أزمة«أموال النبى» فى كتب السيرة: هل كان «الرسول» فقيرا.. فعلا؟!

أسامة ابراهيم
أراد رواة الأحاديث النبوية إظهار النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، فى صورة الرسول الفقير المعدم الذى لا يجد قوت يومه ولا مؤونة بيته، لدرجة أنه قبيل وفاته رهن درعه عند أحد اليهود.
لكن عند البحث فى سيرة ومسيرة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)، نكتشف من أول وهلة خطأ ما يشيعه أئمة المساجد، من أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان فقيرا يتسول طعامه من الصحابة فى مكة والمدينة على السواء.
ومن هذه النقطة، نطالع ما يقوله الأستاذ الدكتور محمد أبو زيد الفقى عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر- فرع كفر الشيخ - من إعادة قراءة وكتابة السيرة النبوية من ناحية الإمكانات المادية، وهذه السيرة - حسب د. الفقي- تنقسم لعدة نقاط.
الأولى، بعد مولد النبى بوقت قصير جاءت المرضعات من البادية لأخذ الأطفال وإرضاعهم مقابل نصيب من المال، ويقول التاريخ الذى دُسَّ على مصادرنا إن كل المرضعات رفضن أخذ النبى محمد بن عبد الله بسبب فقره، وأن السيدة حليمة السعدية أخذته فى نهاية اليوم، من باب شيء أفضل من لا شيء، وهذا سفه وإجرام وتحبيب للفقر من البداية، لأن النبى (صلى الله عليه وسلم)، كان ابن ابن سيد قريش، وحاكمها (عبدالمطلب)؛ فكيف لهذا الرجل القائد الحاكم الغنى أن تهرب المرضعات من حفيده؟ إنه سخف عقلى وتهريج تاريخى، وتدبير خبيث خفى من أعداء الإسلام.
عادت حليمة بحفيد أغنى وأقوى رجل فى مكة، وبدأت بإرضاعه عامين، وفى نهاية هذين العامين، بدأ النبى يذهب للعب، مع إخوانه من الرضاعة وهم يرعون الغنم، ومع الوقت وهو فى الثالثة من عمره بدأ رعاية الغنم وإخوته- من الرضاعة- يلعبون، واشتهر فى ديار بنى النجار بالراعى الصغير القدير، وعندما عاد إلى مكة لم تمض شهور حتى ماتت أمه، وطلب منه جده أن يجلس بجواره لحكم مكة، ولكنه قال له: يا جدى، إننى تعلمت رعى الغنم فى بادية بنى سعد، وأحب أن أرعاها فى مكة.
ونام التاريخ من سنة 6 إلى 17 من حياة النبى وهذه الفترة لم يتحدث عنها أحد، مع أنها كانت فترة كفاح وعرق وتكوين ثروة معقولة من رعى الغنم، وكان أهل مكة يعتبرونه أفضل راعٍ للغنم، لأنه كان لا يكسل ولا يفتر ولا يغفل فى رعيه للغنم.
وهو القائل: «ما لهوت فى حياتى إلا مرة نازعتنى نفسى للهو، وكنت أرعى الغنم مع زميل لى على سطح جبل من جبال مكة، فقلت له أريد أن أذهب لمشاهدة حفل عرس - كان الزميل ينزل كل ليلة - فقال لى: ابق هنا يا محمد حتى أذهب وأعود إليك، فانتظرته حتى عاد متأخرا، وقال لى: انزل فما زال الفرح مستمرا، فنزلت وفى الطريق خارت قواى وجلست ونمت، حتى استيقظت على وهج الشمس فعدت إلى غنمى ولم أفكر فى اللهو أبدا».
ويسرد الدكتور محمد الفقى العديد من الأدلة على ذلك، ومنها قول النبى (صلى الله عليه وسلم): «ما من نبى إلا وقد رعى الغنم. قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: رعيتها على قراريط لأهل مكة»، وكلمة لأهل مكة تستغرق الجميع، أى أنه رعى الغنم لكل الأغنياء فى مكة، ويُلَاحظ أيضا أنه لم يعمل أجيرًا عند أحد، بل كان يأخذ نسبة من الربح، ومن هنا كون ثروة لا بأس بها، ولم يعتمد على غنى جده الذى مات بعد فترة قصيرة من موت والدته السيدة آمنة بنت وهب.
