تذمر القساوسة من «الفرمانات العثمانية»

عادل جرجس
أربعمائة وستون عاما مرت على رحيل مارتن لوثر، مشعل ثورة إصلاح الكنيسة الكاثوليكية، ورغم هذا التاريخ الطويل، يبدو أن دعوته الإصلاحية أو الثورية أو حتى التخريبية فى نظر معارضيه، أصبحت ترفرف على الكنيسة الإنجيلية فى مصر.. ثمة ثورة تفور داخل الكنيسة، يقودها شباب القساوسة، ضد اللائحة المنظمة للطائفة سنة 1902 من قبل الباب العالى العثمانى، الأمر الذى يراه «القساوسة الثائرون» أمرا مجحفا، لا يتوافق مع طبيعة العصر، خاصة بعدما مرت البلاد بثورتين، غيرتا كل شىء باستثناء الكنيسة الإنجيلية التى لاتزال تخضع لـ «الخط الهمايونى».
على أن الثورة داخل الكنيسة الإنجيلية لا تقتصر فقط على الخط الهمايونى، فهناك خلف الستائر الكثيفة الكثير من الخفايا والخبايا.. فإلى جوار التيار الثائر، ثمة تيار آخر يطالب بالاستقرار، بذريعة أن الكنيسة مرت بحركة إصلاح، آتت ثمارها، ولا داعى لقفزات فى الهواء.
ويقف إلى جوار ثورة شباب القساوسة، عدد ممن يوصفون بالمخضرمين، على رأسهم الدكتور صفوت البياضى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، والدكتور إكرام لمعى والقس رفعت فكرى، بينما يقف على رأس التيار المحافظ الدكتور أندريه زكى نائب رئيس الطائفة ليحتدم الصراع ويبقى مفتوحا.
النموذج الثورى
الدكتور القس سامح موريس راعى كنيسة قصر الدوبارة يعتبر وبلا منازع هو نجم نجوم «الوعظ» وسط المسيحيين المصريين عامة لتحظى كل فعالياته بإقبال جماهيرى غير عادى وغير مسبوق ويلتف حوله الشباب من كل الطوائف المسيحية.. وهو القس المثير للجدل الذى هوجم من كل الطوائف المسيحية، فالكنيسة القبطية ترى أنه يغرر بشبابها فى محاولة لضمهم للكنيسة الإنجيلية، على الرغم من أن الكنيسة الإنجيلية قد أحالته إلى التحقيق بدعوى أنه خرج عن التعاليم الإنجيلية التى أسسها مارتن لوثر وجون كالفن، ولكن الحقيقة فإن موريس يتعامل بشكل إنسانى ولا يحرم ولا يجرم ولا يقصى ولا ينفى أحدا، ويرى الكثير من قساوسة الكنيسة الإنجيلية أن سامح موريس هو النموذج الحداثى للقس الإنجيلى، وهم يقتدون به ويتخذون منه نموذجاً للإصلاح الدعوى يحتذى به وهو ما خلق بعض الانشقاقات داخل الطائفة الإنجيلية.
انشقاق الكنيسة
تختلف طبيعة تكوين الكنيسة الإنجيلية عن طبيعة تكوين باقى الكنائس، فالكنيسة الإنجيلية تضم بداخلها 19 طائفة ولها مجمع ملّى يتكون من 16 فرداً يمثلون تلك الطوائف وهذا المجمع هو الممثل الرئيسى لكل هذه الطوائف التى أهمها «المشيخية الإنجيلية» و«كنيسة الإخوة» و«الكنيسة الرسولية» و«نهضة القداسة» و«المعمدانية» و«كنيسة الإيمان»، ويبلغ مجموع دور العبادة التابعة للكنيسة الإنجيلية 1702 كنيسة تخدم حوالى مليون مسيحى إنجيلى، إلا أنه فى الفترة الأخيرة شهدت الكنيسة الإنجيلية محاولات من بعض الكنائس للانفصال والاستقلال عن مجمع الكنائس الإنجيلى مثل الكنيسة «الأسقفية» التى أقام المطران منير حكيم راعى الكنيسة دعوى قضائية أمام القضاء الإدارى لاعتبار الكنيسة الأسقفية طائفة مستقلة بذاتها، والأمر المثير للدهشة أنه على الرغم من رفض الدعوى القضائية فإن الكنيسة الأسقفية يتم تمثيلها بشكل مستقل عن الكنيسة الإنجيلية فى مجلس كنائس مصر، ويرجع البعض ذلك لنفوذ الكنيسة القبطية ورغبتها فى ذلك نظرا لحالة التقارب التى تغلف العلاقة بين الكنيسة القبطية والكنيسة الأسقفية، ولم يتوقف أمر الانشقاقات داخل الكنيسة عند هذا الحد، بل أصابت حمى الانشقاق كنيسة نهضة القداسة، حيث انقسمت إلى مؤيد للانفصال بقيادة القس منير حكيم ومعارض للانفصال بقيادة القس طلعت بصفط اللبن.
