الأحد 27 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صُناع البسمة

صُناع البسمة
صُناع البسمة


«أنا لست نكرة أو صفحة مطوية فى ذاكرة النسيان، أنا من أصيب فى عمل.. أو من مرض.. أو فى حادثة.. أو وراثة.. فلم أضعف.. ولست ممن استكان.. أنا القانون والموظف والعامل والفنى والتاجر والمزارع والطالب.. أنا طه حسين وروزفلت وبيتهوفن الفنان.. أنا من تخطى صعاب الحياة ومشى قدمًا لتنمية العمران»، عبارات شهيرة يرددها ذوو الاحتياجات الخاصة، تعكس قوة كامنة داخلهم، جعلتهم يضعون بصمتهم فى شتى المجالات، ويصنعون لأنفسهم عالما مبهجا يصعدون فيه على خشبه المسرح للتمثيل، يمسكون الميكروفون للغناء، ويلعبون على الآلات الموسيقية لنشر البهجة.

«الشكمجية»..أول فرقة مسرحية للمعاقين فى الوطن العربى
لحظات فريدة عاشتها برفقة صغيرها المصاب بـ«التوحد»، دخلت عالمه الخاص سعيدة، حتى أصبحت جزءا كبيرا من هذا العالم، حصلت على دبلومة أخصائى توحد وتعديل سلوك وتربية خاصة، أرادت أن تنقل للعالم تجربتها مع ابنها «ياسين» ذي الـ9 أعوام، من أجل التوعية بكيفية التعامل مع المصابين بالتوحد أو أى إعاقات أخرى، تطرقت إلى إنشاء فرقة «الشكمجية» عام 2015، لتكون أول فرقة مسرحية للمعاقين على مستوى الوطن العربى والشرق الأوسط.
 تخرجت «أميرة شوقي» فى كلية التجارة، الجامعة الأمريكية، وتعمل مخرجة معتمدة فى وزارة الثقافة، تقول: «بدأنا الفرقة بـ 5 أفراد والآن أصبحوا 120 فردا لديهم إعاقات مختلفة بين الشلل الدماغى والتأخر العقلى والأصم والكفيف والإعاقات الحركية، نعمل فى جميع أنحاء مصر وهدفنا استغلال الفن فى تربية أولادنا، عملنا أول ورش لذوى الإعاقة تمثيل وآداء وسيكو دراما فى جميع المحافظات».
تضم الفرقة جميع الأعمار، من عامين وحتى 45 عاما، تؤكد المخرجة الثلاثينية أن فريق العمل الموجود خلف ستار المسرح يتألف من الأمهات وأهالى الموجودين بالفرقة: «لا يوجد بالفرقة مساعد مخرج، المسئولة عن الإضاءة إحدى الأمهات وكذلك إدارة المسرح والعلاقات العامة، والمسئولة عن الفيديو بروجيكتور، والكواليس والزوم جميعهم من أمهات وأخوات أعضاء الفرقة»، كما تتولى أمهات المعاقين أيضًا تأليف المسرحيات من الواقع الذى يعيشونه مع أبنائهم: «هذا يجعل العمل مختلفا لأنهم يكتبونه بحب شديد».
قدمت «الشكمجية» عروضا كثيرة على مسرح الهناجر، الجمهورية والبالون ومسرح صلاح جاهين، ووزارة الشباب والرياضة وقصور الثقافة وأبو قير: «للفرقة امتداد فى الإسكندرية من 70 ولدا وبنتا يقدمون استعراضات، قمنا بعرض مسرحى كبير إنتاج البيت الفنى للمسرح، تحت رعاية وزارة الثقافة»، مشيرة إلى أن «الواد اللى فى راسه عرايس» من أهم العروض التى قاموا بها، ويوضح كيفية النظر للحياة بعين الطفل التوحدى وفهم مشاعره، ونثبت للجمهور أنه قادر على الغناء والتلحين ومواجهة الجماهير.
