الجمعة 19 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

«وسية» إسماعيل عبدالحافظ التى لن نراها على الشاشة

«وسية» إسماعيل عبدالحافظ التى لن نراها على الشاشة
«وسية» إسماعيل عبدالحافظ التى لن نراها على الشاشة


6 سنوات مرت على رحيل مخرج روائع التليفزيون إسماعيل عبدالحافظ، وفى يوم ذكراه الموافق 13 سبتمبر الماضى نتذكر مسلسله الشهير «الوسية»، والذى أخرجه عام 1990 عن قصة للاقتصادى خليل حسن خليل، وسيناريو وحوار ليسر السيوى، حيث يظل واحداً من أبرز الأعمال الدرامية التى استعرضت المعاناة التى عاشها المصريون قبل قيام ثورة يوليو عام 1952، حين كان يسيطر الإقطاعيون والباشاوات على كل الثروات والسلطات.
فى الحلقة الأخيرة من المسلسل كانت علامات الانفراجة بدأت تظهر على مصر وعلى «حسن» بطل المسلسل الذى قدم دوره الفنان أحمد عبدالعزيز، ذلك الشاب الذى عاش طفولته فى بؤس وجوع، وعاش صباه فى ظُلم كبير سواء حين كان يعمل فى مزرعة الخواجة أو حين كان يعمل «أومباشى» فى صفوف الجيش إبان فترة الاحتلال الإنجليزى، قبل أن يلتحق بالجامعة ويذوق نوعاً آخر من الظلم.
ورغم فشل حسن فى الحصول على وظيفة فى النيابة العامة، استطاع أن يحصل على ما هو أهم، بعثة دراسية فى إنجلترا، حصل عليها بوعدٍ من طه حسين وزير المعارف وقتها، وكانت احتفالية حصوله على البعثة فى بلدته الفقيرة نهاية سعيدة للمسلسل، ليعدنا إسماعيل عبدالحافظ فى نهاية الحلقة الأخيرة بجزءٍ ثانٍ من المسلسل يحمل اسم «الوارثون»، وهو اسم الرواية الثانية التى كتبها خليل حسن خليل صاحب السيرة الذاتية، حيث كان مسلسل «الوسية» جزءًا من سلسلة روايات من أربعة أجزاء.
لكن مرت السنوات ولم يقدم إسماعيل عبدالحافظ على إخراج الجزء الثانى، ليرحل عن عالمنا عام 2012.. لكن ما الذى كان سيعرضه لنا عبدالحافظ فى الجزء الثانى من الرواية؟
وفى هذا السياق تقول الكاتبة يسر السيوى إن كانت تنوى كتابة جزء ثانى للمسلسل يحمل اسم «الوارثون»، لكن عندما قرأت الرواية شعرت أن الجزء الثانى لن يكون بقوة وسخونة أحداث الجزء الأول، فترددت فى اتخاذ قرار الكتابة.
وتضيف إنها حوالى 3 أعوام اتصلت بزوجة الدكتور خليل صاحب الرواية، وأعربت لها عن سعادتها بتناول شخصيتها فى الجزء الثانى من المسلسل، مشيرة إلى وفاة زوجة الدكتور خليل بعد هذا الاتصال بفترة.
لكن الفنانة محسنة توفيق إحدى بطلات «الوسية» كان لها رأى آخر، حيث اعتبرت أن هناك قوى فى الدولة قررت عقب نجاح الجزء الأول عام 1990 عدم إنتاج الجزء الثاني، لأن هذه القوى «بحسب رأيها» لا تريد أن تقدم للمجتمع المصرى مواضيع حقيقية ومهمة فى حياته.
بحسب ما جاء برواية «الوارثون» فإن «الوسيّة» التى هى رمز لحال مصر فى عهد الملكية والاحتلال، خرجت من سيطرة الإقطاعيين والباشاوات إلى سيطرة الذين حكموا البلاد بعد عزل الملك وحاشيته عام 1952 لإنهاء حقبة الفساد والاحتلال الإنجليزى لمصر، وتمت الإشارة لثورة يوليو قبيل مغادرة حسن لمصر بأيام.
