الأربعاء 25 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

حكاية كتاب وثلاثية

حكاية كتاب وثلاثية
حكاية كتاب وثلاثية


إبراهيم فرغلى


تنشغل هذه الزاوية التى تستحدثها «روزاليوسف» بصوت الروائى أو المبدع نفسه. صُورة مقرّبة ولصيقة أكثر للعمل. صحيح من الهُراء أن يشرح كاتب عمله، هذا تبسيط مُخلّ. لكن الفكرة هنا تُركّز على ما يمكن تسميته بـ«كواليس الكتابة»، أحيانا هناك ما يودّ الكاتب قوله خارج عمله عن عمله. شهادة ذاتية، إنسانية أكثر، يصف فيها الكاتب رحلته الشخصية فى عمل ما، منذ كان فكرة برقت فى ذهنه وخياله وحتى مراحل البحث والكتابة إلى خروجها للنور فى كتاب. رحلة تحفظ بصمات الظرف التاريخى والاجتماعى والسياسى والإنسانى والشخصى والإبداعى الذى صدر فى أعقابه هذا العمل الأدبى.
فى السطور التالية يوضح لنا فرغلى كيف تحدى قدراته أثناء كتابته لنص أبناء الجبلاوى واعتماده على جوانب من نصوص «محفوظ» لتخرج بنية سرد أبناء الجبلاوى وكأنها جزء من نصوص محفوظ.
من أقسى التجارب التى تعرّضتُ لها أننى كنت أكتبُ على الورق وضاع المخطوط الذى كنت بدأت فيه كتابة «أبناء الجبلاوى»، تقريبا الثلث الأول من النَصّ. ضاع المخطوط، وشعرتُ بالغضب والحزن، لصعوبة استعادتى لما كتبته بالتفصيل من الذاكرة.
وبعد تفكير قرّرتُ أن أبتعد تماما عن النص، وأكتبُ نصا آخر تماما، حتى أتأكّد من مدى قدرتى على استعادة النص لاحقا. وهكذا شرعتُ فى كتابة جزء ثان من رواية «ابتسامات القديسين»، التى تتناول فكرة علاقة حب بين مسيحية ومسلم، وزواجهما، وفى الجزء الثانى «جنّية فى قارورة» قرّرتُ تناول سيرة البنت «حنين» ابنتهما حين تعود للمنصورة لتعرف ما حدث لوالديها.
كتبتُ النص فى أربعة أشهر، واستخدمتُ الكمبيوتر لأوّل مرّة فى الكتابة، تقريبا كنوع لا واعى من الدفاع عن مخطوطاتى وربما لتجنّب تجربة ضياع المخطوط كما حدث من قبل. وأعطيت النص للناشر، وبدأتُ فورا فى الكتابة الجديدة لأبناء الجبلاوى.
بدأتُ الكتابة الثانية لأبناء الجبلاوى بروح مختلفة، وبنبرة تختلف تقريبا عن نبرة أعمالى السابقة كلها. فقد تشكّلت نبرة سردية تجمع بين السخرية وقوّة السرد، وتنبنى على تعدّد أصوات الرُواة، وتبتعد تماما عن طابع الحنين والشفقة والألم الذى كان نموذجا لابتسامات القديسين وجنّية فى قارورة. وحتى عن النبرتين العاطفية (فى الجزء الفانتازي)، والمُحايدة (فى الجزء الواقعي)، لنَصّ «كهف الفراشات».
وفى أثناء الكتابة؛ شعرتُ بأننى لا أريد التقيّد بالاعتماد على الفانتازيا وقوّة الخيال فقط، بل أريد إضافة جديدة فى البناء السردى نفسه، وهكذا أضفتُ فكرة الرواية داخل الرواية، والاعتماد أيضا فى خلفية الكتابة على أن النَصّ سيكون دائريّا ولا بد أن يعود فى نهايته للبداية ولكن بشكل مفاجئ جدا للقارئ.
كتبتُ النَصّ وأنا أتحدّى قدراتي، وبالتالى كانت الألعاب التى استخدمها فى مضمون النص ومفارقاته، ثم فى ظهور شخصيات نجيب محفوظ فى النَصّ لكى تبحث عن كتب مُختلقها، جزءا أو تحديا آخر استدعى منى العودة لأغلب كتب محفوظ مرّة أخرى وإعادة قراءتها، لم أرغب فى اقتباس شيء من أعماله، فقد كانت فكرتى فقط الاعتماد على جوانب من نصوص محفوظ لتأتى فى بِنية سرد «أبناء الجبلاوى» كأنها جزءٌ منها.
ولهذا أعتقد أن نَصّ أبناء الجبلاوى بقدر ما كان نصّا مُجهدا جدا، لكنه أيضا اتّسم بالمُتعة الشديدة على مدى السنوات التى استغرقتها كتابته.
أيضا هذا النص كان يثير أسئلة كثيرة فى نفسى عن الكتابة، وإعادة تأمّل مفاهيمى لها، وأيضا فى خلق محاولات للفانتازيا ليس بالضرورة أن تكون خيالية بالمطلق، ولعل هذا ما أفادنى أيضا فى صياغة روايات للفتيان والناشئة مبنية على الخيال والفانتازيا لكنها فى الوقت نفسه لا تبتعد عن الأرض والواقع بشكل ما.
أظنّ بالتالى أن رواية أبناء الجبلاوى مَدينةٌ لتحوّل رواية «ابتسامات القديسين» إلى ثلاثيّة، فلولا ضياع مخطوط أبناء الجبلاوى الأوّل ربما ما فكّرت فى كتابة جنّية فى قارورة، والآن بسبب جنية فى قارورة واختفاء مصير وصوت الأم كرستين فى الروايتين قرّرتُ كتابة الجزء الثالث لهما وانتهيت منه أخيرا بعنوان «مفتاح الحياة» وسوف تصدر الكتب الثلاثة فى كتاب واحد باسم «ثلاثية المنصورة». 