العقوبات هدفها منع الاعتداء: لا يوجد تعطيل لإقامة حدود الله

محمد نوار
ظهر شعار الإسلام هو الحل والذى تتبناه جماعة الإخوان المسلمون فى مصر وعدد من الحركات الإسلامية فى ثمانينيات القرن العشرين، ويهدف متبنو هذا الشعار إلى تطبيق الشريعة الإسلامية مختصرة فى إقامة الحدود، أما القول بأن الإسلام هو الحل إذا كان يعنى أن الإسلام هو إسلام الأمر والوجه لله تعالى الذى لا يفرق بين أحد من البشر إلا بالحق عندها يصبح الإسلام هو الحل.
وإذا كان يعنى دين الإسلام بعقائده وتشريعاته وشعائره فإنه لن يكون هو الحل للجميع، فكيف سيطبقه من لا يؤمنون به؟!
ولفظ الشريعة فى اللغة جاء من «مشرعة» وتعنى مصدر الماء، والعرب تسمى البئر التى لا تنقطع منها المياه شريعة، والشريعة فى القرآن الكريم تعنى المصدر الذى يؤخذ منه أوامر الله، قال تعالى: «ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون» «الجاثية: 18».
أما لفظ حد فيعنى الفاصل والمانع، والحدود فى القرآن الكريم تأتى كتشريع للتعامل مع فعل خاطئ، وهى أربعة حدود وردت فى قوله تعالى عن السرقة: «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما..» «المائدة: 38»، وفى الزنى: «الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة..» «النور: 2»، وفى الحرابة: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض» «المائدة: 33»، وفى القذف: «والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة..» «النور: 4».
وأضاف الفقهاء حدين فى شرب الخمر والردة، كما قالوا بالرجم كعقوبة فى إحدى حالات الزنى، وكلها آفات تعتمد على أقوال منسوبة للنبى عليه الصلاة والسلام، واجتهادات لبعض الصحابة، وبما أن الحدود سميت حدود الله فهذا يعنى أن الذى يقررها هو الله وحده لذلك حذرنا تعالى من تجاوز حدوده.. «.. ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون» «البقرة: 229» فالهدف من الحدود هو الردع وليس الانتقام.
لذلك فإن من ينادى به البعض بتطبيق الشريعة الإسلامية على أنها هى الشريعة الإلهية إنما هو فى الحقيقة تطبيق للفقه البشرى فى فهم الشريعة وتنفيذ الحدود، فتشريع الحدود فى القرآن الكريم هو لمنع الاعتداء على الآخرين وهذا ثابت لا يتغير، أما تقنين العقوبة فمتروك لأصحاب الاختصاص لتوصيف السرقة والسارق وتحديد العقوبة المناسبة، وهذا الفقه متغير لا يجب أن ينسب لله تعالى.
أما الفريق المعارض لتطبيق الشريعة فيرى أن لولى الأمر أن يتصرف فى تطبيق الشريعة وتنفيذ الحدود حسب الظروف، محتجين بتعطيل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لحد السرقة فى عام الرمادة، وما كان فيه من مجاعة، والسؤال: هل يمكن التصرف فى أحكام الشريعة حسب أحوال العصر؟ وهل يمكن أن يخالف أمير المؤمنين عمر شرع الله ويسكت الصحابة على تلك المخالفة؟!
ولمعرفة الإجابة علينا أن نتعرف أولا على حد السرقة، وهو العقوبة المفروضة على من أخذ أموال أو ممتلكات غيره بقصد تملكها بدون وجه حق، وقد اشترط الفقهاء شروطا فى السارق كى يتم تطبيق الحد عليه منها: قيمة المال المسروق، وقد اختلفوا فى ذلك فقالوا أن يتم قطع اليد إذا تم سرقة ثلاثة دراهم فأكثر، وقال آخرون أربعة دراهم فأكثر، وقال آخرون خمسة دراهم فأكثر، وألا يكون السارق مالكا للمال أو لجزء منه، مثل من يسرق من بيت المال أو من المسجد، فيسقط عنه الحد لشبهة الملكية.
كما تم الإجماع على أن قطع اليد لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما فيجب فيه القطع، بمعنى أن تتم السرقة من خزينة أو من مكان أو شىء يستخدم لحفظ الأموال، وأما إذا اشترك جماعة فى السرقة فإذا كانوا مشتركين فى السرقة فى نفس الوقت يتم القطع لهم جميعا، وإذا سرقوا دون اتفاق بينهم مثل أن يثقب أحدهم الخزينة ويتركها ثم يسرقها شخص آخر فلا قطع على واحد منهما، وكذلك لا قطع لمن سرق بسبب الجوع.