يصل حسن إنجلترا التى لم تستقبله.. بنفس الحماسة التى بداخله، ظلّ حسن لأيام يبحث عن غرفة يستأجرها فى منزل أى أسرة، لكنه فشل بسبب لون بشرته الأسمر، فالأُسر الإنجليزية فى مناطق الطبقة المتوسطة العليا كانت تعتبر أن الملونين أو من هم ليسوا بلون البشرة البيضاء ليس لهم الحق فى الحياة.
اكتشف حسن للمرة الأولى أن فى إنجلترا ظلماً من نوع آخر لا يختلف كثيراً عما رآه فى مصر.. لكنه سمع بنصيحة صديقه الأيرلندى الجنسية، والذى أكد له أنه لن يتمكن من الحصول على غرفة فى أحياء لندن الراقية، وعليه أن يذهب إلى شرق لندن، حيث الأحياء الفقيرة أو الأحياء التى يسكنها العُمال.
بدأ حسن حياته الجامعية فى لندن، ليبدأ فى إعداد رسالة الدكتوراة التى حدد موضوعها حول «القوى العائقة للتقدم فى مصر»، وهو الموضوع الذى لم يثر اهتمام أحد المصريين الذين يدرسون معه فى الجامعة ذاتها، والذى نصح حسن بأن يكون موضوع دراسته عن شىء آخر فى الاقتصاد، لكن حسن رفض ذلك، معتبراً أن دراسته حول أوضاع المجتمع المصرى الفقير تعتبر دوراً وطنياً لخدمة الوطن والشعب.
لكن حسن واجه مشكلة أخرى مع أستاذ إنجليزى له فى الجامعة رفض موضوع رسالة الدكتوراة، وهو رفض منطقى لأن الرسالة تدين المحتل الإنجليزى وتعتبره متهماً أساسياً فى تفشى الظلم والفساد والتخلف فى المجتمع المصرى قبل ثورة 1952.. ورغم الرفض القاطع أصر حسن على استكمال الدراسة.
فى الجزء الأول «الوسيّة» قدم لنا عبدالحافظ قصة حب حسن المُعقدة، لم يحب سوى مرة واحدة طيلة حياته فى مصر، فتاة من قريته بالشرقية لم يستطع أن يعترف لها بحبه بسبب التقاليد والظروف، فذهبت لرجل آخر تزوجها، وفى الجزء الثانى كان من الممكن أن يصنع عبدالحافظ مشاهد رومانسية دافئة بين حسن وحبيبته وزوجته لاحقاً «برندا».. التقى بتلك الفتاة الإنجليزية على محطة أوتوبيس فى أحد شوارع لندن أثناء انتظاره الأوتوبيس الذى يستقله يومياً ذاهباً إلى الجامعة، لكن هذا اليوم لم يذهب حسن إلى الجامعة، تعلقت عيناه بتلك الفتاة ذات «العود الخيرزانى» والشعر الذهبى الذى انعكس عليه سنى الشمس فزاده سناءً «كما وصف صاحب القصة».
تشجع حسن وقرر أن يتحدث إلى الفتاة بعد أن ألقت عليه بابتسامتها، وسألته عما يفعل فى لندن، وأخبرها أنه يعد دراسة لنيل الدكتوراة فى الاقتصاد السياسى ليعود إلى مصر أستاذاً فى الجامعة.
ودّع الفتاة الإنجليزية على أمل أن يجدها فى نفس المحطة اليوم التالى فى نفس الموعد، لكنه لم يجدها، انتظر طويلاً ولم تحضر، حتى فقد الأمل بعد مرور شهرين على غيابها.
