الجمعة 27 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

6 غربان تحمى «بريطانيا العظمى»!

6 غربان تحمى «بريطانيا العظمى»!
6 غربان تحمى «بريطانيا العظمى»!


بينما ينظر العالم إلى استقالة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى من منصبها، والتى تقدمت بها قبل أيام، على أنها حدث يثير القلق بشأن المستقبل السياسى للمملكة المتحدة، فى ظل الارتباك السياسى الذى تمر به خطة الخروج من الاتحاد الأوروبى «بريكست»، يبدو أن البريطانيين مطمئنون على مستقبلهم فى ظل أن الغربان الستة التى تعشش فى برج لندن لا تزال فى حالة جيدة.

مما زاد اطمئنان البريطانيين على مستقبل بلادهم، إعلان كريستوفر سكايف راعى الغربان فى برج لندن بشرى سارة وقعت قبل أسبوع من استقالة «ماى» تتمثل فى انضمام 4 فراخ صغيرة لفريق الغربان فى البرج.
وقال «كريس» فى رسالة مصورة نقلتها معظم وسائل الإعلام البريطانية: «يسرنا كثيرًا أن نعلن أنه أصبح لدينا فى برج لندن 4 فراخ رائعة وهى المرة الأولى التى ترى فيها غربان النور داخل برج لندن منذ أكثر من 30 عاما».
وأضاف: «محاولة تفريخ الغربان فى برج لندن لتأمين مستقبلنا هى فكرة جيدة للغاية، فالأسطورة تحذرنا من أن رحيل الغربان عن البرج سيحوله إلى كومة من التراب وسيلحق ضررًا كبيرًا بالمملكة المتحدة ».
أصل الأسطورة
تقول الأسطورة البريطانية القديمة أن المملكة ستنهار حال مغادرة الغربان الستة لبرج لندن... فما قصة هذه الغربان؟
ترتبط تلك الأسطورة بالعديد من القصص ربما أشهرها تلك التى تعود إلى عام 1666، فحينها قتل البريطانيون الغربان وحيوانات أخرى ليأكلوها، قبل أن يتدخل أحد مستشارى الملك تشارلز الثانى لإقناعه بإنقاذ الغربان تحديدًا من القتل.
وحذر المستشار الملك من أن حكمه سينهار مع مقتل آخر غراب فى المملكة، إذا استمر الشعب فى ذبح الغربان وأكلها، فسارع الملك بجلب 6 غربان ووضعها فى برج لندن مع قص ريش أحد أجنحتها لمنعها من الطيران.
ترتبط الأسطورة بقصة أخرى تتعلق بالمعركة الدموية ضد الملك الأيرلندى ماثولوش الذى أساء معاملة الأميرة البريطانية برانوين، فأمر شقيقها ملك بريطانيا بندجيدفران أتباعه بقطع رأس الملك الأيرلندى ودفنه تحت «التل الأبيض»، حيث يقع البرج الآن فى مواجهة فرنسا كتعويذة لحماية بريطانيا من الغزو الأجنبى، ثم جاءت الغربان البرية وسكنت البرج لعدة قرون، بعد أن انجذبت لرائحة جثث أعداء الملك الذين تم إعدامهم.
ومن ضمن حكايات الفولكلور الشعبى البريطانى أنه أثناء تنفيذ الإعدام بحق الملكة آن بولين الزوجة الثانية للملك هنرى الثامن بتهمة الخيانة فى العام 1536، كانت الغربان ثابتة  وصامتة تحدق بجنون فى المشهد الغريب للملكة وهى ميتة.
وقيل كذلك أن الغربان كان تصرفها سيئًا للغاية خلال تنفيذ الإعدام فى الليدى جين غراى عام 1554، والتى أُطلق عليها «ملكة الأيام التسعة»، وكانت ملكة بريطانيا وحكم عليها بالموت بتهمة الخيانة. وزعمت الأساطير أن الغربان «فقعت» العينين من الرأس المقطوع للملكة، وأنه منذ تلك الفترة لا تفارق الغربان برج لندن لتنتقم من أعداء ملوك بريطانيا، خاصة وأن البرج كان مكانًا لتنفيذ حكم الإعدام فى هؤلاء الأعداء.
يعتبر برج أو قلعة لندن ضمن أهم المعالم التاريخية التى تقع فى وسط مدينة الضباب، ووجهة رئيسية للسياح القادمين من شتى أنحاء العالم، والذين يحرصون على زيارة الأقفاص التى تعيش فيها تلك الغربان.
وتعد الأرانب الحية واللحوم والخبز المغموس بالدم ضمن أهم الأكلات التى تُقدّم لتلك الغربان، التى تستقدم من أماكن محددة من المملكة.
هتلر ووفاة «مونين»
