فتح المندل والربط الجنسى بتحضير أرواح الموتى

أسامة ابراهيم
بين السحر والدجل والشعوذة والتفسير الأسطورى للأحداث والاستسلام للغيبيات.. وما إلى ذلك من أمور ليس لها وطن أو عنوان، يبحث الصعايدة وأبناء الريف عن حلول لمشاكلهم الحياتية.. فيطرقون أبواب السحرة والمشعوذين ويلجأون لممارسات «تخريفية» مثل التحجيب وغيرها من الأعمال، خاصة فى الأعياد والمناسبات السعيدة.
هناك قرى بكاملها فى الصعيد والأرياف وأحياء فى القاهرة يحترف سكانها السحر، ويفد إليها الناس من كل صوب وحدب، وهذه الأماكن قد تكون شهيرة خارج مصر، أكثر من كونها معروفة داخليا.
ففى كل قرية أو نجع يوجد ساحر أو اثنان، ومن المعتاد أن يذهب أحد الأهالى إليه بمن فى ذلك الذين يشكون فى قدراته ويعتقدون بأنه يخدع الناس بحيله وألاعيبه.. لكن وسائل السحر والشعوذة فى الدلتا تختلف عن تلك المستخدمة فى الصعيد، والأكيد أن للقبائل وسكان الصحراء طقوسا غير سكان الحضر.
دراسة حديثة أجريت بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حددت «300» خرافة فى القرى والمدن والتجمعات المصرية، أشهرها «الربط» أى شل قدرة الرجل الجنسية، وأعمال الزواج والتطليق والحب والكراهية.
ومن أكثر الأعمال السحرية انتشارا فى الصعيد والأرياف والأحياء الشعبية، وحتى المدن أحيانا، نجد فتح «المندل» الذى يتم من خلال تحضير أرواح المتوفين لكشف الحرامية ومعرفة أماكن المسروقات، ومن طقوسه أنه لا يفتح على صبى بالغ، وإنما يلجأ المشايخ إلى وسيط من الأطفال الصغار.
يخبرنا أحد العاملين فى هذا المجال، قائلا إنه يستطيع فتح المندل فى لمح البصر لمعرفة السارق مستعينا فى ذلك بملك حبشى يحضر لابسا جبة وقفطانا أسودين وتاجا فوق رأسه وله من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلا الله.
ويتطلب فى المندل إحضار البخور «نذرًا للجن»، ثم يكتب على ورقة وتوضع على جبهة الناظور.. ثم يقرأ العزيمة أى التعويذة: (احضروا.. احضروا.. احضروا.. يا صاحب الجن والإنس بحق خاتم سليمان بن داود عليهما السلام.. حاضر حاضر حاضر، شو شو شو، الوحا الوحا الوح، العجل العجل العجل، الساعة الساعة الساعة). ثم يقرأ سورة الزلزلة 3 مرات، ويكرر أشتاتا 3 مرات، وتكمل لآخر السورة ثم تقول: انصرفوا بارك الله فيكم وعليكم.
بعد ذلك يحضر فاتح المندل الصغير ويكتب على ظافر إصبعه اليمين (يابدوح) ثم يستخدم قلم كحل جديدًا فى تسويد الإبهام فوق الكتابه وتقرأ العزيمة 7 مرات ثم ينفخ على الطفل فينفتح له فى إبهامه ميدان أخضر يتسع بالتدريج ويرى خادما أسود واقفا فى الميدان فيسلم عليه ويقول له: اكنس ورش وأحضر البساط وافرشه ثم أحضر الكرسى وكل هذا وهو يسأل الطفل: هل كنس؟ هل رش؟ هل؟.. ثم يحضر الملك الحبشى ويجلس على الكرسى ثم يسأله: «ممكن نطلب الحاجة؟».. فإذا أجاب بنعم يطلب باختصار، وإذا أجاب بلا يصرفه ويعيد فتح المندل فى اليوم التالي، خاصة يومى الإثنين والخميس فى نصف الشهر الأول الهجري.
ويحذر الشيخ صالح مصطفى الواعظ بمحافظة أسيوط، من استغلال الأطفال فى أعمال السحر والشعوذة، منتقدًا ما يحدث فى الصعيد حين يتوضأ بعض من يطلقون على أنفسهم شيوخا باللبن داخل دورة مياه ويضع تحت قدميه المصحف الشريف، ليحضر إليه جنى يهودى ويأمره بلبس جسد الطفل، لينطق ويتحدث بلسان هذا الطفل مستخدماً جسده وإرشاده عن أشياء ضائعة أو البحث عن الآثار، أو غيره من الأفعال، وهو ما يدمر حياة الطفل ويصيبه باضطرابات نفسية وعقلية تدمر مستقبله.
