الثلاثاء 10 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

سينما الجن موضة قديمة

سينما الجن موضة قديمة
سينما الجن موضة قديمة


فى رمضان الماضى فرضت ظاهرة الجن والعفاريت فى عدة أعمال مثل «كفر دلهاب» و«عفاريت عدلى علام».. الخطير أن هذه الظاهرة انتقلت من شاشة السينما إلى الشاشة الصغيرة، ويبدو أن نجاح أفلام قديمة مثل «الإنس والجن» أو حتى حديثة مثل «الفيل الأزرق» حمس المنتجين للاستفادة من هذا الإقبال السينمائى لنقله إلى شاشة التليفزيون والكسب من ورائه.
ويبدو أن خوف الناس من أزماتهم الحياتية غير كاف لهم، فهم يرغبون فى المزيد من «الرعب» ورغم أن الجمهور حائر بين الخوف من المستقبل وبين مطحنة الأزمة الاقتصادية، فهو يرى أن الرعب، بمثابة ممر الهروب بعيدا عن الواقع الأليم، وهو ما استلزم منا رصده وتحليله.



أسهل طريقة لمواجهة أى أزمة أو مشكلة يعجز الإنسان عن حلها هى إرجاعها لأفعال تفوق قدرات البشر.. لأفعال الجن والشياطين أو العفاريت والأرواح. فمثلا إذا حدثت أى مشكلة يجد المصرى نفسه غير قادر على تفسير أسبابها فإنه يعيدها فورا لواحد من الأسباب التالية: محسود، منظور، معموله عمل، ملبوس، ممسوس، راكبه عفريت أو واقع فى حبه واحدة من بنات الجان.