توضح «أميرة» أن مهام أعضاء الفرقة متنوعة، فالأصم يقدم استعراض، التوحدى يُغنى ويمثل، المصاب بـ«المرفاه» يقوم بتحريك عرائس الماريونت، تقول: «مصاب المرفاه عنده إفراط فى زيادة الطول، ومع الوقت تقل وظائف جسمه حتى يتوفى»، أما «الداون» فلديهم قدرة على تنفيذ كل المهام، والمعاقون حركيًا يرقصون بالكراسى المتحركة، والأقزام يسند إليهم تمثيل بعض المشاهد، وتضيف: «الأصم والكفيف يلفان بالتنورة وأيضًا المصاب بالشلل الدماغى، وتم تصنيفنا أول فريق ذوى إعاقة يقدم عروضا فى الشارع».
«الأغانى التراثية» المفضلة لـ «فيفى»..و«تامر» يُغنى لـ«ضمور العضلات»
متعددة المواهب والمهارات، حصلت على بكالوريوس تجارة خارجية، بطلة تنس طاولة، ذات صوت دافئ، تمارس موهبتها الغنائية فى فرقة «الأصالة فى ربيع العمر» وتشارك فى حفلات ساقية الصاوى، تحب أعمال الهاند ميد، أما فى الجانب المهنى فتعمل مفتش تموين وتعمل مدير علاقات عامة فى إحدى المدارس الخاصة، وفى شركة «هاند كاب».
تعانى «فيفى عبد المنعم» من إعاقة فى القدمين  وتقوس فى العمود الفقرى، تقدس العمل مع الجمهور ولديها حماس شديد بالتفاعل مع جميع أفراد المجتمع، أحبت الموسيقى لأجل والدها الذى كان يعزف «اكورديون»، تقول: «مؤسسة الحسن للدمج أتاحت لى المشاركة فى الفرقة لتنمية موهبتى الغنائية، منذ 8 أشهر، أحد الأشخاص أشار إلى ضرورة وجود اهتمام بالغناء والفن للمعاقين، بدأنا فى عمل اختبار صوت، وقمنا بإرساله لمايسترو أجرى دراسات عن ذوى الاحتياجات الخاصة، وقاموا باختيار 4 أفراد للانضمام للفرقة وكنت منهم».
تضم الفرقة 4 مواهب غنائية على الكراسى المتحركة، تأسست منذ 5 أعوام، على يد الدكتورة «آمال فتحي» وتهتم بالأغانى التراثية القديمة، تؤكد المرأة الأربعينية أنهم يؤدون أغانى جماعية وأغانى فردية: «أحب أغانى شادية وصباح ووردة، شاركت فى حفلتين والثالثة ستكون يوم 10 إبريل، البروفات مرتان فى الأسبوع، وحلمنا الغناء فى دار الأوبرا المصرية».
«رسالة للرئيس من أبناء الضمور: عاوزين حقنا بنموت كلنا، راحوا كتير مننا ولا حد حس بيهم، والباقى مننا مستنى تلحقوه، ياريت تهتموا بينا وبلاش تهمشونا، فكروا شوية فينا وبلاش تتجاهلونا، بصوا علينا بعين الرحمة ده إحنا تعبنا واتجرحنا»، كلمات نبعت من أعماق قلبه، نقشها بقلمه وصعد على خشبة المسرح يغنيها فى حماسة لمست قلوب الجالسين وقبل البدء فى المقطع الثانى للأغنية بادر الجمهور بالتصفيق الحار تعبيرًا عن إعجابهم الشديد بصوته.
«تامر حيدر»، مصاب بمرض ضمور العضلات، الشيء الذى جعل غناءه مقتصرًا على ظروف مرضه، على أمل أن تصل رسالته للعالم، يقول: «اكتشفت موهبتى وعمرى 5 سنوات، وظهر مرضى وعمرى 13 عاما وجلست على الكرسى المتحرك من وقتها»، بدأ الشاب الثلاثينى مشواره الغنائى على مسرح ساقية الصاوى فى اليوم العالمى للمعاق ورغم خجله الشديد نال إعجاب الجماهير وحصل على فرصة الغناء أمام محافظ سوهاج.
مؤكدًا أنه يغنى فى كافة الحفلات التابعة للمحافظة والمناسبات والحفلات الخاصة بالمعاقين: «أهتم بالغناء عن مرضى ضمور العضلات لأن حلمى أن تهتم الدولة بالمعاقين وخاصة مرضى الضمور لأنهم مهمشون»، حصل «تامر» على دبلوم تجارى ويقطن فى محافظة «سوهاج»، يحب التمثيل أيضًا وحظى بفرصة مشاركة فى مسرحية: «قمت بالغناء والتمثيل فى نفس اليوم وكنت سعيد جدًا وأقوم بتأليف أغانى ضمور العضلات».