وعلى الرغم من صعوبة هذه الشروط لكى يتم تطبيق الحد على السارق، فإن هناك جرائم لا يمكن تطبيق حد السرقة فيها مثل: الاختلاس، وخيانة الأمانة، وذلك لوجود أحاديث تمنع ذلك، فقد روى الدارقطنى «ورد عن جابر أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: ليس على الخائن، ولا على المختلس، ولا على المنتهب قطع»، كما روى الدارقطنى عن ابن عباس أن النبى قال: ليس على العبد، ولا على أهل الكتاب حدود، وحديث آخر عن عائشة رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع يد سارق إلا فى ربع دينار فصاعدا.
ولفظ السارق هو على وزن صيغة فاعل، والذى يأتى فى اللغة للدلالة على استمرارية ودوام الفعل، كما أن اللفظ جاء بالتعريف ويعنى أن السارق هو معتاد السرقة.
والعقوبة بقطع يد السارق قررها الفقهاء وتم اعتبارها على أنها العقوبة التى أرادها الله تفسيرا لقوله تعالى: «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما..» «المائدة: 38»، مع أن القطع فى القرآن الكريم يختلف معناه حسب موضعه فى السياق، ويحتمل معانى البر والجرح والابتعاد والمنع بالشكل المادى أو المعنوى وعلى أن يكون تفعيل المقصد الإلهى هو المطلوب إدراكه، فمن أخذ بالقطع على أنه البتر أو من أخذ بالسجن أو من أخذ بالتدرج بينهما حسب حجم الجريمة وعلى أنه يحقق منع أيدى السارق والسارقة فهذا اجتهاد بشرى.
فمن الخطأ اعتبار ما توصل له الفقه البشرى من اجتهادات مختلف فيها على أن عقوبة السارق هى فقط بتر اليد واعتبار ذلك على أنه شرع الله، بل هو اجتهاد للحد من السرقة وتقنين لعقوبات، فالله تعالى يقول «فاقطعوا» بفتح الطاء ومن معانيها المنع، وليس «فاقطعوا» بكسر الطاء أى مزقوا، لذلك فإن لفظ القطع يعنى تعطيل ومنع اليد من القيام بالسرقة وليس بمعنى فصل اليد عن الجسد، حيث إن قطع عضو من الجسد لم يأت كعقاب إلا كحل من الحلول الأربعة المطروحة فى عقوبة حد الحرابة وهو ما يشمل جرائم قطع الطريق والبلطجة والإرهاب، ولم يأت على ارتكاب الفواحش، وبما أن السرقة لا تصل إلى هذه الدرجة فكيف يكون عقابها ببتر اليد؟ فالسرقة ليست أسوأ من الفاحشة ومع ذلك فإن الزانى والزانية عقوبة كل منهما 100 جلدة.
لذلك فإنه لا يوجد تصرف فى أحكام الشريعة حسب أحوال العصر، ولا مخالفة أو تعطيل لحد من حدود الله، كما يتم التحجج بما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى زمن خلافته، بل لفهم أن الحدود هى للردع وقبل إقامتها يجب أن يكون المجتمع مستقرا بالعدل والأمن.
إن دين الإسلام هو عقيدة وشريعة ومنهج حياة: «.. فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى» «طه: 123»، والإسلام يحمل قيم التوحيد والعدل والمساواة ويمنح حق الحريات ويحفظ الكرامة الإنسانية ويحض على القيم الأخلاقية، إلا أن شعار الإسلام هو الحل صار طرفا فى المشكلة وليس حلا لها، ويرجع ذلك إلى مجموعة من المفاهيم المغلوطة التى أحاطت به منها عدم تحرير نصوص الإسلام من الفهم التاريخى، وعدم الفصل بين كلام الله تعالى وبين اجتهادات البشر، وأيضا عدم الفصل بين قيم الدين وأشكال التدين، مما زاد من حالة الارتباك فى الفكر والواقع وهيأ أجواء الإرهاب والمطاردة لكل محاولة للإصلاح والتجديد.
إن غياب الوعى بمفاهيم الحرية والعدالة ووضع الدين فى خدمة السياسة وتخلف الوعى بدور مؤسسات الدولة والمجتمع أدى إلى انتشار الفساد والظلم، كما أدى إلى ظهور الحركات المتطرفة التى تتطلع إلى الاستيلاء على الحكم، لذلك نحن بحاجة إلى إصلاح الفكر الدينى وإلى تجديد الفقه.∎