الأفلام المصرية تمتلئ بالدجالين والخرافات.. من الصعب والنادر أن تجد فيلما تدور أحداثه فى الأرياف أو فى الأحياء الشعبية دون ظهور الشيخ الفلانى أو الشيخة العلانية القادرين على عمل وفك السحر.. كما لو كان وجودهم جزءا من الديكور أو استكمالا للأجواء الفلكلورية.. ويكون دائما اللجوء إليهم نوعا من البحث عن حل لأزمة الفيلم.. فى مقابل هؤلاء يكون اللجوء لرجال الدين الحقيقيين حتى تنزاح الغمة، وهو ما يلفت الأنظار للاعتقاد بأن الشيخين - الدجال والتقى - وجهان لعملة واحدة، ويجب أن ينتهى الفيلم دائما بالاعتراف بأن الشيخ الحقيقى هو الذى يتقى الله ويقرأ القرآن وليس من يرتكب أفعال السحر والشعوذة..والعلم هنا يقف على الجانب، خجولا، مترددا ومتوجسا من الاقتراب مما يحدث. فالناس ترفضه وتستنكره وتعتبره كفرا وإلحادا.
بدأ ظهور فكرة السحر والعفاريت فى السينما منذ الأربعينيات والخمسينيات.. الحضور السحرى هنا كان هدفه رغبة صناع السينما فى إدخال عناصر فنية جديدة ومبتكرة، استخدام الخداع أو اللعب على نوعية سينمائيا جديدا وظهر ذلك فى أفلام مثل «خاتم سليمان»، «الفانوس السحري»، «طاقية الإخفاء»، «عودة طاقية الإخفاء»، «سر طاقية الأخفاء»، «عفريتة هانم»، «عفريت سمارة»، و«عفريتة اسماعيل يس» وغيرها ويلاحظ أن معظمها كان كوميديا.. والموعظة الحسنة التى يريد صناع هذه الأفلام توصيلها هى أنه «لا عفريت إلا بنى آدم» أو «أرضى بالنصيب المقسوم لك»، فالهدف من السحر كان دائما جمع المال، وعندما تسمو الأهداف تكون الرغبة عامة وليست شخصية وهى التخلص من الأشرار.. وهناك أفلام أخرى كان الهدف منها إظهار زيف القائمين بأعمال السحر ووصف الدجالين بالنصابين مثل «أم رتيبة» أو «المبروك»، وذلك بالرغم من استرسال دراما الفيلم طوال الوقت فى تجسيد قدرات هؤلاء المشعوذين.. من ناحية أخرى تأتى دراما الجن والشياطين، فالشيطان ينزل الأرض فى صورة إنسان ليغوى ويحول الشخص من مؤمن إلى كافر ومن طيب إلى شرير، لكن الإنسان الطيب بالفطرة يغلب ويتغلب على الشيطان فى النهاية ويحدث ذلك مثلا فى أفلام : «سفير جهنم» و«موعد مع إبليس».
الأمر اختلف إلى حد ما فى الأفلام التى قدمت فى الخمسينيات والستينيات، بعض الأفلام تناولت فكرة الخرافة والجهل بشكل أعمق وكان لها التأثير الأقوى لتعد من أهم الأفلام فى تاريخ السينما.. المعالجة الدرامية هى الأهم فى هذه الأفلام، ويتجسد ذلك فى فيلم «قنديل أم هاشم» إخراج «كمال عطية» عام 1968، فالأمر هنا أصبح أكثر جدية وجرس الإنذار ارتفع صوته.. الجهل المتفشى فى الأحياء الشعبية والأرياف أصبح يهدد التقدم والارتقاء بالمجتمع.. المتعلمون زادت صدمتهم بعد العودة من البعثات العلمية لأحيائهم الفقيرة بأن ما تعلموه ربما يضيع هباء بسبب تعسف المجتمع معهم ومع علومهم.. الجهل ينتصر عليهم ولا يمكنهم الفرار من هذا المأزق إلا بعمل توازن وتواءمات بين العلم والمعتقدات الموروثة.. هذا الإرث الثقيل من المعتقدات التى ترسخ للخرافة والجهل لم ينهزم أو يتراجع، كل ما فى الأمر أنه أصبح يسير بجوار العلم بعد أن كان يتقدم عليه.
أما فى فترة السبعينيات والأهم فى الثمانينيات، فبالرغم من دخول عدد من المخرجين المثقفين الرافضين لفكرة الخرافة والطامحين فى محو الجهل الذى يسيطر على المجتمع المصري، فأن معظم أفلامهم حاولت التغلب على الجهل ولكن ليس بالعلم بل بتلاوة القرآن الكريم.. تعددت القصص وتنوع المضمون واختلف الأسلوب ولكن دائما النهاية واحدة.. الأرواح الشريرة من جن وشياطين وعفاريت وسحر أسود يختفى وينحل ويحترق بآيات الله الأمثلة كثرت واعتبر البعض أن هذه الأفلام اعتنت بتوجيه رسائل مشفرة واستخدمت فيها الأرواح الشريرة للرمز لبعض الشخصيات المسئولة وكان النموذج الأكبر على ذلك فيلم «أنياب» للمخرج «محمد شبل» والذى تناول المعالجة الوحيدة عن مصاصى الدماء فى السينما المصرية.. مصاصو الدماء هنا كانوا رمزا لشخصيات سياسية متهمة بمص دماء الشعب، وفى أفلام أخرى نجد حالة من التوجه الدينى للتغلب على الشياطين المتمثل فى فيلم «الرقص مع الشيطان» إخراج «علاء محجوب» على أنه العالم الذى تلقى علمه فى الخارج وعاد لبلده ملحدا، محاولا اختراع شيء يسافر عبر الزمن، وهو ما اعتبرته قصة الفيلم كفرا!! وجاء العقاب بالحالة الجنونية التى وصل إليها بطل الفيلم، وفى «الأنس والجن» إخراج «محمد راضي» تتعرض البطلة المتعلمة الحاصلة على الدكتوراه من الخارج هى الأخرى لاصطدام بجن واقع فى غرامها، الغريب أن كل أحداث الفيلم كانت تؤكد أنه جن بالفعل وليست لعبة وقعت البطلة ضحيتها، البطلة المتعلمة تنساق وراء جميع الخرافات التى تصل بها إلى زار يذبح فيه ديك.. الابتعاد عن القاهرة ومحاولة التقرب من الأماكن التى يعلو فيها شأن الدجل والشعوذة مثل الأرياف وقرى الصعيد يظهر فى فيلمى «للحب قصة أخيرة» إخراج «رأفت الميهي» و«الطوق والأسورة» إخراج «خيرى بشارة»، فى الأول تنهار المرأة المثقفة وتقرر أن تخلص البلدة من الخرافات بهدم أحد الأضرحة أما الثانى فبالرغم من تبرير قدرة المرأة على الإنجاب إذا ذهبت إلى أحد المعابد بأن الذى يخصبها رجل عادي، إلا أنه لا يبرر موقف الطاحونة التى لا تعمل إلا إذا دارت على دماء أحد الأطفال. الطاحونة لا تدور بالفعل إلا بعد وقوع جريمة قتل بها!!.
أما فكرة النصب عند الدجالين فقد ظهرت فى عدة أفلام يمارس فيها الأبطال طقوسا تبين أنهم يمتلكون قدراتهم على الاتصال الروحى وتسخير الجن والعفاريت مثل «الأونطجية»، «دقة زار»، «البيضة والحجر»، «عتبة الستات» و«الغرقانة».
السينما التى ظهرت فى الألفية الثالثة قدمت الخرافات الموروثة فى عدة حالات منها الكوميدى كما فى فيلمى «جاءنا البيان التالي» و«يا أنا يا خالتي»، أيضا فى السينما الرومانسية فحتى يقع البطل فى حب البطلة تلجأ للسحر ويحدث ذلك فى فيلم «حبيبى نائما» وفيلم «سحر العيون» الذى يقوم فيه الدجال بخلق الظروف المناسبة حتى تحدث قصتا حب، وعندما يكتشف البطل يقوم بتوبيخ البطلتين للجوئهما للسحر قائلا: «لو كان ينفع كنا عملنا عمل لإسرائيل وخرجناها من فلسطين».
أما الأفلام الدرامية والتى حملت توقيع مخرجين كبار، فكانت تنتصر دائما للخرافة ربما فى نوع من التجديد والتأكيد على وجود الجن والعفاريت وظهر ذلك فى فيلمين من إخراج «خالد يوسف» هما «ويجا» التى يتم فيه استحضار روح تخبر الأصدقاء - أبطال الفيلم - عن ما سوف يحدث لهم وهو ما يتحقق بالفعل، أما الفيلم الثانى فيتجدد فيه ظهور الشيطان وهو فيلم «الريس عمر حرب» والذى يقوم فيه «خالد صالح» بأداء دور صاحب نادى للعب القمار ولكنه يمتلك قدرات أبعد ما تكون عن البشر ولا تليق إلا بالشياطين، أيضا ينتصر فيلم «الفيل الأزرق» إخراج «مروان حامد»  للقدرات الخرافية وقوة الجن على العلم وتفوق السحر ولعناته على الطب النفسي.
السينما انساقت دائما وراء الخرافات ولم تتمكن حتى الآن من محاربتها بالشكل المطلوب، مثلها مثل المجتمع الذى لم يتغلب عليها هو الآخر. 