هند الراوى: جمهور أوروبا مولع بالسيرة الهلالية ومدح الرسول!

فى محلات العطور دائمًا توجد كأس صغيرة مليئة بالقهوة حتى إذا اختلطت فى أنفك الروائح؛ استعنت بها لتمحو رائحة البن أثر الروائح الأخرى، وتعود قادرًا على التمييز بينها الروائح، لكن للقهوة حكاية أخرى إذ كانت هى مشروب السهارى حول مغنى الربابة عندما يشدو بحكايات بنى هلال وأغانى التراث، وفى وقتنا الحاضر ازدحمت الأصوات وألوان الغناء على آذاننا فعادت علاقة الفلكلور بالقهوة، لكن لتجعلنا قادرين على تمييز الأصوات.. هند«الراوى» كما لقبها جمهورها، قررت أن تكون سفيرة للفلكلور المصرى فى العالم كله، تمثل المصريين بجميع طوائفهم وتروى حكاياتهم كما روى النيل أرض الوادى، كما تتمنى أن تصل بالتراث المصرى للمهرجانات العالمية، قبل سفرها بساعات قليلة لإحياء إحدى حفلاتها فى تونس كان لنا معها هذا الحوار:
كيف بدأت رحلتك مع غناء التراث فى الإسماعيلية؟
- منذ طفولتى وأغانى التراث حاضرة فى بيت العائلة، فجميع المناسبات العائلية كان يحييها المداحون، وحتى فى الموت كان فن العديد موجودًا سواء فى بيت عائلة والدى فى الإسماعيلية أو عائلة والدتى القريب من طنطا، هذه الحالة جعلتنى راغبة بقوة فى الغناء بهذه الطريقة، لذلك قررت الدراسة فى معهد الموسيقى العربية.
لكن الدراسة فى معهد الموسيقى العربية لا تتضمن دراسة الفلكور الشعبى؟
- هذا ما أدركته بعد ذلك، وشعرت بأن هذا ليس ما كنت أحلم به من صغرى، بالطبع استفدت من دراسة الموشحات العربية فى المعهد، لكننى قررت الالتحاق بفرقة النيل للآلات الشعبية تحت إشراف المخرج عبدالرحمن الشافعى، ثم تعلمت بشكل مباشر من الحاجة فاطمة سرحان وجمالات شيحة وهو ما اختصر الكثير من الوقت فى طريقى.
كيف كان تقبل الأهل فى البداية لفكرة أن تكونى مغنية فلكور؟
- الحقيقة والدتى كانت داعمة لى، لكن أبى كان رافضًا بشكل تام خاصة أنه بدوى لا يعرف فكرة الاختلاط أو خروج بنت بمفردها، لذلك كانت المشاعر عنده مزدوجة بين الحرص على عدم الخروج على العادات والتقاليد من ناحية والخوفً على بصفتى ابنته من ناحية أخرى، لكننى كنت مؤمنة بأن لدى ما أقدمه وتناقشت معه فى الأمر كثيرًا حتى أصبح داعمًا لى بقوة لكن مع الأسف لم يحضر أيًا من حفلاتى إلى الآن.
أنت الآن المغنى الرئيسى للفريق الفرنسى Orange blossom، فهل كان الوصول للعالمية أحد أهدافك أم أن الأمر جاء صدفة؟
- بالتأكيد كان الوصول للعالمية حلمًا يراودنى طوال الوقت، وقد غنيت فى أوروبا مع فرقة مواويل، وبعد ذلك قررت الانضمام لفرقة ناس مكان وغناء الفلكور مع استعراضات الزار، تزامن ذلك مع بحث الفريق الفرنسى عن أصوات مصرية للانضمام له، والحمد لله تأهلت فى اختبارات الأداء مع الفرقة وسجلت معهم ألبومى الأول والثالث بالنسبة لهم وأنا الآن بصدد تسجيل ألبومى الثانى معهم.
خلال حفلاتك فى أوروبا، كيف كان تقبل الجمهور الغربى لغناء الفلكور الشعبى للغة لا يفهمها؟
- أوروبا كانت طوال الوقت حاضنة للفلكور المصرى، فقبلى غنى الريس متقال وجمالات شيحة وغيرهما الكثير، لذلك لم أواجه صعوبة أمام جماهير أوروبا فى أى من البلاد التى غنيت فيها لأنهم دائمًا متشوقون لسماع التراث المصرى، ودائمًا ما يتم استقبالى بحفاوة بالغة فور صعودى على المسرح بالجلابية الفلاحى، والحقيقة أنا أرى أن ذلك أمر طبيعي حتى قبل الغناء، لأننى أمثل بالنسبة لهم النيل والأهرامات وأحمل الملامح المصرية لكليوباترا ونفرتيتى، حتى أنهم أطلقوا علىّ «صوت فرعون».
وما الأغانى التى تجذب مسامع الجمهور الأوروبى؟
- دائمًا ما يزداد تفاعلهم مع أغانى السيرة الهلالية ومديح الرسول، حتى أنهم كثيرًا ما يخرجون من الحفلات كالمجاذيب يرددون مدد..يا مدد.