«مريم» و«جودى» الأخوات الضريرات..عرفتا الموسيقى بقلبيهما
صعدتا سويًا على خشبة المسرح، الأولى تمسك الميكروفون بقبضتها الصغيرة لتُغنى، والثانية تعزف على البيانو بأناملها، سرعان ما يتفاعل معهما الجمهور ويبادرون بتشجيعهما، بينما تقف والأم عن قرب تتأمل المشهد فى سعادة شديدة، وتلتقط لهما الكثير من الصور.
«مريم محسن» و«جودى محسن»، شقيقتان من محافظة بورسعيد، تجلت موهبتهما باكرًا، كرست الأم كافة جهودها لأجلهما حتى يصلان إلى مراحل متقدمة فى وقت قصير، لدى مريم 13 عاما، فى الصف الثانى الإعدادى عازفة على البيانو والأورج، تقول والدتها: «عرفت موهبة مريم وعمرها 8 سنوات، كانت تحب اللعب بالأورجات الصغيرة شعرنا أن يدها تحدث نغمة مختلفة، وجلبت مُدرسة موسيقى للمنزل لتُعلمها، وأخذت كورسات، وتعلمت عزف مقطوعات عمر خيرت».
حصلت «مريم» على فرصة المشاركة فى حفلات ومسابقات، منها مسابقة الحلم المصرى التابعة لوزارة الشباب والرياضة، ومسابقة إبداع وحصلت على المركز الثانى على مستوى الجمهورية، كما شاركت فى حفلة بدار الأوبرا المصرية، والمركز الأول عزف فى مهرجان إبداع، ومسابقة شموس لا تغيب فى نقابة المهندسين، تلقتط مريم أطراف الحديث من والدتها قائلة: «والدى شجعنى واشترى لى الأورج، بيدربنى الموسيقار أحمد جمال، حفلة الأوبرا جعلتنى أشعر بتفوقى فى العزف».
تكره «مريم» نظرة الشفقة التى تظهر فى أحاديث الناس عنها قائلة: «أعمل مهندسة صوت، وأتمنى أن أصبح مذيعة، لدى برنامج على الإنترنت اسمه حوار جرئ أكتب الاسكربت وأضع إفكاره بمفردى وأعمل المونتاج، وكنت وطلبت من خلاله من الرئيس تغيير مسمى معاق لأنه جارح جدا الحقيقة»، لم ينحصر تفوق «مريم» فى العزف فقط، فكانت الأولى على المحافظة فى المرحلة الإبتدائية وحصدت ميدالية فى السباحة.
انضمت «جودي» شقيقة «مريم» إلى عالم الفن منذ فترة قصيرة، فهى تجيد الغناء، تقول والدتها: «وُلدت ضريرة مثل أختها، لم تدرك بعد أن لديها إعاقة بصرية ولديها اعتقاد أن الجميع مثلها، تأخذ أختها قدوة لها وتفعل مثلها، كانت تحفظ الأغانى التى تسمعها بسرعة، كما لاحظ موهبتها ملحن نعرفه حينما غنت أمامه»، واجهت «جودي» الجمهور للمرة الأولى قبل أن تتخطى الـ 4 أعوام، على مسرح مكتبة مصر العامة بأغنية «البنات البنات» لسعاد حسنى: «انبهر الجمهور بآدائها وكانت واثقة فى نفسها لم تهتز لحظة».
ثم شاركت فى حفلة للمركز الثقافى بحضور محافظ بورسيعد، وكانت أصغر مشتركة، كما حصدت المركز الأول غناء فى مهرجان إبداع، وتضيف والدتها: «أحبت الحفلات وتنتظرها دائمًا حتى يكرمها الحضور وتحصل على ميدالية، شعرت أنها شخصية معروفة خاصة أنهم أطلقوا عليها مس ايجيبت فى المدرسة، وتحب أغانى فيروز وصلاح جاهين خاصة أغنية أبو زعيزع».