حكايات على قضبان المترو!

هدي منصور
تعطل للقطارات.. حوادث تصادم.. خروج عن القضبان.. رفع أسعار التذاكر.. حالات انتحار، مرادفات وأزمات دائمًا ما ارتبطت بمترو الأنفاق، ووسط هذه المشاكل يشهد الأسبوع الجارى الذكرى الـ31 لبدء تشغيل المترو فى مصر، والذى يعد أول نظام مترو متكامل فى أفريقيا والعالم العربى، حيث ظهر للنور فى 26 سبتمبر عام 1987، وساهم فى حل جذرى للعديد من المشاكل المرورية فى مصر، ما دفع الدولة إلى التوسع فيه، وإنشاء خطوط جديدة، وصلت إلى 3 خطوط تنقل ما يزيد على 4 ملايين مواطن يوميًا، يقوم بخدمتهم 8 آلاف عامل، موزعين على 35 محطة فى الخط الأول، و20 فى الخط الثانى، و10 محطات فى الخط الثالث حتى الآن.
«روزاليوسف» شاركت عمال المترو وسائقيه الاحتفال وتواجدت معهم على الخطوط الثلاثة، ورصدت يوميات المترو من خلال قصص يرويها القائمون على المنظومة.
ربع قرن فى المهنة
عم «طاهر عبدالوهاب عبدالهادى» رجل خمسينى تظهر على ملامحه علامات العمر، يعمل سائقًا بالمترو يرتدى اللون الأزرق الذى يوحى باليقظة والنشاط عليه شارة مترو الأنفاق، ضغط على زر فى كابينة القيادة ليخرج صوت مدوٍ معلنًا دخول المحطة، يقف ما يقارب الدقيقة يترقب فى المرآة الضخمة على جانبى الطريق ليتأكد من صعود جميع الركاب.
استقبلنا فى كابينة القيادة الصغيرة التى لا تكاد تتسع لأكثر من فرد إلى جوار السائق من محطة فيصل حتى المنيب: «عمرى 50 عامًا، وفى المهنة منذ 25 عامًا متواصلة قضيت نصف عمرى هنا فى هذه الغرفة المنعزلة عن العالم لا يرانى فيها أحد إلا أننى أرى كل راكب وأطمئن عليه أولاً فى ركوبه ورحيله عن القطار وتلك مهمتى الأولى».
يضيف عم طاهر وهو يعطى أوامره للقطار بتخفيض السرعة بعد أن كانت 70 كيلو مترًا فى الساعة لاقتراب وصول القطار لرصيف محطة الجيزة: «عملت فى المهنة من خلال مسابقة رسمية وفزت فيها، فأنا خريج معهد فنى صناعى عام 1996.. المهنة كانت جديدة بالنسبة لى، وليس بها أشخاص سابقون خبرة نتعلم منهم تفاصيلها، فكرة سواقة المترو أمر ليس سهلاً، فهى مسئولية كبيرة، أى سائق هنا لا يخرج إلى قيادة المترو مباشرة، السائق فى البداية يلتحق بالمعهد للتدريب لمدة عام كامل، يتدرب خلاله مع سائق محترف، وبعد اجتيازه الدورة يتم تعيينه كسائق، ومن الأمور التى تضع خطًا أحمر تحت اسم قائد القطار التدخين، أو تعاطى المخدرات، لذلك يتم الكشف الدائم والمفاجئ على سائقى القطارات، فمنذ بداية عام 2018 حتى الآن تم عرضى على الكشف الطبى لإجراء تحليل المخدرات 4 مرات».
«الكابينة الصغيرة تعد مملكتى فى جمهورية المترو».. يكمل عم طاهر تفاصيل يومياته مؤكدًا أن المهنة بها صعوبات وعوائق كثيرة، فالسائق يتحمل المسئولية الكاملة عن القطار والركاب وأى خطأ يخرج من باب كابينته المنعزلة إلى النيابة مباشرة دون المرور على أى جهة أو شخص آخر للتفاهم فى الأمر فالخطأ لا يغفر سواء كبيرًا أو صغيرًا».
وعن طريقة القيادة قال طاهر: «القيادة فى مترو الأنفاق نوعان: واحدة يدوية والأخرى أتوماتيك، لكننى أفضل اليدوية ويوجد نظام أمان فى حالة حدوث أى خلل مفاجئ، كما يتوافر فى الكابينة تليفون للتواصل المباشر مع غرفة عمليات المترو».
شد عم طاهر يد القيادة اليدوية ليدخل محطة جديدة بهدوء وهو يلوح لزميل آخر يمر بجواره فى نفس الوقت الذى دخل فيه المحطة قائلا:ً «يوميات سائق المترو فى الفترة الصباحى أو المسائى واحدة، قبل خروجى من منزلى أترك نفسى إلى الله فالشغلانة خطرة وتحتاج تركيزًا فأنا أعمل فى 22 محطة».
