البحثى الجديد بمبلغ نصف مليون دولار أمريكى إلى جانب 800 ألف دولار أخرى من عدد من المتبرعين الذين يتشاركون فى النّهج والهدف. والمركز الجديد يُعرف باسم «مؤسسة كوينسى للإدارة المسئولة للدولة». وقد تم اختيار الاسم نسبةً للرئيس الأمريكى الأسبق «جون كوينسى آدامز»، الذى كانت سياسته الخارجية تقوم على نشر قيم السلام وإنهاء النزاعات والدفاع عن حقوق الإنسان ولكن ليس من خلال الحروب.
لكن الأغرب من تحالف الطرفين المتناقضين فكريّا هو أن الاثنين لم يكونا يومًا ضد التدخل الأمريكى فى شئون الدول، بل إنهما شاركا كلٌّ على طريقته فى تنفيذ السياسات الأمريكية المختلفة، فـ«سوروس» المجرى الأصل اشتهر بنشاط مؤسسته سيئة السمعة المعروفة باسم «المجتمع المفتوح» التى تنتشر فروعها فى جميع أنحاء العالم، بل إنها متهمة بكونها الذراع الأمريكية لتنفيذ السياسات التى يرسمها البيت الأبيض. دَعَّمَ «سوروس» كل مرشح رئاسى من الحزب الديمقراطى منذ عام 2004 حتى اليوم؛ حيث دعّم «هيلارى كلينتون» خلال الانتخابات الأخيرة، كما قدّم الملياردير الأمريكى دعمه للرئيس السابق «باراك أوباما» فى الانتخابات الرئاسية بشكل كبير وبعد فوزه كان مقربًا منه حتى إن الصحف كانت تنتقد ذلك وتسخر من أوباما وتعتبره دُمية «سوروس».
ويظهر التوافق الفكرى جليّا بين الرجُلين الذى موّل أحدهما جماعة الإخوان فى أوروبا وأمريكا بينما دعّم الآخر من موقعه كرئيس لأهم وأكبر قوة فى العالم صعود الجماعة الإرهابية سياسيّا فى أعقاب ثورات الربيع العربى.. ألم يكن ذلك تدخلًا فى شئون الدول وتلاعبًا بمقدرات الشعوب وتهديدًا لأمنها واستقرارها الذى يسعى الرجُل اليوم إلى عكسه من خلال مركز بحثى جديد وربما يكون الهدف من وراء إنشائه ليس ما يروّج له من أفكار عظيمة ومبادئ نبيلة لا تتفق مع التاريخ الأسود لـ«سوروس»؟.
وبما أن الملياردير اليهودى داعم كبير للحزب الديمقراطى فهو بالطبع معارض للرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» ولفكره اليمينى، ولذلك شهدت الأعوام الماضية تصريحات متبادلة بين سوروس وترامب أكدت الصراع بين الطرفين، فقد اتهم سوروس إدارة ترامب بأنها تمثل خطرًا على العالم، وأضاف «لكننى أعتبرها ظاهرة مؤقتة ستختفى عام 2020 أو ربما قبل ذلك». أمّا ترامب فقد انتقد سوروس، بل اتهمه بأنه الممول الرئيسى للكارافان أو قافلة المهاجرين التى انطلقت منذ شهور من السلفادور وجواتيمالا وهندوراس بهدف العبور إلى الولايات المتحدة، وهو ما رفضه ترامب، واضطروا جميعًا إلى عودة إدراجهم إلى بلادهم. بينما اتهم نجل سوروس إدارة ترامب بأنها تقف وراء القنبلة التى وجدت فى أكتوبر الماضى إلى جانب منزل والده.
أمّا الأخوان «كوتش» وهما «تشارلز كوتش» الذى نتحدث عنه اليوم وشقيقه «دافيد» فهما من أغنى وأشهر رجال الاقتصاد الأمريكيين؛ حيث يمتلك الأخوان كوتش ثانى أكبر مجموعة اقتصادية فى الولايات المتحدة الأمريكية ويحققان أرباحًا تصل إلى 115 مليار دولار سنويّا. وكانت الكاتبة «كينيث فوجل» قد كتبت منذ سنوات عن شبكة علاقات الأخوان كوتش التى تهدف إلى إعادة تشكيل السياسة الأمريكية ككل. «فوجل» أكدت وقتها أنها ليست مجرد شبكة علاقات، بل «وكالة استخبارات خاصة». وأشارت فوجل إلى أن الأخوان كوتش نجحا فى القيام بعمليات سرية تضمنت مراقبة بعض الشخصيات المهمة وجمع معلومات استخباراتية حول منافسيهم من الليبراليين معتبرين هذه العمليات أحد أهم أدواتهما من أجل تحقيق أهدافهما السياسية والاقتصادية.
