هل كان ملحدًا؟!

سيد طنطاوي
تميل الشعوب المتدينة إلى التفتيش فى الأمور الدينية لمن تحب، انطلاقًا من أن الدين أفيون الشعوب، لذلك كان الدين مدخل خصوم الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر لإفقاده الشعبية والحب اللذين كان يتمتع بهما.
وأول من استخدم سلاح الدين لتشويه جمال عبدالناصر هما جماعة الإخوان والكاتب أنيس منصور، فأطلقا عليه شائعات أنه ملحد ويُعادى الإسلام، واتهمه أنيس منصور أنه هاجم فريضة الحج وقال عنها «كلام فارغ».
هجوم جماعة الإخوان على عبدالناصر وتكفير بعض أعضائها له، لا يخرج عن إطار المتاجرة بالدين من أجل المكاسب السياسية وهو ما تتبعه الجماعة دومًا.
«الإخوان» هاجموا «ناصر» ووصفوه بأنه عدو الإسلام لأنه كان ضدهم، وأقصاهم من المشهد، فحاولوا إظهاره بأنه عدو الدين الذى لا يريد له الخير وزرعوا هذه الفكرة فى شبابهم.
أما تشكيك أنيس منصور فى إيمان «عبدالناصر»، فكان فى إطار هجومه على «ناصر» بعد انضمامه للمعسكر الساداتى.
قال الكاتب أنيس منصور، فى كتابه «عبد الناصر المُفترى عليه والمُفترى علينا»: «أحس الذين حول عبدالناصر مرتين أنه ليس مؤمنًا، بعد الوحدة، وبعد الهزيمة، ونشرت الصحف البريطانية بعد وفاته حديثًا مع أحد مستشاريه قال فيه إن عبدالناصر لم يكن مؤمنًا، ونشرت المجلات المصرية أيضًا، ومما قاله عبدالناصر: «إن الجوعان يحلم أنه فى سوق العيش»، أى أن الإسلام وكل دين ليس إلا تحقيقًا لأحلام اليقظة عند الضعفاء والفقراء، فهو تعويض لهم عن الذى لم يجدوه فى الدنيا، فقط لا أكثر ولا أقل.. يضيف أنيس: والله على ما أقول شهيد: فقد كنا نقف فى ملابس الإحرام حول الكعبة، رئيس مجلس أمة سابق ورئيس وزراء سابق وأمير مكة ومذيع سابق، عندما تقدمنا الوزير المحافظ عضو مجلس الشورى حمدى عاشور ووضع ذراعه العارية على الكعبة يوم غسيلها، قائلا: ورب هذا البيت لقد سمعت الرئيس عبدالناصر يصف الحج بأنه كلام فارغ، وسمعت أحد مستشاريه يقول ذلك أيضًا، ثم رفض المستشار أن يكمل الطواف حول الكعبة».
ويقول «أنيس» عن هذا الموقف: «ما الذى يشعر به أى إنسان يذهب للصلاة فى مسجد عبدالناصر، وهو يعلم أن صاحب الضريح لا يؤمن لا بالمسجد ولا بالسجود ولا برب هذا البيت، ولذلك كان أولاد البلد على حق عندما يمرون بالمسجد ويقولون: إنه مسجد «سيدى المفترى». مات فى 1967 وشُيعت جنازته 1970.
السؤال.. هل يمكن أن يكون «عبدالناصر ملحدًا ..فعلا؟
الإجابة موجودة فيما فعله «عبدالناصر»، فقد أنشأ إذاعة القرآن الكريم، وكان الغرض من إنشائها محاربة الأفكار المتطرفة فى ذلك الوقت، وظهور نسخ محرفة من القرآن، كما جعل مادة التربية الدينية «إجبارية» للطلبة فى المدارس، وفى عهده تُرجم القرآن إلى جميع لغات العالم، بالإضافة إلى وضع موسوعة للفقه الإسلامى ضمت كل علوم وفقه الدين فى عشرات المجلدات وترجمت بلغات عديدة وتم توزيعها فى العالم كله، وفى عهده جُمع القرآن مسموعًا مرتلا ومجودًا فى ملايين الشرائط والأسطوانات بأصوات القراء المصريين، كما صدر قانون بتجريم القمار، وإغلاق كل نوادى الروتارى، وكذلك إلغاء تراخيص العمل الممنوحة للنسوة العاملات بالدعارة، والتى كانت مقننة فى العهد الملكى، وتم زيادة عدد المساجد فى مصر من 11 ألف مسجد قبل الثورة إلى واحد وعشرين ألف مسجد عام 1970 أى أنه فى فترة حكم 18 سنة عبدالناصر تم بناء عدد «10 آلاف مسجد» وهو ما يعادل عدد المساجد التى بنيت فى مصر منذ الفتح الإسلامى وحتى نهاية عهده، وأنشأ منظمة المؤتمر الإسلامى التى جمعت كل الشعوب الإسلامية.
فى عهد عبدالناصر، وصلت الفتاة لأول مرة إلى التعليم الدينى، حيث تم افتتاح معاهد أزهرية للفتيات، وأقيمت مسابقات عديدة فى كل المدن لتحفيظ القرآن الكريم، وطبعت ملايين النسخ من القرآن، وأهديت إلى البلاد الإسلامية وأوفدت البعثات للتعريف بالإسلام فى كل أفريقيا، كما تمت طباعة كل كتب التراث الإسلامية فى مطابع الدولة طبعات شعبية لتكون فى متناول الجميع.
أنشأ مدينة البعوث الإسلامية على مساحة ثلاثين فداناً تضم طلاباً قادمين من سبعين دولة إسلامية يتعلمون فى الأزهر بالمجان ويقيمون فيها إقامة كاملة بالمجان أيضاً، وقد زودت المدينة بكل الإمكانيات الحديثة وقفز عدد الطلاب المسلمين فى الأزهر من خارج مصر إلى عشرات الأضعاف، وأقام جامعة الأزهر التى حافظت على الأزهر القديم، كما أنشأ عبدالناصر منظمة المؤتمر الإسلامى، «عبدالناصر» المُتهم بالإلحاد، تبرع لبناء الكاتدرائية بآلاف الجنيهات وحضر حفل افتتاحها ومعه الإمبراطور هيلا سلاسى إمبراطور الحبشة «إثيوبيا»، وكان وقتها بابا الإسكندرية والكرازة المرقسية هو الأنبا كيرلس السادس، وشارك فى وضع حجر الأساس يوم 24 يوليو 1965.