من الأساسيات والخطوات الثابتة التى أقوم بها فى كل محطة الاطمئنان على حالة فتح الأبواب وإذا حدث أى تأخير أتعرض إلى التحقيق الفورى، لذلك أنتبه لرؤية الرصيف كاملًا والقطار من خلال المرايات، والحمد لله ولم يتم التحقيق معى على مدار عملى منذ 25 عامًا».
وبابتسامة تحمل القلق قال طاهر: «أسرتى المكونة من ثلاثة أبناء هم محمد فى الجيش ومحمود فى الجامعة وبنتى منة فى المرحلة الإعدادية تعودت على المهنة ومخاطرها على حياتى».
وعن «الانتحار على قضبان المترو» يقول: «تعرضت لمواجهة أكثر من حالة انتحار على خط شبرا الخيمة - المنيب، وكانت فى محطة «المظلات» على وجه التحديد، حيث حاولت سيدة أن تسقط تحت القطار، إلا أننى أعطيت المترو أمرًا بالتوقف السريع على قدر استطاعتى وساعدنى الركاب فى حمل السيدة من أسفل القضبان وهى فى حالة فقدان للوعى ونجت، لكن تم سقوط أربع حالات إغماء فى عربة النساء الذين شاهدوا الواقعة، وتعرضت لنفس الواقعة فى محطة السادات وتم التعامل مع الأمر قبل وقوع الحادثة، فالانتحار ظاهرة قاسية ومؤذية للسائق».
سائق «مبارك»
نزلنا من المترو وقصدنا حسن زكى الذى كان قد أنهى عمله فى الوردية الصباحى يقول: «عمرى 45 عامًا، أعمل فى المترو منذ 22 عامًا ودخلت المهنة عن طريق مسابقة فى عام 96، عندما افتتح الخط الثانى عام 1996 كنت أول السائقين به وكان علينا ضغط كبير بسبب حضور الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك الافتتاح، وتم اختيارى للقيادة بالرئيس، ووقف بجوارى «مبارك» فى كابينتى الخاصة من شبرا لرمسيس، ولا أنسى تفاصيل هذا اليوم، وقتها مكثت أربعة أيام فى المترو بعيدًا عن أسرتى لإتمام مهمة الخروج بالرئيس فى افتتاح الخط الثانى، وكان أول مرة «مبارك» يستقل المترو ووقف يتحدث معى وقال لى:«أنت قبطان منظر الكابينة تشبه كابينة الطيارة»، وسألنى ساكن فين قولتله شبرا قالى يعنى «لمض» فابتسمت وبدأت فى شرح تفاصيل الكابينة ومفاتيح التشغيل ومن وقتها أطلق علىّ لقب «قبطان مبارك».
وعن يومياته يقول: «تبدأ بدخول محطة دخول الركاب من الأبواب، فأول شىء عند دخولى الرصيف أطلق صافرة عالية كنوع من التنبيه لأن الركاب للأسف الشديد يتعاملون مع القطار على أنه لعبة، وأكون دقيقًا فى وقت إطلاق الصافرة لأنها سلاح ذو حدين وخطأ كبير إذا لم أطلقها لأنها تنبه المواطنين وفى حالة إطلاقها بعد دخول الرصيف قد تسبب فزع البعض».
حسن زكى واجه حالات انتحار كثيرة، منها بتر ساق أحدهم بعد نجاته فى محطة السادات وحاولت إيقاف القطار بشكل لا إرادى، فحوادث الانتحار الأصعب فى المهنة، ومعظم الذين يقدمون على الانتحار لديهم مرض أو أزمات.
31 سنة خدمة
ملامح الإرهاق بدت ظاهرة على عم إبراهيم السيد- 56 عامًا- بعد إتمام ورديته، الذى جلس يشاركنا الحديث وبيده حقيبته الصغيرة التى يحضر فيها ملابسه لأنه على موعد سفر كعادته اليومية فهو من أبناء الشرقية، ويحضر للقاهرة للعمل على خطوط المترو منذ 31 عامًا ويعود فى المساء، يقول: «رحلتى هنا منذ 31 عامًا، تعينت مساعد سائق ثم سائق على خط رمسيس حلوان، وعملت على جميع الخطوط، أعمل فى وردية الصباح لأننى الأقدم».
«أسرتى بسيطة لا أروى لهم أى تفاصيل عن حياة سائق المترو، لذلك هم لا يعلمون شيئًا ولا يشعرون بخطر على حياتى من العمل فى المهنة»- يحكى عم إبراهيم تفاصيل يومياته فى المترو- قائلًا: «إننى عاشق للمهنة فسعادتى عندما أقوم بأداء رسالة وطنية مثل نقل ركاب مصر وتأمين حياتهم يوميًا بدون توقف على مدار 31 عامًا، لكن سلوكيات المواطن فى حاجة للتوعية فى التصرفات الخاطئة».