وعلى مدار سنوات طويلة شكل الأخوان كوتش شبكة من العلاقات وجنّدا العديد من السياسيين وأعضاء الكونجرس من أجل تمرير القوانين التى تخدم مصالحهما ووقف التشريعات والقوانين التى قد تؤذى مصالحهما الاقتصادية، وذلك من خلال شبكة استخبارات خاصة للتجسس على المنافسين ومراقبتهم وجمع معلومات استخباراتية حول الشخصيات والمنظمات التى قد تؤثر على مصالحهما. وقد حاولت العديد من الجماعات والناشطين الليبراليين فضْح أنشطة آل كوتش وشبكتهم الاستخباراتية لكنهم لم يستطيعوا إثباتها؛ لأن فريق الاستخبارات التنافسية التابع للأخوان كوتش، مثل الكثير من البرامج والأنشطة التى يدعمها آل كوتش، تعمل بشكل منهجى يصعب اختراقه. هذا إلى جانب أكثر من واقعة لمحاولات التجسس على اتصالات معارضيهما أو قضاه يحكمون فى قضايا قد تؤذيهما اقتصاديّا ومراقبة هؤلاء عن كثب حتى يتسنى لهما ابتزازهم.
وبينما يدعم «تشارلز كوتش» اليوم مشروع تغيير السياسة الخارجية الأمريكية ووقف الحروب، نرى شركاته تربح الملايين من خلال الإمدادات التى تقدمها للقوات البحرية الأمريكية والتى تزداد بالطبع فى أوقات الخطر والحروب.وقد حصلت شركتان تابعتان لمؤسسة كوتش على عقود فيدرالية بقيمة تجاوزت مليونى دولار أمريكى منذ عام 2016، وذلك لتوريد ألواح الدوائر الكهربائية لسُفن القوات البحرية الأمريكية.
هذا فضلًا عن أن «مركز دراسات السلام والأمن» التابع لجامعة «كاليفورنيا» كان قد حصل على تمويل يقدر بـ3.3 مليون دولار عام 2017، أى بعد عام واحد على إنشائه، من مؤسسة كوتش، بينما حصل فى الوقت نفسه على تمويل من «مكتب الأبحاث البحرية» التابع للقوات البحرية الأمريكية.
ويشير الموقع الإلكترونى للمركز الجديد إلى أهداف المركز الرافض للسياسات الرامية إلى إشعال الحروب، إذ يقول «استخدم القادة السياسيون نشر القوات العسكرية بشكل مكلف وذات نتيجة عكسية وعشوائى لكى يجعلوا من الحرب أمرًا طبيعيّا ومن التعامل مع الهيمنة العسكرية هدفًا فى حد ذاته»، ثم يؤكد المركز على أهدافه؛ حيث يقول الموقع «مؤسسة كوينسى هى مركز بحثى سيضع الأساس لسياسة خارجية جديدة تتمركز حول الدبلوماسية وضبط النفس».
فى النهاية، تجدر الإشارة إلى أن الطرفين المؤسسَين للمركز البحثى الجديد يتفقان ليس فقط فى الأهداف المعلنة للمركز ورفضهما لسياسات «ترامب» لكنهما يتفقان أيضًا فى كونهما شخصيات مثيرة للجدل ويتعرضان للنقد المستمر...فـ«سوروس» يتعرض للنقد المستمر دوليّا حتى إن هناك العديد من الدول بدأت تغلق فروع مؤسسته الخيرية لديها وتتهمه بالعمل ضد مصلحة تلك الدول، بينما تتعرض مؤسسة كوتش للنقد كونها من أكثر المؤسسات الملوثة للبيئة، ولذلك فقد قرر الدخول فى العمل الخيرى لغسيل سمعة مؤسساته، وربما يكون هذا المركز البحثى أيضًا هو مشروع مشترك بين الرجُلين للترويج لنفسهما كرجُلى سلام كارهين للحرب ورافضين لسياسات «ترامب» الخارجية. 