لكن «برندا» لم تختف تماماً، فبعد الشهرين التقى حسن بها صدفة فى مستشفى، ثم ظهرت مرة ثانية وكان جمال عبدالناصر هو السبب فى ظهورها هذه المرة.. ففى يوم 26 يوليو من عام 1956 ذهب حسن لمنزل أحد أصدقاء الجامعة المصريين ليستمع إلى خطاب جمال عبدالناصر عبر الراديو، حيث لم يكن يمتلك راديو، وكانت فرحة عارمة عاشها حسن مع أصدقائه حين أعلن ناصر تأميم قناة السويس وإنهاء الامتياز الأجنبى، لتواجه مصر فى تلك الفترة العدوان الثلاثى رداً على قرار ناصر.
امتلأت شوارع لندن بندوات ومسيرات تندد بالعدوان على مصر، وبالطبع كان حسن مشاركاً بقوة فى هذه التحركات أثناء وجوده فى لندن، هذا طبيعياً خاصة وأن إسماعيل عبدالحافظ قدم كثيرًا من المشاهد التى أظهرت نضال وشجاعة حسن خلال الجزء الأول من المسلسل.
فى أحد الأيام يتلقى حسن مكالمة هاتفية لم يكن يتوقعها، إنها «برندا» فتاة المحطة، تدعوه للمشاركة فى لقاء تنظمه نقابة العمال فى الشركة التى تعمل بها حول أزمة قناة السويس والعدوان على مصر.
نجحت العلاقة بين برندا وحسن وانتهت بالزواج، وحصل على الدكتوراة بتفوق كبير، وعاد إلى مصر ليعيش فى وطنه ويعمل أستاذاً جامعياً كما تمنى، لكنه لم يجد الوطن كما كان يحلم به، فرغم كل ما قدمه للثورة ومصر لم يشفع له ذلك، بل تم إيداع حسن فى سجن القلعة بأمر من جمال عبدالناصر، بعد نقاش دار بينه وبين زكريا محيى الدين رئيس وزراء مصر ونائب الرئيس فى الستينيات حول الماركسية.
أخبر حسن محيى الدين أنه أعد دراسة عن منظمات الشباب والطلائع فى المجتمعات الاشتراكية، وكان حسن لا يعلم بما حدث لمنظمة الشباب مع السلطة أثناء رحلته الجامعية لمرسى مطروح، فقال له محيى الدين: إن الرئيس جمال عبدالناصر وجد تقريراً خطيراً على مكتبه يقول «إن حسن وآخرين يدرسون الماركسية فى مطروح». لكن حسن دافع عن نفسه ونفى ذلك وأشار إلى أن المحاضرات التى ألقاها كانت ترسل مسبقاً للقيادة وأن الرئيس أمر بتوزيعها.
لكن محيى الدين أصر على أن حسن درّسَ الماركسية فى محاضراته. وبعد هذا اللقاء اقتحم منزل حسن «زوار الفجر»، فتشوا منزله وقلبوا فى كتبه العربية والإنجليزية والفرنسية، شاهدت «برندا» زوجته هذا المشهد الغريب بالنسبة لها، فهى الإنجليزية القادمة من بلاد الديمقراطية والحرية.
فى هذه المشاهد كان سيذكرنا عبدالحافظ ببعض من مشاهد الجزء الأول، حين دخل حسن الزنزانة فى عهد جمال عبدالناصر، ليتذكر زنزانة الأربعينيات فى عهد الاحتلال والملك، وهى المرة التى اعتقل فيها بسبب دفاعه عن مبادئ العدل والمساواة وحق المصريين فى ثروات بلدهم وفى الحرية والتحرر من الاستعمار وظلم الأرستقراطيين والباشاوات، الفرق بين زنزانة الأربعينيات وزنزانة الستينيات، أنه قديماً رأى داخلها شباب المثقفين والطلاب الجامعات، أما الآن فهو مسجون مع أنواع مختلفة من الأناس، فالقهر ساوى وأصاب الجميع هذه المرة، حسبما جاء فى رواية «الوارثون».