ظلت هذه الأسطورة لدى الغالبية العظمى من حكام ومواطنى بريطانيا العظمى على مر العصور، وكادت أن تسقط للأبد فى عام 1944 إبان الحرب العالمية الثانية، بعدما أغارت الطائرات الألمانية على لندن وقتلت 5 من الغربان الستة فى برج لندن.
واستهدفت طائرات ألمانيا النازية بأمر من هتلر برج لندن بشكل غير رسمى لإنهاء هذه الأسطورة، بهدف إضعاف الروح المعنوية لبريطانيا، بعدما علمت بهذه الأسطورة، لكن  رئيس الوزراء ونستون تشرشل حال دون تحقيق ذلك، فعندما علم بقتل الغارات النازية للغربان الخمسة وبقاء غراب واحد فقط على قيد الحياة أمر بجلب المزيد من الغربان للبرج وتعيين جنود لحمايتها.
ومن ضمن الظروف الصعبة الأخرى التى مرت بها أسطورة غربان برج لندن وفاة «مونين» أقدم الغربان الموجودة فى البرج يوم 26 مارس عام 2018، ما أدى إلى تسلل حالة من القلق لقلوب بعض البريطانين خوفًا من تحقق الأسطورة التى نشأوا على سماعها، وتتنبأ بتغير العالم إلى الأبد حال مغادرة الغربان للبرج الشهير، بجانب سقوط العرش البريطانى.
وبوفاة «مونين» الذى جُلب إلى البرج عام 1995 تبقى داخل برج لندن 6 غربان هي «إيرين» و«روكى» و«جريب» و«هاريس» و«جوبيلى» و«ميرلينا»، وبدأ البحث عن بديل للغراب المتوفى، إذ دائما ما يكون هناك غراب سابع يلعب دور «الاحتياطى» فى حال نفوق أحد الغربان الستة بحيث يظل العدد مكتملًا على الدوام.
وأعلنت القصور الملكية فى بيان رسمى وفاة «مونين» فيما كان قديمًا يتأخر إعلان وفاة أى من الغربان خوفًا من انتشار شائعات عن اقتراب نهاية بريطانيا.
تاريخ من الخرافات
تمثل الأساطير والخرافات جزءًا أساسيّا من الموروث القصصى والفلكلور الشعبى لمعظم الإمبراطوريات وأنظمة الحكم القديمة والحديثة، واعتُبرت الأساطير الإغريقية واحدة من أشهر قصص الإثارة فى التاريخ البشرى.
هذه الأساطير جسّدت حكايات لأبطال خياليين مثل «أخيل» و«هرقل»، علاوة على أساطير الآلهة مثل «كاوس» ربة الكون عند الإغريق، و«إفروديت» إلهة الحب والجمال والجنس، و«كرونوس» الملك الذى ابتلع أبناءه الخمسة بعد أن تنبأ له أبوه أن يسلبه أحد أبنائه الحُكم.
كما اشتهرت الإمبراطورية الفارسية هى الأخرى بتلك الأساطير التى بالغت فى تجسيد قوة الفُرس أمام خصومهم، ومن أشهر تلك الحكايات «الملك الضحاك» و«رستم» و«السيمرغ».
ويسير النظام الإيرانى الحالى على هذه السياسة، ويعتمد بشكل كبير فى سياسته على الخرافة والإيمان بالغيبيات، فمعظم رجال الدين الإيرانيين يعلقون مصير دولتهم بقدرتهم على حماية بعض الأضرحة المقدسة أيّا ما كانت، كما أنهم لايزالون يروّجون لخرافة بعث وظهور «المهدى المنتظر» لنشر الإسلام الصحيح.
ولا تُعد الإمبراطورية الأمريكية بعيدة عن هذه الظاهرة، ولعبت الخرافة دورًا رئيسًا فى الثقافة الأمريكية، ووفقًا لاستطلاعات الرأى لايزال كثير من الأمريكيين يعتقدون بوجود الكائنات الفضائية.
وتمثل سياسة «المحافظين الجدد» إبان الغزو الأمريكى على العراق أبرز الشواهد التى دللت على مدى قوة تأثير الخرافة فى السياسة الأمريكية، فكثير من الأبحاث أشارت إلى أن اعتقاد «المحافظين الجُدد» بإمكانية ظهور مسيح جديد فى حال بناء «الهيكل الثالث» وهدم المسجد الأقصى كانت ضمن أهم الأسباب التى دفعتهم لخوض غمار الحروب فى منطقة الشرق الأوسط.
فى النهاية مَهما بلغ العالم من الرقى والتقدم التكنولوجى، فلن يحول ذلك دون إنهاء الصراع الأبدى بين الخرافة والحقيقة، وستظل الخرافات جزءًا لا يتجزأ من سياسة التضليل المتبعة على مَر العصور، والتى يقع فى حباله الحكام والبسطاء من عامة الناس على حد سواء.