الثانية: استيقظ التاريخ النائم دائما مثل أصحابه، عند سنة 17 من ميلاد النبى، حيث ذهب إلى عمه وطلب منه السفر معه إلى الشام، فقال: يا ابن أخى إنك صغير على التجارة، وهى تحتاج إلى مال كثير، فقال له من ناحية المال فلا تقلق، فأنا كونت من رعى الغنم مالا لا بأس به، وسافر إلى الشام، ونزل مع القافلة إلى السوق، واستراحوا.
وفى الغد فتح كل صاحب تجارة بعض صناديقه، وتم البيع والشراء، وعندما جاءت الساعة الخامسة، أغلق كل التجار خيامهم على بضاعتهم، وتركوا العبيد يحرسونها، وطلب أبو طالب من ابن أخيه محمد أن ينزل معهم للترفيه فى ملاهى الشام، حيث الغناء والطرب، وما يصحب ذلك من أمور، فقال:
يا عم أنا لم أله فى حياتى ولا أحب اللهو، فانزل مع الناس، وسأبقى على فراشى حتى الصباح، وفى الليل مرت قوافل من على طريق التجارة القديم - طريق الحرير - ونزلت إلى السوق لشراء ما يلزمهم من أقمشة وسلاح وطعام، ولم يستطع أن يبيع لهم أحد من العبيد، ودلوهم على الحُر الوحيد «محمد بن عبد الله» فباع واشترى وكسب ليلا، وفى اليوم التالى طلب من تجار الشام أن يتركوا له الطعام والحلوى بسعر التكلفة، لأن الناس تحتاجها ليلا، فتركوا له ما أراد، وظل يبيع ويشترى فى الليلة الواحدة.
وقد علق على ذلك الكاتب «آدم الثمثل» فى كتابه «رأس المال» وقال: إن أكثر الكسب سرعة هو سرعة دوران رأس المال، وهذا ما فعله محمد فى سوق دمشق، ولم يرصد أحد من تجار قريش ما فعله محمد؛ لأنهم كانوا يعودون للسوق سكرى وهلكى مما شاهدوه.
ولكن غلام السيدة خديجة، وكان يُدْعَى ميسرة، كان جالسا فى مقابل فرش النبي؛ فلما عاد إلى مكة، قالت له السيدة خديجة: ماذا حدث فى سوق الشام هذا العام يا ميسرة؟ قال: يا سيدتي؛ رأيت العجب العجاب، أنت تعلمين أن الناس يبيعون ويشترون فى العام مرتين - رحلة الصيف ورحلة الشتاء - ولكنى رأيت فتى من قريش اسمه محمد بن عبد الله يبيع ويشترى فى الليلة الواحدة.
الثالثة: ذهب النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى السيدة خديجة بناء على دعوة منها نقلها إليه ميسرة، وجلس مع السيدة خديجة وعرضت عليه أن يخرج على تجارتها بأى مبلغ يكون كراتب أو مكافأة، فاعتذر لها بلطف، وقال: يا سيدتى إنى لا أعمل أجيرا، ولكنى أخرج على التجارة بنصيب من الربح، لأنى أعمل بإخلاص، وأجهد نفسى، وقد عاين ذلك غلامك ميسرة.
وفى نهاية اللقاء اتفقا أن يحصل النبى على نصف الربح بعد المصاريف والتكاليف، وظل النبى يعمل سبع سنوات كأكثر التجار خبرة فى مال أغنى نساء العرب وكون ثروة لا بأس بها، ولكن التاريخ كان نائما فى هذه الفترة، ولم يصح من النوم إلا بعد أن طلبت السيدة خديجة من إحدى صديقاتها اختبار رغبة محمد فى الزواج، لأنها تريد الاقتران به لرجولته وأمانته، وبراعته فى التجارة، ورحب النبى بهذا العرض، ودعا أعمامه للذهاب معه.
