الخميس 26 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

«أفلام المقاولات» لن تموت!

«أفلام المقاولات» لن تموت!
«أفلام المقاولات» لن تموت!


يبدو أن الظواهر السينمائية - كأى ظواهر أخرى - من خصائصها التكرار، وهو ما نلاحظه مع ظاهرة «أفلام المقاولات»، والتى اصطلح البعض على تسميتها بـ«الأفلام الخفيفة» أو «الأفلام ذات التكلفة البسيطة» ــ مع كامل الاعتذار للـ«سينما المستقلة» ــ وهى الأفلام التى تنشط فى فترات، وسرعان ما تختفى فى فتراتٍ أخرى فى مواسم مثل الموسم الحالى.. موسم إجازة منتصف العام الدراسى.
مصطلح «أفلام المقاولات» ظهر فى النصف الثانى من الثمانينيات مع اختراع الفيديو، والذى كان يتطلب عددا من الأفلام لا تتحملها السوق المصرية، فتم طلب أفلام سريعة لتُعبأ فى شرائط وتوزيعها لأكبر سوق فى هذه الفترة - وكانت السعودية على رأس هذه الدول - وكانت هذه الأفلام قائمة على التعاقد مع نجم أو نجمة، فيتم عمل فيلمين أو ثلاثة بتكلفة قليلة، ومن هنا جاءت فكرة «المقاولة» بين النجم والمنتج.