كما ينتشر استخدام الأطفال فى أعمال السحر والشعوذة الذى يصل إلى حد الذبح، فقد أشيعت مؤخرا أنباء على أن أحد أشخاص استعان بـ (مشعوذ) فى البدارى بمحافظة أسيوط للبحث عن كنز بمنزله، وبالفعل ذهب لهم وقال إنه لأجل استخراج الكنز لا بد من ذبح طفل (حدده بالاسم)، وبعد فترة عُثر على نفس الطفل مذبوحاً.
ويعتقد أهالى القرى والنجوع أن بعض الناس تلبسهم كائنات من تحت الأرض- ويؤمنون بوجودها- وهذه الكائنات إما طيبة أو شريرة فإن كانت طيبة كانت عونا لمن يلبسونه والعكس بالعكس.
يحدث فى الأرياف أن يقوم شخص ما بالتنقيب فى منزله بحثاً عن كنز أو آثار، فيحضرون شخصا يقولون عليه «شيخ»، وغالباً ما يطلب منهم طفلا صغيرا قبل مرحلة الدراسة ليقرأ عليه بعض الأشياء، ويضع شيئاً على وجهه، ويطلب من الطفل النزول لحفرة وهو مازال أمامه، ويجعله يرى أشياء مثل باب المقبرة والكنز، ويصف لهم ما يشاهده بنفسه.
ويؤمن الصعايدة وأهل الريف بأن الساحر يمكنه أن يعالجهم من الأمراض التى يعانون منها، لذلك يجمع ساحر القرية- المشعوذ- بين ممارسة السحر والعلاج لبعض الأمراض إما بالسحر البحت أو بوصف بعض الأعشاب، ففى إحدى قرى شمال الصعيد تعيش امرأة يطلب أهل القرية منها أن تشفيهم من أمراضهم، وهى تجلس أو تقف بجوار المريض وتمسك بقطعة بوص قصيرة وتمررها حول رأسه، مرددة أدعية وآيات قرآنية، وبعدها تحرق قطعة البوص بالنار أو يحملها الماء بعيدا.
ويبدو أن السحر ارتبط بحياة الإنسان منذ هبوطه على الأرض، فمنذ عصر الفراعنة، يعتقد بعض المصريين أن السحرة بمقدورهم أن يفعلوا الأعاجيب، كما أن هناك الكثير من الأماكن المهجورة سواء فى شرق النيل أو غربه، بدءا من بنى سويف وحتى أسوان جنوبا.
تؤكد على ذلك الباحثة البريطانية وينفرد بلاكمان، التى أوردت حكايات مذهلة لبعض سكان قرى الصعيد، من بينها أنه فى أحد الأيام رأى مأذون القرية امرأة تتمتع بجمال باهر فوقع فى حبها ورغب فى زواجها، رغم أنها كانت متزوجة بالفعل، ولم يكن أمامه سوى التخلص من زوجها، لذلك قرر أن يصيبه بالجنون.طلب المأذون من ساحر أن يكتب له سحرا على قطعة ورق ربطها فى جريدة نخلة بوسط الحقول لا يراها أحد بسهولة، ومع تحريك الريح للشجرة يصاب عقل الرجل المذكور اسمه فى العمل بالعذاب والاضطراب، وبالفعل فقد زوجُ المرأة عقله، فكان يقطع ملابسه ويربط حبلا حول وسطه ويتحدث أحيانا بلغة غير مفهومة، وكان يقول لصبية القرية الذين يتجمعون حوله «مراتى راحت... غرب، مراتى راحت... غرب»، وبعد أن ساءت حالته طلبت زوجته الطلاق منه. وبعد أن تزوجها المأذون كان زوجها يلف فى القرية صارخا إنه ملك القرية ويجمع أعواد الحطب ويسلح كل أطفال قريته ويطلب منهم محاربة القرى المجاورة.
هناك أيضا بعض أشكال السحر الأسود الذى تستخدم فيه دمى على شكل إنسان مصنوعة من الشمع أو الطين، فإذا أراد رجل أن ينتقم من آخر فإنه يطلب من أحد السحرة أن يصنع شكلا من الشمع أو الطين، يشبه الرجل الذى يريد إيذاءه، وإذا استخدم الشمع فإن الشكل يرى به أحيانا فى النار عندما يتلو الساحر بعض التعاويذ. أما إذا كان من الطين فيوضع فى الماء، وعندما تختفى هذه الأشكال فى النار أو الماء، يتعرض الرجل المراد التأثير عليه لفقدان صحته شيئا فشيئا.
ويشيع استخدام الأشكال الطينية أو الشمعية لإحداث آثار أقل خطورة لمن يفترض أنها تمثلهم، فالإبر أو الدبابيس تغرس فيها، وإذا لم تتوافر هذه أو تلك استخدمت بدلا منها أطراف سعف النخيل الحادة، وحيثما غرست الإبرة أو الدبوس فإن ما يقابل هذا المكان فى جسم صاحبه يصاب بالألم ما بقى الدبوس أو الإبرة فى الشمع أو الطين، وهذا الوخز يجب أن يقوم به دائما الساحر بنفسه، حيث تصاحب ذلك تلاوة بعض التعاويذ السحرية.