وتمت خطبة النكاح من الطرفين عن الكفاءة فى المال والنسب إلا أن هذه الخطبة زُوِّرت بعد ذلك، وظهرت كأن فقيرا يريد أن يتزوج غنية، لمجرد أن نسبه من قريش- إمعانا فى تقرير الفقر- لأن الخطة الخبيثة هى تقرير الفقر للنبى حتى تحبه الأمة - أى الفقر- وهذا من أهم عوامل السقوط.
الرابعة: تزوج النبى (صلى الله عليه وسلم) من السيدة خديجة وظل يعمل فى مالها وماله حتى أصبحا من أغنى الناس فى جزيرة العرب، والتاريخ نائم كالعادة، وقد يسأل سائل عن الدليل: بعد البعثة الشريفة وتعليم جبريل عليه السلام القرآن للنبى بعدها بفترة انقطع الوحى مدة، حتى عاير أحد المشركين النبى، وقال له: ما أظن إلا أن ربك قد قلاك؛ أى نسيك.
بعدها عاد النبى (صلى الله عليه وسلم) إلى السيدة خديجة محزونا مهموما ولما سألته عن سبب حزنه أخبرها بقول هذا المشرك، وأخبرها أيضا بخوفه من انقطاع الوحى فقالت: السيدة العظيمة: اعلم يا ابن العم أن الله لن يخزيك أبدا. إنك لتصل الرحم وتقرى الضيف، وتعين الكل، وتساعد على نوائب الدهر.
هذه الأمور التى ذكرتها السيدة خديجة، لا يمكن أن يقوم بها فقير أبدا. لأن صلة الرحم الحقيقية - بعيدا عن النفاق - لا بد أن تكون مادية، مال، هدايا، ولو كان شيئا من الفاكهة، أما صلة الرحم عن طريق السلام، وكيف الحال؟ فهى غير معروفة فى اللغة والدين الإسلامى.
أما إقراء الضيف: فقد سجل التاريخ أن كل الغرباء الذين يصلون مكة وينقطع بهم السبيل قد كان طعامهم وشرابهم فى بيت محمد وخديجة، وكانت الركبان تتحدث عن هذا الكرم.
وإعانة الكل: كان الرجل يقابل النبى ويقول: يا محمد كنت أقطع الحطب وأحمله على كتفى، ولكن كبرت سنى ولا أستطيع فعل ذلك، وأحتاج إلى ما أحمل عليه، فكان النبى يشترى له جملا، أو بغلا، أو فرسا، أو حمارا، ليحمل عليه ما يعجز عن حمله.
والمساعدة على نوائب الدهر: هذه أكبر باب يُصْرَف فيه المال، وقد حدث التاريخ الصحيح أن سيلا نزل فى مكة فأزاح أمامه (24) أربعة وعشرين بيتا لأناس فقراء، ولما علم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذهب إليهم وواساهم، ولكنه أدرك أن حزنهم ليس على ما حدث فقط، بل على ما سيحدث لهم بعد فقدان بيوتهم، فقال لهم لا تخافوا ولا تحزنوا، ولسوف أقوم ببناء البيوت لكم على نفقتى الخاصة.
هذه الأفعال كانت كلها قبل نزول الوحى، وهى لا تصدر إلا عن غنى يفعل ما يقول. فغنى الرسول فى الطفولة والشباب والكهولة أمر مُقَرر لا يغفله إلا جاهل، أو غافل، أو محب للفقر، أو عميل يريد أن ينشر الفقر فى ربوع العالم الإسلامى.
الخامسة: بعد نزول القرآن أصبحنا نعرف أن للرسول (صلى الله عليه وسلم) مقررات مالية أحصيناها فى عام، فكانت أربعة مليارات دينار؛ كان يصرفها كلها على تجهيز الجيوش، وتنمية الدولة الإسلامية التى أقامها فى 10 سنوات، ولكن هناك بعض الآيات فى القرآن تبين أنه كان يملك المال مثل: قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا) (الأحزاب: 28).