ووضع عم «إبراهيم» يده على رأسه قائلاً: واجهت حالة انتحار واحدة فى حياتى، وتوفى المنتحر على الفور وكان ذلك فى محطة دار السلام وكان لرجل مسن، وقمت بواجبى تجاهه لمحاولة إنقاذه بمحاولة إيقاف المترو، لكن فشلت لأن فيه اتنين متر ارتفاع الكابينة عن الأرض ليس لدىّ رؤية بهم»، وكانت هناك محاولة انتحار أخرى لسيدة كان بينها وبين القطار ربع متر، ونزلت من كابينتى مسرعًا وجدتها مغمى عليها وأهلها قالوا إنها كانت تعانى من حالة نفسية»، وأنهى كلامه قائلا: «أنا قلبى جامد واتعودت على حالات الانتحار».
المحطة المزدحمة
عوض الله فتحى العطار رئيس محطة الشهداء، يجلس مرتديًا الزى الرسمى للمترو، يستقبل التليفونات ويعطى أوامر من خلال الإذاعة الداخلية للمحطة يراقب شاشات الكاميرات لضبط أى خلل، يقول: «إننى مسئول عن كل كبيرة وصغيرة فى محطة الشهداء وهى المحطة الأكثر حساسية بين خطوط المتر وتبدأ من محطة أحمد عرابى حتى محطة غمرة، محطة مترو الشهداء محطة تبادلية بين الثلاثة خطوط وينطبق الأمر على السادات وقريبًا سوف تتحول جمال عبدالناصر إلى محطة تبادلية، فلو فى أى مشكلة على السكة تخص القطار والراكب أنا مسئول عنها يعنى لو فيه خط عطل نتعامل مع العطل وراحة الراكب بشكل سريع».
وأضاف: نواجه تعطل المترو والتأخيرات بسبب عدم وعى الجمهور ومسك الأبواب بشكل مستمر ولا نستطيع السيطرة على ذلك الجرم حتى الآن منذ دخول المترو، ولدينا فرق موجودة فى معظم المحطات بينهم كهربائى أعطال بالإضافة إلى مراكز مساعدة للتدخل السريع».
وقت الذروة
واجهت محطة الشهداء أيام ثورة 25 يناير زحامًا شديدًا بين جميع محطات المترو، فالأعداد كانت مضاعفة بسبب إغلاق محطة السادات، وفى وقت ذروة كان جميع طاقم محطة الشهداء يعمل بأقصى ما لديه من جهد خاصة من السابعة إلى التاسعة صباحًا من الثالثة إلى الرابعة عصرًا، من أجل انتظام العمل وعدم حدوث التأخير.
قطارات جديدة
وعن دور المترو فى خدمة الطلاب، قال رئيس محطة الشهداء: «وضعنا خطة متكاملة لاستقبال العام الدراسى، بإضافة عدد من القطارات للتخفيف تنطلق اليوم السبت وهو أول يوم دراسى، فضلا عن انتشار فرق الأعطال والانتشار السريع بالمحطات، فالمترو يخدم أكبر 3 جامعات فى مصر محطة حلوان والقاهرة وعين شمس، بالإضافة إلى طلاب المدارس، كما أنه يوجد لدينا غرفة عمليات خاصة بالمترو تتابع جيداً كل كبيرة وصغيرة، ووزير النقل بنفسه يشاركنا فى بعض الأحيان.
محطة الأزمات
وعن الأزمات قال عوض الله العطار: محطة الشهداء الأكثر حساسية فى الأزمات فبعد إغلاق محطة مترو السادات كان المنفذ الوحيد التبادلى هو محطة الشهداء، ولم نتوقف يومًا واحدًا عن العمل، فكنا وسيلة المواصلات الوحيدة فى مصر التى لم تتعطل عن العمل وشارك الجميع فى ذلك بنجاح.
يقول رئيس المحطة: نمتلك أجهزة «إكس راى» للمراقبة وهو جهاز حديث مثل الموجود فى مطار القاهرة لكشف أى شىء داخل حقائب الركاب، وبوابة إنذار دقيقة والمحطة بها 11 مدخلاً، لكن حاليًا ومع الإجراءات الأمنية يوجد 6 مداخل فقط لدواعٍ أمنية، كما أننا نؤمن أنفسنا من الإرهاب بـ 105 كاميرات ونرى كل صغيرة أو كبيرة تحدث داخل المحطة عبر الشاشات، فضلاً عن انتشار الشرطة النسائية للتصدى لحالات التحرش ومتابعة عربات النساء.
غرامة التأخير
تعد محطة الشهداء من أكثر محطات المترو فى ضبط الغرامات، فغرامة عدم وجود تذكرة مع الراكب 50 جنيهًا، وغرامات الأحمال والباعة الجائلين 100 جنيه، وتعطيل القطار على كل دقيقة عطل 200 جنيه، وهناك حالات بالفعل دفعت غرامات تأخير القطار.
المترو بيتنا
أما سيد أبوالعلا تعلب ناظر محطة الشهداء، فيعمل فى المترو منذ 30 سنة، قائلًا: «المشروع خرج على أيدينا فأنا من الجيل الأول لموظفى المترو، حيث يعد مترو القاهرة أول نظام مترو متكامل فى أفريقيا والعالم العربى، ينقل ما يقرب من 4 ملايين مواطن يوميًا، ونشعر دائمًا نحن كموظفين أن مترو الأنفاق بيتنا الأول».