حزب النور.. عين على تيران وصنافير وعين على رضا السعودية
محمد تمساح و سيد طنطاوي
حزب النور ربما أصبح فاعلاً فى الحياة السياسية بأكثر مما كان عليه الحزب الوطنى.. «النور» لا يخفى مرجعيته السلفية الوهابية، بل يتفاخر بها ويعلنها صراحة، رغم المخالفة القانونية فى كونه حزبًا على أساس دينى.
يمثل ذلك الحزب الدينى 11 نائبًا فى البرلمان، يسنون القوانين ويشرعون، وفق توجهاتهم.
لا ينكر نواب النور أو أى عضو فى الحزب المرجعية الوهابية التى يتبعون فيها المملكة العربية السعودية، والحديث يطول عن دعم نظام آل سعود لكل أصحاب السياسات الوهابية فى المنطقة ومن بينها حزب النور الذى يدين كل شيوخه ومرجعياته بالولاء لابن عثيمين وابن باز وغيرهما من علماء المملكة.
مؤخرًا أحالت الحكومة برئاسة المهندس شريف إسماعيل اتفاقية تعيين الحدود البحرية، للبرلمان لمناقشتها، وهى الاتفاقية التى تقضى بأن تتبع كل من جزيرتى تيران وصنافير السعودية. إحالة الحكومة، الاتفاقية للبرلمان جاءت فى الوقت الذى ينظر فيه القضاء الاتفاقية لتضع الحكومة السلطتين التشريعية والقضائية فى مأزق التصادم، وربما يكون البرلمان أكثر حنكة فى أن يُؤجل مناقشتها لتفادى الصدام.
نواب حزب النور لديهم إشكالية الآن فهم يناقشون مصير جزيرتين استراتيجيتين، ويدينون فكريًا هم ومشايخهم للسعودية ويمثلون قطاعا عريضا من الشعب بــ 11 نائبًا، وهنا ربما تكون شهادتهم مجروحة أو تمثل ضيقًا لهم فقد تكون قلوبهم مع المملكة وسيوفهم على الجزر، أو ربما يطبقون قاعدة يرونها شرعية بأنه لا حدود بين بلاد المسلمين أو قد يكون الوطن عندهم حفنة من ترابٍ عفن كغيرهم بوصفهم من التيارات الدينية أيضًا، وهنا قد يتساوى عندهم الأمرين سواء أتكون الجزر مصرية أم سعودية.
نواب النور لا أحد يشكك فى نزاهتهم، لكن أيضًا هم ليسوا فى موضع القضاة ليستشعروا الحرج ويتنحوا عن مناظرة البرلمان لأمر الجزيرتين، بل هم ممثلون لقطاع من الشعب، وكل ما نخافه أن يبدوا غير ما فى قرارة نفوسهم، أو غير ما اطمأنوا إليه، إرضاءً للمملكة أو حرصًا على استمرار رضا النظام فى مصر.
حزب النور سبق أن سقط فى كثير من الإشكاليات من قبل وخاف مشايخه أن يُكذبوا أعضاء الحزب فتحملوا أشياءً تم إخفاؤها عن الرأى العام، ويعانى أعضاؤه ومرجعياته من صراع بين طموح الشباب وما يؤمن به الكبار وكانت أولى الإشكاليات ما قاله على الهواء صاحب التأثير القوى فى الحزب نادر بكار أن الشيخ محمد إسماعيل المقدم يؤيد بيان 3 يوليو، ورفض «المقدم» ما قاله «بكار» علمًا بأن المقدم لا يُفضل الظهور على الفضائيات وهو ما استغله بكار بالفعل، فاتصل المقدم بياسر برهامى راعى بكار ومتبنيه لينفى الحديث مهددًا بأنه يمكنه أن يُكذب بكار على الهواء، لكن كلهم كانوا على ثقة بأن شيخهم لن يظهر إعلاميًا، لكن ظل كلام بكار رائجًا خاصة أن دائمًا مقاليد حكم الإعلام فى الحزب فى يده.
من الإشكاليات أيضًا للحزب أنه دائمًا يرفض أى تطبيع مع إسرائيل ويهاجم المطبعين، لكنه خر ساجدًا حينما فرض بكار نفسه على الحزب بسياسة التطبيع حينما التقى وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبى ليفنى فى جامعة هارفارد، فى ذلك الوقت رفض برهامى التعليق على لقاء بكار وليفنى وقال «اسألوه» والموقف الرسمى للحزب لم يختلف عن موقف برهامى.
إذا كان صوت بكار يعلو على صوت المرجعيتين السلفيتين برهامى والمقدم فمن حقنا أن نخاف أن يعلو صوته على صوت 11 نائبًا فقد يأتمرون بأمره باعتباره رأيًا فرديًا سيلزم به الجميع وهو فرد قد يخطئ وقد يصيب، إذن فالأمر معلق باحتمالية خطأ قد تضيع مصير الجزيرتين.
ما قدمناه ليس تجنيًا على حزب النور، فظننا بأعضائه خيرًا - وليس كل الظن إثم-، لكن الشواهد تقول أنه ستكون هناك إشكالية فيما سيذهب له حزب النور، وهو ما لا نريده.
