وقائع اتهام البابا بالهرطقة
وفاء وصفي
حين يكون الاتهام بالهرطقة موجهًا نحو مطران أو أسقف أو قس قد يبدو الأمر مقبولًا، أمّا حين يكون المتهم هو رأس الكنيسة، البطريرك نفسه فنحن أمام حالة استثنائية لم تتكرر كثيرًا فى التاريخ المسيحى، صحيح أنه لا عصمة للبابا ولا لأى عضو فى هيئة الكهنوت، لكن أن يأتى الاتهام من قِبَل غير المختصين بهذا الأمر فنحن أمام حالة فريدة تعيشها الكنيسة خلال الفترة الأخيرة.
منذ أن شارك البابا تواضروس فى لقاء الصلاة المسكونية التى أقيمت فى الفاتيكان بداية هذا الشهر من أجل السلام فى الشرق الأوسط، أصبح الهجوم عليه من أعنف ما يكون فى محاولات مستميتة لتهيئة الشارع القبطى للقبول بفكرة أن البابا يخالف العقيدة، حيث نقلت بعض المواقع أنه شارك فى قداس الكاثوليك، وهو أمر لا يجوز إطلاقًا بحسب العقيدة الأرثوذكسية، كما قام أحد المواقع المعادية للبابا بالتنويه إلى أن موقعًا كاثوليكيّا نشر الخبر ليضفى عليه قدرًا من المصداقية وهو ما أحدث حالة من البَلبلة فى الأوساط المسيحية.
بعد ذلك، قامت بعض الصفحات بمهاجمة البابا لأنه أقام قداسًا للأقباط فى إحدى الكنائس الكاثوليكية المستخدمة فى صلواتهم وهو أمر يحمل أيضًا اتهامات له بإقامة صلوات فى كنيسة مختلفة عقيديّا (مهرطقة) إلا أنهم فوجئوا بأن البابا رُغْمَ استخدامه للكنيسة فإنه أقام الليتورجية على منضدة خاصة أحضرها معه ولم يستخدم الهيكل الكاثوليكى.
ورُغم ذلك انهالت الاتهامات على بابا الإسكندرية بل تطاول عليه الكثيرون وصلت إلى حد الاتهام بأنه جاء عن طريق اختيار فاسد وترشح فاسد فكتب أحد الصحفيين قائلاً «هناك خلط لدَى كثير من الناس بين إرادة الله وما يحدث بسماح منه.. عندما يكون بطريرك ترشح للبطريركية بطريقة فاسدة منافية للطهارة السمائية والنقاء الإلهى، الله يكون غير راضٍ عن هذا الاختيار حتى القرعة الهيكلية الله لا يتدخل فيها، هذا فى حالة إن القرعة الهيكلية تمت دون تلاعب، وبالتالى لا يُعتبر هذا البطريرك اختيارًا إلهيّا لكن فى الوقت نفسه الله بيسمح به ونتائج هذا الاختيار السيئة يستخدمها لصالح المؤمنين الأتقياء المحبين ليه، لكن هذا لا ينفى أن هذا البطريرك يكون وبالاً على الرعية وبتكون أفعاله ضد الإرادة الإلهية.
وفى الاتجاه نفسه هاجمت بعض الصفحات البابا قائلة «اصمت وارجع لديرك فأنت لا تمثلنى». مشيرة إلى أن البابا قام بالصلاة مع أصحاب بدعة أوطاخى وبالتالى يكون قد خرج عن العقيدة الأرثوذكسية ولذلك يجب العودة للدير للرجوع إلى الطريق الصحيح ويقدم توبة ويتم عزله ومحاكمته بتهمة الهرطقة الصريحة.
غزلاً على المنوال نفسه وجّه كاهن لم يستطع أن يذكر اسمه أو كينونته ولا نعلم لماذا هل حتى يتجنب المساءلة أم لأنه قد يكون أسقفًا ما يخشى المحاكمة الكنسية والاستبعاد عن منصبه ويكتفى هذا الشخص بتوقيع ٦ رسائل باسم كاهن من نيو جيرسى هاجم فيها البابا تواضروس فى كل شىء وقال إنه أصبح سفيرًا للسعودية، وذلك بَعد أن زار مجمع الأديان التى تقيمه السعودية وفى النمسا.
الكاهن نفسه طالب البابا بالصمت متهمًا إياه بأن تصريحاته سبب رئيسى فى ضياع حقوق الأقباط الذين يعانون من واضطهاد وعنف على حد وصفه، كما أدان ما وصفه بصمت الأساقفة على مخالفة التعليم الأرثوذكسى وعدم مواجهتهم البطريرك فى المجمع الأخير، مؤكدًا أن هذا شىء سيحاسبون عليه أمام الله، منددًا بما سمّاه بمحاولات الكثلكة التى يقودها بابا الإسكندرية.
أحد أساقفة المجمع المقدس أدلى بتصريحات لأحد المواقع دون ذكر اسمه أيضًا اتهم فيها البابا بأنه يحاول تفريغ الأهمية التاريخية للكلية الإكليريكية من مضمونها، وفرض تعاليم خاطئة، حيث سمح بإقامة مراكز تعليمية موازية للإكليريكية مثلما يحدث فى الإسكندرية من وجود مدرسة الإسكندرية التى يقودها الراهب سيرافيم البراموسى ومدرسة فى مارمينا فلمينج يقودها القمص أثناسيوس جورج، والثالثة فى مقر البابا نفسه يقودها القس أنطونيوس فهمى، شقيق القس أثناسيوس، وأصبحت إكليريكية الإسكندرية «تحت الحصار»، حيث يفرض على الخدام والخادمات هذه المدارس بأساليب مختلفة وبرعاية بابوية مباشرة.
