سرقة واضحة.. زي الشمس

ما يحدث فى مسلسل (زى الشمس) يتطلب الوقوف دقيقة حدادًا لما صدمنا من الكثيرين أهمهم: كاتبة موهوبة لديها أفكار طازجة وحرفة كبيرة في صياغة المشاهد هى «مريم نعوم»، التى زاملها فى كتابة المسلسل خمسة كتاب شباب ضمن ورشة أشرفت عليها. ومخرجة أثبتت فى الأعوام الماضية أنها (دراماتورجية) كما يقول الكتاب، ذكية ودقيقة فى صناعة التفاصيل ومتمكنة من صناعة المشاهد الصعبة قبل السهلة هى «كاملة أبوذكرى»، التى انسحبت من استكمال المسلسل بعد أن أخرجت ثماني حلقات منه.
مخرج لديه أسلوب خاص وجذاب وصاحب إيقاع سريع ومتميز هو «سامح عبدالعزيز»، الذى استكمل إخراج المسلسل. ومعهم ممثلة أكدت منذ اللحظة الأولى لظهورها فى مسلسل (المواطن إكس) منذ ثمانية أعوام أنها قادمة وسوف تحقق حضورًا بموهبتها و«شطارتها» فى مذاكرة الشخصيات التى تجسدها والتى تخدمها كما ينبغى وأكثر لتكون صادقة وحقيقية هى «دينا الشربينى». بالإضافة لباقة هائلة من الممثلين الكبار والشباب.. كل هذه (التوليفة) اختارت أن تقدم قصة تتسم بالحساسية والجاذبية، مضمونها اجتماعى عائلى، وشكلها تشويقى عن جريمة غامضة وكاملة..
ولكن، كل ذلك اختفى كالجواهر التى أهيلت عليها أكوام من الأتربة فضاع بريقها وسط زخم الأزمات والمشاكل، والتى ربما لا تخص الجمهور فى شيء، طالما أن أمامه منتجًا فنيًا جيدا يستحق المشاهدة، ولكن المصيبة أن هذا المنتج بكل تلك الأسماء التى حوله ما هو إلا مسخ ونقل بليد من المصدر المقتبس عنه، وهو الأمر الذى يذكرنا بأفلام مخرج فى التسعينيات اسمه «شريف شعبان» كان ينقل أفلامه نقلًا حرفيًا بالمسطرة من الأفلام الأجنبية بشكل يثير الضحك والشفقة.. ومنها فيلم (الجينز) الذى نقل بالكامل من الفيلم الأمريكى (Pretty Woman).
(زى الشمس) كما ذكرنا فى العدد قبل الماضى، وكما يذكر صناعه على التتر مأخوذ عن المسلسل الإيطالى (شقيقات- sorelle)، وهو مسلسل قصير عُرض فى ست حلقات مدة الحلقة الواحدة ساعة وأربعون دقيقة أى عشر ساعات، وهى الأزمة التى واجهت صناع (زى الشمس) الذى من المفترض ألا يقل عن خمس عشرة ساعة وفقا للتوقيت المعتاد لمسلسلات رمضان، وهو ما جعل المسلسل فى ثلثه الأول يقع فى حالة من المط والتطويل جعلته يبدو مترهلًا رغم عدم توافق ذلك مع نوعية الإثارة التى يقدمها وهذا على عكس المسلسل الإيطالى الذى أدرك ذلك فقدم الدراما فى حلقات قليلة حتى يحافظ على الإيقاع.. القصة فى (زى الشمس) ملتزمة حتى الآن التزاما تاما بقصة (شقيقات)، والمشاهد التى خرجت عن الأصل تأتى كـ«حشو» فراغ وكأنهم لا يدرون ماذا يفعلون كى يملأوا الزمن المطلوب. التغيير الوحيد أن الضابط المسئول عن كشف لغز الجريمة فى الأصل الأجنبى امرأة وليس رجلا، وهو ما يكمل الحالة النسوية التى تسيطر على العمل بتواجد أجيال وشخصيات نسائية مختلفة وهو ما لم نجده فى النسخة المصرية. كذلك يحدث تغيير فى طبيعة شخصية «فريدة- ريهام عبدالغفور» ليقدمها المسلسل المصرى على أنها شخصية مستهترة وأنانية، امرأة لعوب وشبه منحرفة، وهى بالمناسبة مواصفات لا تليق على أداء «ريهام» الهادئ والمغلف بالبرودة. بينما فى النسخة الإيطالية شخصية «أيلينا – آنا كاترينا مواريو» شخصية منطلقة وجريئة ومحبة ومقبلة على الحياة، والخيانة التى حدثت منها لأختها بإقامة علاقة مع خطيبها كانت بسبب هذا الرجل ذى الشخصية المزدوجة، الملتوية.. التعديل أو الإضافة النادرة جاء أيضًًا فى المشهد الاجتهادى من الكتاب فى النسخة المصرية للبطلة وهى تعتذر وتبكى لحبيبها وكأنها هى التى خانته، وليس هو الذى خانها ومع أختها، وهذا المشهد لم يكن مفهومًا ولا واضحًا ولا مقنعًا ولا يتناسب مع طبيعة شخصية البطلة «نور- دينا الشربينى» التى من المفترض أنها قوية وذات طبيعة مسئولة.. ولكن ربما يكون انهيارها هذا سببه التمهيد لعودتها لنفس الرجل بعد سنوات، وتجديد قصة حبهما وإظهار ضعفها أمامه.. بدلًا من أن تدخل فى (حرمانية)، تذكر حياتها معه وأحلامها المستمرة به كما فى المسلسل الإيطالى.