من يحاول فهم هذه الآية يجد أنه يعرض عليهن الحياة الدنيا وزينتها، أى أنه سيعطيهن مالا كثيرا للغاية لكى يتملكن به الدنيا، ويعشن على مستوى الزينة، وهذا العرض لا يقدمه رجل فقير، أو حتى متوسط الغنى، ولا أعرف لماذا لم ينتبه لذلك علماء الفقر والإفقار فى أمتنا ولماذا يأتون بأحاديث تعارض القرآن معارضة صريحة من أجل إفقار الأمة.
قوله تعالى: (فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا) (النساء: 84). فالقتال لا يتم بإلقاء الطوب على العدو، ولكنه يحتاج إلى مال كثير ومعدات وخيل وجمال وبغال، وعبيد يحرسون المقاتلين، وقد أمر النبى أن يكون كل ذلك على حسابه الخاص، ولا يطلب من أحد شيئا، ولكنه كان حين ينفق كل ما معه، كان الصحابة العظام يأتون بأموالهم من غير طلب.
المهم أنه كان أول من ينفق وأول من يدفع، والآية واضحة فى ملكية الرسول للمال من مقررات القرآن، ولهذا أبواب فى كتب الفقه أرجو مراجعتها، مع العلم أن تجارة محمد وخديجة بقيت كما هى، ولكن خرج عليها أناس أكفاء اختارهم الحبيب المصطفى، فكان المال يأتى قوله تعالى: (وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى) (الضحى: 8).
ومعنى الآية أن الله تعالى وجد النبى (صلى الله عليه وسلم) عائلا؛ أى يحب الناس، ويتحمل نفقات الكثيرين ويحزن لفقرهم - قبل الإسلام، وبعده - فأعانه لكى يستطيع القيام بهذا الواجب وفتح له أبواب الرزق، والغريب فى هذا الأمر أن المفسرين القدامى، رغم التزامهم بقاعدة عدم صرف اللفظ عن ظاهره، إلا أنهم بذلوا مجهودات كبيرة - لن يؤجروا عليها وربما أخذتهم إلى واد سحيق - بذلوا هذه المجهودات لإلصاق الفقر بالنبى، والتدخل فى كلام الله تعالى على غير أدب أو خشية وجعلوا العائل مُعالا، أى متسولا، لا سامحهم الله فى ذلك.
ولقد ضاعت الأمة بسبب حب الفقر لأنهم قالوا للهجان: الرسول كان فقيرا، والناس يحبون الرسول أكثر من قلوبهم، وعيونهم، فأحبوا الفقر من أجله. وأقول: إن من يقول أن رسول الله كان فقيرا فهو فاسق، وإن اعتقد ذلك وأشاعه فهو من أعداء هذه الأمة، وربما جره ذلك إلى الكفر والعياذ بالله.
ويستطرد الأستاذ الدكتور محمد أبوزيد الفقى قائلا: بعض الأحاديث تتحدث عن صيام رسول الله بسبب عدم وجود الطعام، وعن ربط الحزام والحجارة على بطنه من الجوع وهى أحاديث بعضها صحيح، وبعضها دُسَّ على الصحيح، وفى كل الحالات تُفْهَم هذه الأحاديث على زهد النبى وحبه للمسلمين وأنه كان لا يذبح شاة مع أنه يملك، ولكنه كان يعطيها لرجل من المسلمين، تلد له شاة، أو خروفا، ويأخذ منها لبنا وصوفا، وبعد خمس سنوات ربما أصبحت مائة لأن الشاة تلد فى العام مرتين.
وهذه هى التنمية الحقيقية للمجتمع، وضرب بذلك مثلا أن الحاكم يجب أن يكون زاهدا، لأنه يملك القرار، ولو عشق الدنيا وزينتها، لتحولت كل الأموال إلى قصره وضاعت الشعوب، وفى دول الخليج فى هذه الأيام نصيب الحاكم وأسرته يُقَدر بتسعين بالمائة من الدخل القومى العام، يحتفظون بمعظمه عند أمريكا والناتو؛ لكى يخربوا به بيوت العرب والمسلمين، ومع ذلك يدعون الإيمان والحرص على الإسلام.