كان للجمهور دور كبير فى إطلاق كثير من الألقاب عليك، فما اللقب الذى يمثلك؟
- أعتز جدًا بأن أصبح سفيرة للفلكور المصرى، ويسعدنى أيضًا أن يطلق علىّ الجمهور فى أوروبا «سمراء النيل» أو«صوت مصر»، لكن فى إحدى حفلاتى مع فرقة النيل فى بيت السحيمى وقف شخص وأخذ يصيح راوى..راوى، ومن يومها أصبحت هند الراوى وأحببت هذا اللقب لأنه من صميم التراث الشعبى، وأنا طوال الوقت يشغلنى أن أروى تلك الحكايات النابعة من طين هذا البلد.
قد يرى بعض الناس أن التوجه لغناء التراث والفلكلور هو الطريق الأسهل للحصول على الشهرة الفنية، فما رأيك؟
- بالعكس أعتبره طريقًا صعبًا جدًا، لأن الجمهور لا يتقبله بسهولة خاصة فى وقتنا مع وجود الكثير من ألوان وطرق الغناء المختلفة، بالإضافة لأن الأمر يتطلب تقمص الشخصية التى أغنى بلسانها، سواء كانت نوبية أو بدوية أو فلاحة، كما أن البحث فى التراث عن الأغانى أمر ليس سهلًا.
بذكر ألوان الغناء الكثيرة التى نشهدها اليوم، هل الفلكلور الشعبى قادر على المنافسة والاستمرار؟
- طبعًا ولكن بشرط التطوير المستمر للصوت والموسيقى، فمن غير المعقول أحمل ربابة أو آلات بسيطة فى ظل ذلك التطور الهائل فى الآلات عالميًا وأقول إن الفلكور لا يستطيع المنافسة، بالإضافة إلى أن هناك شريحة كبيرة من الجمهور يستهويها سماع الفلكور، وأنا أستهدف هذه الشريحة.
فى الماضى كان غناء الفلكلور معبرًا الطبقات الشعبية والمتوسطة، لكن الآن ومع ظهور المهرجانات يرى البعض أنها سحبت بساط الجماهيرية من الفلكلور فما ردك على ذلك؟
- أنا لست ضد المهرجانات فهو صوت جديد لكنه يحتاج إلى توجيه وتعليم لنخرج منه فنًا يعبر عن تلك الفئات لكنه الآن مجرد فوضى، أما بخصوص جماهيرية الفلكلور الشعبى فبحكم تجربتى أرى أنه يجذب جميع طبقات المجتمع، خاصة أن الناس أصابها الملل من الجديد والصخب ودائمًا ما يصيبهم الحنين للماضى.
من خلال تجربتك فى الكثير من فرق الفلكلور الشعبى فى مصر، فى رأيك ما أهم المشاكل التى يواجهها فن الفلكلور؟
- قلة الدعم المعنوى والمادى هى أهم المشاكل التى يواجهها الفلكلور، كما أن جميع الأوساط الثقافية تغلب عليها الشللية والمصالح وهو ما يجعلها بيئة غير ملائمة للإبداع وملاحقة التطور السريع فى الفنون حول العالم، لكننى أجد أن كل شخص خائف من تعليم غيره حتى لا يتفوق عليه، فأنا مثلا حتى بعد أن اختارتنى الدكتورة إيناس عبدالدايم، وقت أن كانت رئيسة لدار الأوبرا المصرية لأمثل الإسماعيلية فى مؤتمر الشباب أمام الرئيس، لا أحد يطلبنى لإحياء الحفلات، إضافة لأنه فى غياب الدعم يصبح تنظيم حفلة أو مشروع فنى مكلفًا كثيرًا.
دائمًا ما يصحب الغناء الفلكلورى أزياء خاصة واستعراضات فنية فما كواليس الإعداد لها؟
- كل الكواليس تكون تدريبًا على الغناء فقط، فما أرتديه فى حفلاتى يكون من اختيارى أنا دون مساعدة أحد، وأحاول دائمًا المزج بين ملابس الفلاحين والبدو والنقوش النوبية لأعبر عن الشخصية المصرية بطوائفها المختلفة، أما الاستعراضات فتأتى وليدة اللحظة والحالة التى أعيشها وقت الغناء.
هل يمكن أن تتعاونى مع أحد الشعراء بدلًا من الاكتفاء بغناء الفلكلور فقط؟
- أنا لا أكتفى بالفلكلور فقط فأنا أحيانًا أكتب أغانى وألحنها مع فريقى الفرنسى، وإذا وجدت من يكتب بنفس تكنيك الفلكلور لن أتردد بالطبع.
البعض يرى تناقضًا بين ما حققتيه من شهرة عالمية وبين رغبتك فى التواجد دائمًا بحفلاتك فى مصر؟
- أعتقد أن التناقض سيكون لو حدث غير ذلك فمن غير المعقول أن أقدم التراث والفلكلور المصرى دون التواجد فى مصر ذاتها، ومن ناحية أخرى لو لم أفعل ذلك سأتحول مع الوقت لمغنية غربية وأفقد هويتى.
ما مشاريعك القادمة فى مصر؟
- مشروعى القادم هو «مصر كلها»، فأنا أحاول تجهيز بيت متنقل أطوف به مصر بالكامل من الإسماعيلية وحتى أقصى الجنوب فى عمق النوبة مرورًا بالواحات لألتقى جميع الفرق التى تغنى التراث بكل اللهجات المصرية، وذلك لأستفيد من تجاربهم فى الغناء ولتوصيل صوتهم فى نفس الوقت وأنقل هذه التجربة بشكل مصور من خلال معايشة كاملة مع جميع فرق التراث المصرية، لكن بالطبع الأمر يحتاج لتمويل كبير.