النائب أحمد الشريف عضو البرلمان عن حزب النور وعضو لجنة الشئون العربية بمجلس النواب قال لـــ«روز اليوسف» إنه حتى الآن لم يحدد موقفا يمكن أن يخرج به للناس ليقول رأيه لهم، لكنه سيدرس الأمر دراسة متأنية وبعدها يتخذ القرار، مضيفًا: «كنت فى السعودية وأحضرت خرائط من هناك لنفسى لدراستها وبدأنا نجمع تاريخ الجزر المتاح فى مصر، بالإضافة إلى الخرائط أيضًا ومن هذا لا يمكن أن نتخذ قرارًا نهائيًا، خاصة أن هناك خرائط متغيرة فخرائط الحرب العالمية مختلفة عن الخرائط التى جاءت فى الفترات اللاحقة لها».
ورفض الشريف القطع بأن الجزر مصرية أو سعودية، مبررًا ذلك بأنه ينتظر الدراسة العلمية على أرض الواقع ولا يمكن أن نقول شيئًا للشو الإعلامى فى هذه القضية الشائكة ولا يهمنى أن تكون الجزر سعودية أو مصرية ولن يفرق معى هذا الأمر، لكن ما يعنينى شيئان الأول: الجزر تابعة لمن؟ وهل مصر سيلحقها ضرر أم لا ولو كان سيترتب ضرر على مصر لن نتركها أبدًا.
وأوضح أن أحد النواب تحدث إليه وطالبه باتخاذ موقف وأنه طلب من ذلك النائب وثائق وشواهد علمية يبنى عليها رأيه، وعن حكم القضاء المنتظر قال إنه سينتظر الحكم بالتأكيد ولا يجد تفسيرًا لنقل الاتفاقية للبرلمان قبل الحكم وننتظر الحكم فالحيثيات قد يكون بها القول الفصل فى الأمر، ولو حكم بمصريتهما فلا قول بعده، وعن لجوء المملكة للتحكيم الدولى قال «السعودية لو لديها وثائق سترفع دعوى بالطبع أمام التحكيم الدولى ولا أظن أن الأمر سيصل بين مصر والسعودية إلى هذا الأمر».
وعن إرسال الحكومة الاتفاقية للبرلمان الأسبوع الماضى، رغم أنها لديها منذ أبريل الماضى قال إن الأمر يمكن أن يكون تحفظًا من الحكومة أو الحكومة تبحث عن طريقة للحل فأرسلتها لمجلس النواب ليكون القرار لنواب الشعب، أى أن القرار قرار الشعب وفى النهاية الحكومة لا يمكن أن تقر اتفاقيات إلا بموافقة مجلس النواب، والبرلمان لن يناقشها إلا بعد حكم القضاء حتى لا يتعدى على الحكم القضائى وذلك سيكون مخرجًا للجميع.
هنا ينتهى كلام عضو برلمانى عن حزب النور ومن كلامه ليس عنده مانع من أن تكون الجزر مصرية أو سعودية، لكنه سيبحث فى الأوراق والوثائق التى لم يُخف أنه قد أتى بها من السعودية، وكأن مصر ليست بها وثائق، إلا لو كان غرضه سعودة الجزيرتين.
النائب ربما نسى أو تناسى أن هناك وثائق قد اعتدت بها المحكمة وصدر بناءً عليها حكم أول درجة بمصرية الجزيرتين وإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود، تجاهل أن هناك أطلس ووثائق ومراسلات وذهب إلى البلاد البعيدة المعروف أنها مرجعية حزبه ليبحث عن وثائق، ذهب إلى الطرف الآخر فى خلاف الأشقاء ليبحث عن وثائق، ولم ينس أن يؤكد أنه لا يفرق معه أن تكون الجزر مصرية أو سعودية ربما يكون ذلك إيمانًا منه بمبدأ مشايخه أنه لا حدود بين بلاد المسلمين أو ربما يكون مفهوم الوطن عندهم حفنة من ترابٍ عفن.
مواقف حزب النور المؤيدة للسعودية ومخالفة للموقف المصرى لا تحتاج ادعاء من أحد باعتبارها موجودة بالفعل ومنها الموقف تجاه الأزمة فى سوريا، إذ يتخذ حزب النور نفس الموقف السعودى تجاه سوريا، ويخالف الموقف المصرى، ويعتبر الحزب السلفى الجماعات التى تحمل السلاح فى سوريا معارضة معتدلة وهو ما يتسق مع الموقف السعودى الذى يعادى بشار الأسد الرئيس السورى.
وذهب الحزب إلى ما هو أبعد من ذلك بأن طالب بدعم الجماعات المسلحة مكررًا وصفها بالمعارضة المعتدلة فى بيان رسمى للحزب.
«تيران وصنافير» ستكون المعركة الأصعب على حزب النور فالمواقف كلها ستكون معلنة والموقف ليس فيها جماعة ليحيل الخلاف بينه وبين الإخوان إلى خلاف عقائدى كما كان يفعل مع الإخوان، لكن الآن الحزب فى صراع بين مرجعيته ووطنيته، استنادًا إلى كلمة القضاء والبرلمان، والاختبار الأصعب ماذا لو أقر البرلمان والقضاء بمصرية الجزيرتين؟ بالطبع سيكون الحزب فى موقف صعب، قلوبهم مع السعودية وسيوفهم حائرة بين هذا وذاك، الأصعب أن الحزب خائف من الرصد الإعلامى لمواقف النواب من القضية لذلك كان نوابه حريصون ألا يدلوا بتصريح قاطع عن الأمر فى انتظار الفرج، حتى لا يخسروا مصر أو السعودية فالحزب له بلدان فرع سياسى فى مصر ومرجعيته دينية فى الرياض.