فيما عدا ذلك فتتابع أحداث المسلسل، مواصفات الأبطال والمواقف التى تحدث بينهم، شبح الأخت المقتولة الذى يظهر طوال الأحداث محاولا المساعدة فى فك لغز مصرعها، الحالة المرضية للأم والابن الصغير. قصة الحب من طرف واحد التى يعيشها صديق البطلة معها، الجارة المتلصصة، حتى الصديقة الحامل وعلاقتها بأمها وزوجها. كل ذلك صورة طبق الأصل من الأصل.. حتى الشخصيات كلها باستثناء البطلة «دينا الشربينى» والبطل «أحمد السعدنى» يشبهان الأبطال الإيطاليين شكلا ويتخذان نفس المظهر، مثل تصفيفة شعر «فريدة» والمعطف الذى ترتديه والذى اختار صناع العمل أن يكون أحمر «فاقع» بعكس الأحمر والأخضر «القاتم» فى الإيطالى.. والذى يتناسب دراميا أكثر.
الغريب أن صناع المسلسل المصرى لم يكتفوا بنقل كل شىء دون بذل أى مجهود، حتى الديكور والموسيقى وأسلوب المونتاج مستنسخ من الأصل، أيضا السرد والبناء والسيناريو، وحتى الحوار قاموا بترجمته وتمصيره من الإيطالية.. سواء بداعى أو بدون مثل مشهد الجدة مع الحفيد الصغير والذى تعرض عليه من خلاله أن يذهبا لتناول الآيس كريم.
والأغرب أنه حتى اللفتات البسيطة تم نقلها من المسلسل الإيطالى، مثل قيام الصديق الحبيب «مصطفى – أحمد داود» بكتابة اسم البطلة «نور» على ورقة، وتحطم التمثال الذى أهدته الأخت القتيلة لأختها فى المشاهد الأولى كفأل سيئ عن صاحبته.. وجلسة «مصطفى» مع أبناء الأخت بعد موت والدتهم فى محاولة للترفيه عنهم، ولكنهم هنا يستمعون لأغنية لـ«عمرو دياب» وفى الأصل هناك مجهود أكبر، حيث يعزف الجيتار للأطفال. والأهم من تلك المشاهد الصغيرة وغيرها، فهناك المشاهد الأقوى والرئيسية فى المسلسل والتى يظهر بها شبح «فريدة» فقد تم نسخها حرفيا من حركة الستائر والإضاءة المهزوزة، ظهورها فى أحلام البطلة، خاصة الحلم الذى تعرف فيه أن أختها غرقت برؤيتها المعطف طافيًا على سطح النهر، لقد نقل بتفاصيله وحواره أيضًا. وربما فى مشاهد قادمة لم تظهر حتى كتابة هذه السطور، سنجد لقطة لتجويف فى فراش السرير وكأن شخصا كان ينام بجوار البطلة، لكنه ما هو إلا شبح الأخت.. شبح الأخت أيضا ينقذ البطلة التى تكتشف مع نهاية المسلسل أن طليق أختها هو قاتلها بعد أن تجد «الفيديو» الذى كان يهددها به، فيحاول الأخير التخلص منها ولكن يظهر له الشبح فيرتبك وتتمكن البطلة من الإفلات منه وضربه على رأسه.. ومازلنا فى حالة من متابعة النقل الحرفى وتكرار المشاهد وبالطبع نتوقع رسائل مجهولة تصل للبطلة فى الحلقات القادمة لتوجهها نحو القاتل الحقيقى. وبالطبع أيضا سنشهد عودة قصة الحب بين البطلة وطليق أختها وهى العلاقة التى يحاول بها الإفلات من فعلته.
الأزمة الكبرى التى تواجه هذا العمل، بعيدا عن المعركة السريعة التى دارت بين المخرجين على الفيسبوك، والتى – للأسف – لم يكن للمخرجة «كاملة أبوذكرى» حق فيها لأنها هى التى ترفعت عن نزول اسمها على التتر، ثم جاءت وهاجمت «سامح عبدالعزيز» لسعادته بالمسلسل فى حلقاته الأولى والتى وفقا لما كتبته تعتبرمجهودها،حيث لم يكن «سامح» قد عمله فى المسلسل بعد. الغريب أن «كاملة» فى مسلسل (ذات)،الذى عرض منذ عدة سنوات، جاء اسمها على التترات فى الخمس عشرة حلقة الأولى ثم استكمل المخرج الكبير «خيرى بشارة» الحلقات وحملت الخمس عشرة حلقة الأخيرة اسمه، وبعيدا عن حب أو كراهية المصريين لـ«دينا الشربينى» بسبب علاقتها بـ«عمرو دياب» أو الاستفزاز الذى صاحب ظهورهما فى إعلان واحد يجتمع فيه أصدقاء «عمرو» القدامى مع زملاء «دينا» فى المسلسل. فالمشكلة أن كتاب المسلسل لم يحترموا المشاهدين وقاموا بـ«سلق» و«نحت» العمل بأكمله من الأصل الأجنبى، دون تطوير، دون إضافة أو حذف إلا فيما ندر، دون أى محاولة للابتكار والإبداع فى نوع من الاستحفاف والاستهزاء بعقلية المشاهدين وكأنهم لن يعرفوا ولن يتمكنوا أبدا من الوصول إلى الأصل المسروق وليس المقتبس، فما حدث ليس اقتباسا أو حتى فورمات أجنبى تم تمصيره، وإنما سرقة تامة وكاملة.. حتى العنوان نفسه (زى الشمس) هو عنوان فيلم قصير عرض العام الماضى لمخرجه شابة اسمها «هنا محمود».>