وتابع الأسقف: «فى القاهرة مدرسة المعادى التى يقودها الأنبا دانيال والأنبا أنجيلوس الأسقف العام والأنبا مكارى أسقف عام شبرا الجنوبية، والقس بطرس سامى ومؤخرًا معهد فى وسط البلد يديره القس بيشوى حلمى برعاية الأنبا رافائيل، الذى لا يعرف أحد اتجاهه مع العقيدة الأرثوذكسية أمْ مع التغريب، فهو يفعل الشىء ونقيضه، وهو مهندس اتفاق الفاتيكان الملغى، وداعم خُطى البابا فى اللحاق بالكنائس الأخرى دون الحفاظ على الإيمان الأرثوذكسى والتمسك بالعقيدة، وبدعوى المحبة يتنازلون عن كل شىء، إلا أنه أبعد عن سكرتارية المجمع فتفتق ذهنه للمعهد المذكور لاستكملاً دوره، فهو أول من دافع عن مدرسة الراهب سيرافيم البراموسى، وهو الذى رشح تلميذه فى دير البراموس «القس شاربويم البراموسى سابقًا الأنبا أنجيلوس حاليًا، أسقفًا ليتحدث عن أساطير الكتاب وخلافه؟ وكثير من تيار التغريب من الأساقفة الجدد من ترشيحاته.
ومضى يقول إن هذا عصر حصار التعليم الأرثوذكسى وتكسيره ومحاربته من الداخل، وهو أسلوب خطير، لم يفعله أعدَى أعداء الكنيسة فى تاريخها، وسيأتى يوم تُكتب الأسفار وظهر ما شيب له الأبدان؟ ويفاجئ الأقباط برتب كنسية تنازلت عن الإيمان والعقيدة الأرثوذكسية، وباعوا الأمانة، وسوف يشعر الجميع بأن هناك من حاولوا كشف الستار عما يحاك بالكنيسة وتحملوا التكفير والتهديد والتشويه، ولكنهم الغالبون بالإيمان، والحافظون للوديعة أمام رب المجد، وإنهم لمنتصرون»..
إلى هنا ينتهى تصريح الأسقف الكبير الذى يخشى من ذكر اسمه تجنبًا للمساءلة أيضًا، وبَعد كل هذا هل لايزال هناك أدنى شك بوجود اتجاه لتهيئة الشارع القبطى لعزل البطريرك؟
لقد اتهم البابا شنودة سابقًا بأنه يتبع بدعة مسحور، ولكن لم يستطع أحد أن يهاجمه كما يحدث الآن؛ وذلك خوفًا من نار الأنبا بيشوى التى كانت لا ترحم أحدًا، ولكن ألم يحن الوقت لتسود المحبة والحكمة فى بيوت الله كلها؟
انزعج الكثيرون منا حينما نشرنا منذ فترة موضوع كان يحمل عنوان «صليب البطريرك»، ولقد هاجمنا البعض واتهمونا بأننا نحامى له كثيرًا.. وتمر الأيام وتكشف الأحداث حقيقة وجهة نظرنا التى أصبحت جليّة للجميع.
فى موضوع صليب البطريرك نوهنا على أن هناك بطاركة كثيرة كانت عليها علامات استفهام كثيرة، ورُغم الاعتراف بهم فى مجمع القديسين بالكنيسة فإنهم هوجموا بعنف فى زمانهم، وكان أكبر مثال القديس أثناسيوس الرسول الذى لقب بحامى الإيمان، ووقف أمام بدعة أريوس كان متهمًا من الأقباط فى حينه بالجبن وذلك نتيجة هروبه الذى اعتبره الكثيرون بأنه هروب من مواجهة الإمبراطور الذى كان دايما لأريوس إلا أنه كان يقول ما فائدتى إن كنت ميتًا، يجب أن أحاربهم بتوضيح الإيمان الحقيقى.
وكنا هنا وعلى صفحات «روز اليوسف» حاولنا مرارًا وتكرارًا الكشف عن طبيعة المحاولات المتكررة من بعض أعضاء المجمع المقدس لاستبعاد البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الذى كان الهجوم عليه بشكل مستمر وواضح من أتباع بعض الأساقفة يشكل علامات استفهام كثيرة حول الغرض الحقيقى لذلك.
وتطورت الأحداث بشكل درامى منذ أن أعلن البابا نيته فى أحداث وحدة بين الكنائس المسيحية، موضحًا المفهوم الذى يقصده كما أعلنه بابا الفاتيكان البابا فرنسيس أكثر من مرّة إلا أنهم كانوا له بالمرصاد.
وفى هذا التقرير لن نعيد ما قلناه سلفًا، ولكن نكشف فيه ما وصلت إليه الأمور، خصوصًا أنها أصبحت تعلن وبشكل واضح ما تعتزم عليه، ألا وهو محاكمةالبطريرك بتهمة الهرطقة.
نحن لا ندافع عن أحد ولا نحمل وجهة نظر شخص بعينه، ولكننا نكشف ما يسعى إليه أشخاص منساقون وراء بعض الأهواء الشخصية وفى الوقت نفسه لا يوجد رادع حقيقى لها مما يسبب فى الكثير من سوء الفهم.
حقّا؛ أكد الكتاب المقدس أن أعظم شىء هو المحبة، ولكن أيضًا طلب المسيح من أتباعه أن يكونوا وُدعاء كالحمام وحكماء كالحيات، إلا أن المشهد الحالى لا يحمل أى محبة أو وداعة أو حكمة، وهو شىء أصبح قاسيًا على الكثير من الأقباط الذين لا يعنيهم أى شىء من الأحداث الموجودة على الساحة، وهم كثر بالمناسبة.