وقد شهدت السوق السينمائية المصرية فى الآونة الأخيرة عودة هذه الظاهرة، وذلك بظهور مجموعة من الأفلام يتحمل بطولتها مجموعة من نجوم الصف الثانى والثالث.. وفى حين ينتقد البعض وجود مثل هذه النوعية من الأفلام وعودتها مُجددا، يؤيدها البعض الآخر، ويرى أنها تتسبب فى وجود حالة من الرواج الفنى والسينمائى على مدار العام.. وآخر هذه الأفلام فيلما «دعدوش» لـ«هشام إسماعيل» و«حليمو أسطورة الشواطئ» لـ«طلعت زكريا»، والأخير يُعرض حاليا، وقد حقق فى 3 أيام عرضه ــ كما ورد يوم 20 يناير الماضى- 1200 جنيه إيرادات!.. ليصل إجمالى إيراداته ــ حتى وقت كتابة التحقيق ــ إلى مليون و 80 ألف جنيه!.. وهو ما يجعلنا مندهشين من تحقيق أفلام كهذه لهذا الكم من الإيرادات؟.
تحدثنا إلى منتج فيلم «حليمو أسطورة الشواطئ»، وهو المنتج «مدحت سعد»، وطرحنا عليه سؤالنا السابق، فقال: «اختيارنا لنوعية الأفلام الخفيفة يأتى حسب الورق الذى يُقدم لنا كشركة إنتاج، ووقتها نبدأ فى تحديد الممثلين المناسبين، وهذا لا يعنى أننا نلجأ للتقليص من أجر النجم، بدليل أن فيلم حليمو به أكثر من نجم مثل طلعت زكريا.. أنا معترف أننا كشركة نعمل على المُستوى الأقل، ولكن هذا لا يعنى رداءة الفيلم، ففى بعض الأوقات يكون البطل هو الورق والسيناريو، ففى النهاية نحاول الوصول بالفيلم إلى أفضل مستوى، فنحن نستهدف العائلات والشباب ورغبة السوق، فنقرأ ما ينقص السوق لنحاول تقديمه».
وصرح «مدحت سعد» لنا بأن أى مُنتج تكون «عينه» على السينما وفى الوقت نفسه على القنوات الخاصة لأن هذا «أمر مشروع»، وفى النهاية الموضوع جزء منه صناعة وتجارة تهدف للربح.. وأوضح أنه رغم نزول فيلم «حليمو» فى 60 دار عرض، فإن هناك حسابات لدور العرض من شأنها التأثير على مُدة وجود الفيلم بها، مُشيرا إلى أنهُ راضٍ عن إيرادات فيلمه، بل إن الفيلم حقق إيرادات أعلى من فيلمى «جدو نحنوح» و«خلاويص»!.
وحول نوعية هذه الأفلام، والتى يطلق عليها البعض «أفلام المقاولات»، أجاب «مدحت سعد»: «من الطبيعى وجود كل نوعيات الأفلام لأن الجمهور أيضاً مختلف، وهناك من يذهب إلى نوعية دون الأخرى، وأى شركة من الممكن أن تقدم أفلاما تُصنف فى أُطر A, B, and C كما يُطلق عليها فى السوق السينمائية، ونحن نستهدف الجمهور الذى لا يريد الذهاب للأفلام الثقيلة ذات التركيبة المعقدة، فهناك من يريد أن يهرب من همومه الحياتية بمشاهدة مثل هذه الأفلام الخفيفة.. وفى الوقت نفسه لا أعتبر فيلمى حليمو من أفلام المقاولات، فهذه الأفلام تدور قِصصها فى مكانٍ واحد أو ببطولة نجم غير معروف أو تكلفة لا تتعدى المليون جنيه، أما أفلامى فميزانيتها أكبر من ذلك بكثير، فقد قدمت من قبل فيلم الدنيا مقلوبة لباسم السمرة، وفيلم أربعة كوتشينة، والذى تم طرحه فى موسم العيد الماضي»!.
أما الفنان «رامى غيط» - أحد أبطال فيلم «حليمو أسطورة الشواطئ» ــ فبدأ حديثه معنا بقوله أنه نادم على اشتراكه فى الفيلم، وفى الأساس اشترك به لوجود عدد من النجوم المحترمين داخله، ولكن للأسف سوء الإدارة الإنتاجية هو ما أضر بالعمل، فالمنتج والمخرج غير مُلمين بآليات العملية السينمائية، وظن كل منهما أنه بأى ميزانية قليلة سيخرج العمل جيدا، وهو ما لم يحدث.
وأضاف «رامى غيط»: «ظروف الإنتاج الصعبة هى ما تضطر معه بعض الشركات - خاصةً الصغيرة - لاختيار سيناريوهات أفلام ذات تكلفة بسيطة، وهذا ليس بالضرورة معناه خروج فيلم غير جيد،  فالضرر الحقيقى يأتى عندما يحدث تقصير فى سير العمل، وعن نفسى كان من المفترض أن أُصور 30 مشهدا، وذهبت للغردقة حيث مكان التصوير لأنى أُقدم داخل الفيلم دور مُنقذ شواطئ، وللأسف لم أصور إلا مشهدا واحدا على البحر»!.
وأشار «غيط» إلى أن شركات الإنتاج الصغيرة تتعرض إلى ضغوط من أصحاب دور العرض السينمائية، خاصةً لو كان المنتج يجمع بين وظيفتى الإنتاج وكونه صاحب دار عرض أيضا، فهى «مافيا» معروفة فى الوسط الفنى لإجبار الشركات الصغيرة على رفع الفيلم من دور العرض لحساب أفلام الشركات الأضخم، وهو ما يؤثر على الشركات الصغيرة.. وأوضح «غيط» أن المنتجين أصحاب هذه النوعية من الأفلام يعلمون جيدا أن الفيلم سيحصد إيرادات من خلال القنوات التى ستستقبلها، وهو ما يجعل أعينهم على القنوات أكثر من دور العرض، وهو ما يضر بمنظومة السينما التى من المفترض أن يرتبط بها الجمهور.
انتشار «أفلام المقاولات» بشكلها الجديد الحالى، والذى لا يختلف عن شكلها السابق، يقول عنه الناقد «نادر عدلي»: «السينما المصرية تنتج ما بين 40 إلى 45 فيلما فى العام، ولو قُمنا بتصنيف الأفلام سنلاحظ أن الأفلام الكبيرة ذات الميزانيات الضخمة لا تتعدى الخمسة أفلام، والأفلام المتوسطة نحو 20 فيلما، والباقى أفلام صغيرة فى ميزانيتها وفريق العمل الخاص بها، لهذا من المتوقع أن يذهب المنتجون لمثل هذه النوعية ذات التكلفة القليلة - خاصةً الكوميدية - والتى يعتمدون فيها على التصوير فى أماكن مُلفتة للنظر أو فى بلد أجنبى لأنها هى الأكثر انتشارا وأقل تكلفة».
وحول فكرة مغازلة المنتج للقنوات الفضائية أكثر من دور العرض السينمائية، يقول عنها «نادر عدلي»: «فكرة الـPackage  فى عالم التسويق منتشرة جداً فى السينما، فقناة روتانا مثلاً كانت تقوم بشراء الأفلام من منتجين مثل إسعاد يونس أو حسن رمزى، على أساس أنها تشترى فيلما أو فيلمين على الأكثر، وهى أفلام ذات ميزانيات ضخمة، ثم معهما فيلمان آخران بتكلفة متوسطة، وعشرة أفلام أُخرى بعشرة قروش لملء ساعات القناة، وقد ظهرت هذه الطريقة منذ نجاح فيلم «إسماعيلية رايح جاي» ومستمرة حتى الآن، والمنتج كسبان فى كل الأحوال».
كان للمخرج «عبدالعزيز حشاد» - مخرج فيلم «دعدوش» - رأى فيما نطرحه فقال لنا: «دائما ما تكون عينى على فكرة الفيلم، وعندما أُقدم فيلما من هذه النوعية - والتى أعتبرها ذات تكلفة بسيطة وليست مقاولات - فلا يكون بها عادةً عدد كبير من الأبطال، فالأفلام ذات النجوم لها ميزانية أضخم، مما يجعل المنتج يستعين بنجوم الصف الثانى، وهذا لا يعنى أن دعدوش فيلم مقاولات، فالفيلم كان يناقش قضية مهمة عن الإرهاب وداعش».
وعن عدم استمرار الفيلم فى دور العرض أو تحقيقه لأى أرباح، فيرى «حشاد» أنها ليست مسئوليته، فاختيار المنتج توقيتا لعرض الفيلم كان اختيارا خاطئا، فقد تم عرض الفيلم قبل العيد بأربعة أيام، ورغم من ذلك فقد حقق الفيلم مليون جنيه، إلى جانب أنه لا يضمن حركة السوق والتى فى أحيانٍ معينة لا تكون مقياسا لنجاح الفيلم، فكم من الأفلام جيدة لم يستمر عرضها فى دور العرض و«دعدوش» واحد منها على حد قوله!. >