دس الروايات فى كتب التفسير والحديث
ويتساءل الدكتور الفقى: لا أدرى كيف صدقت الأمة، أو معظمها أن النبى (صلى الله عليه وسلم) مات ودرعه مرهونة عند يهودي! وأنا أعرف أن اليهود لهم يد فى دس روايات فى التفسير والحديث، والسيرة، وأبرز هذه الروايات أن يكون أحدهم قد أخذ درع النبى (صلى الله عليه وسلم) رهنا، وعلى المنابر انساحت هذه الرواية الباطلة فى العالم الإسلامى كله، وكان العلماء - الجهلاء - يفخرون بهذه الواقعة المكذوبة التى تثبت فقر النبى (صلى الله عليه وسلم)، وهى حادثة دُسَّت فيما بعد القرون الأولى وهى مكذوبة للأسباب التالية:
أ- إن القرآن الكريم كان قد تحدث قبل موت النبى (صلى الله عليه وسلم) 60 ستين عاما حين بدأ يرعى الغنم فى بنى سعد - بطن من بطون بنى النجار - وقد تحدثنا كثيرا فى المقال السابق «النبى الفقير» ولا داعى للإعادة.
ب- تُوُفِّى النبى (صلى الله عليه وسلم) ومعظم اليهود قد أُجْلُوا أو رحلوا عن المدينة.
ج- كان من أصحاب النبى (صلى الله عليه وسلم) أغنياء قبل الإسلام وبعده، منهم: أبو بكر رضى الله عنه، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وكثير من الصحابة رضوان الله عليهم، وقد قُدِّرت ثروة طلحة بن عبيد الله قبيل موت الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بألف ألف دينار - أى مليون دينار - والدينار عشرة دراهم، وكانت الدرع مرهونة على سبعة دراهم! تصور؟!
وأيضا يُضَاف إلى ثروة طلحة (5000) خمسة آلاف ناقة، و(50000) خمسون ألف شاة، و(20000) عشرون ألف بقرة، و(70000) سبعون ألف عنزة، و(10000) عشرة آلاف ذنم من أجود أرض العراق، أكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يرهن درعه عند يهودى وأحد أصحابه يملك هذه الثروة؟! سبحانك هذا بهتان عظيم وغباء أليم، وقول زنيم، وإعداد مجرمين، وتصديق سفهاء مغيبين.
د- لماذا الدرع بالذات وهى من أدوات الحرب، ولا يمكن رهنها أو حتى الغفلة عنه: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) (النساء: 102)، فكيف يرهن من نزلت عليه هذه الآية ليبلغها للناس سلاحه، عند يهودى، والله تعالى يقول: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (المائدة: 82).
هـ- مات النبى (صلى الله عليه وسلم)، وترك مالا كثيرا وأرضا فى الشام والعراق والمدينة، وقصة خلاف السيدة فاطمة مع سيدنا أبى بكر معروفة، طالبت بارئها فقال لها: (لقد سمعت رسول الله يقول: «نحن الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة») - الحديث -فكيف يرهن درعه عند اليهودى حتى الموت، ولماذا يترك عليه دين ليهودى، وهو الذى كان يبرى ذمته من كل دين مادى أو معنوى قبل أن يموت، ولقد صعد المنبر يوما، وقال: «أى إنسان ظلمته فليطلب مظلمته، وأى إنسان ضربته أو عذرته بطريق الخطأ فليقتص منى الآن».
وقصة الصحابى عكاشة معروفة وتلوكها الألسن الآن، ويرد الدكتور الفقى ويستنكر بكل شدة أن تكون درع قائد الأمة مرهونة، الغنى قبل الرسالة فى التاريخ وبعدها فى القرآن الكريم، وأرى أن عقول المسلمين فى زماننا هذا هى المرهونة بالفعل عند اليهود، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأبرى ساحة علماء الحديث الأوائل من هذه الأقوال الشنيعة، فهم أعلى منزلة وأرفع مقاما من قول مثل هذا الكلام الذى يكذب القرآن والمنطق والعقل والتاريخ.