تقادم اللائحة
لائحة المجلس الملى المختلف عليها تنص على أن أعضاء المجلس 16 عضواً يخصص منها 12 مقعداً للكنيسة المشيخية وحدها ومقعد للإرسالية الهولندية وتحصل عليه أيضاً الكنيسة المشيخية وتبقى 3 مقاعد تمثل باقى الطوائف الـ ,18 كما أن رئيس الطائفة يتم انتخابه لمدة 8 سنوات تجدد له بدون حد أقصى للتجديد، وفى هذا يقول القس رفعت فكرى المتحدث الإعلامى باسم الطائفة الإنجيلية: على الرغم من التحول الجذرى فى البنية الديمقراطية للمجتمع المصرى عقب ثورتين كبيرتين فإن الطائفة الإنجيلية لم تتأثر بأى تغيير، ولم يتحرك لها ساكن، ولم يفكر أعضاء المجلس الملى الإنجيلى فى تغيير لائحة المجلس التى عفى عليها الزمن منذ زمن، حيث إن هذه اللائحة تعتبر أمراً من أوامر الباب العالى التى صدرت فى القرن التاسع عشر، وتحديداً سنة ,1850 وتعتبر أحد الفرمانات التابعة للخط الهمايونى للسلطنة العثمانية، حيث إنه بناء على هذا الفرمان صدر أمر الخديوى فى 4 يونيو ,1878 بتعيين وكيل للطائفة، وتنص المادة 15 من لائحة المجلس الملى الإنجيلى على مدة انتخاب رئيس الطائفة ونائبه فتنص على «يُنتخب الوكيل والنائب بمعرفة المجلس العمومى لمدة ثمانى سنوات ويجوز إعادة انتخابهما»، وهو ما يعنى أن رئيس الطائفة يمكن أن يظل رئيساً إلى ما شاء الله مادام يعاد انتخابه.. فإلى متى ستحكمنا الفرمانات العثمانية؟ فهل يعقل أن تحكمنا عقلية العثمانيين ونحن نعيش فى القرن الحادى والعشرين؟ ومتى ستتحرك الطائفة الإنجيلية فى مصر لتواكب التغيير الحادث فى المجتمع المصرى، بل فى معظم بلدان المشرق العربى؟ إن الحاجة اليوم أصبحت ملحة لتعديل لائحة المجلس الملى الإنجيلى تلك اللائحة التى تجاوزها الزمن. إننا فى مسيس الحاجة للائحة جديدة تكون مواكبة لمتغيرات العصر، ويفجر فكرى قنبلة من العيار الثقيل فيقول: أقترح أن تكون مدة رئيس الطائفة ونائبه أربع سنوات ولا يجوز إعادة انتخابهما إلا لمرة واحدة فقط، فهذا هو شأن معظم الديمقراطيات العريقة فى العالم.
ويقول القس جرجس عوض راعى الكنيسة المعمدانية: لقد سقط الإخوان وسقط معهم التعصب والتشدد والتحزب وما حدث فى المجتمع سوف يحدث فى الكنيسة إن لم تعِ وتدرك عجلة التغيير ويقع رجال الكنيسة فى ورطة ما يطالبون به من حقوق المواطنة من الدولة هم أنفسهم لا يعيشونه ولا يطبقونه سواء فى الكنيسة المحلية أو مع الطوائف المختلفة، وقد غابت القدوة من الكنيسة وأصبح السؤال من يكون رائداً للتغيير؟ إصلاح داخلى أولا أم إصلاح خارجى وإذ كنا نريد إصلاح مجتمعنا فعلينا أن نصلح من مجتمعنا الكنسى أولا ونعدل قوانيننا ونعطى لكل صاحب حق حقه، فإننى أطالب بحق المواطنة وحق الانتخاب وحق قبول الآخر وحق الحرية والتمثيل العادل داخل المذاهب الإنجيلية.
رياح التغيير
على الرغم من أن الدكتور صفوت البياضى رئيس الطائفة المتواجد حالياً بالولايات المتحدة يدفع من وراء عملية الإصلاح داخل الكنيسة، فإنه لا يتخذ خطوات جادة وفعلية تجاه هذا الأمر.
ويقول الدكتور إكرام لمعى المفكر الإنجيلى المعروف: إن غالبية قساوسة الكنيسة الإنجيلية ترغب فى التغيير، ولكن الخلاف هنا على توقيت التغيير فهناك من يتعجل تغيير اللائحة قبل إجراء الانتخابات لتتم الانتخابات القادمة والتى سوف تتم فى شهر مارس طبقاً للائحة الجديدة، وهو الأمر المستحيل حدوثه نظراً لقصر الفترة الزمنية المتبقية على الانتخابات والتى لن تتسع لمقترحات الكنائس المختلفة ومناقشاتها والتوصل إلى الصيغة التى يرضاها الجميع، والبعض الآخر يرى إجراء الانتخابات طبقاً للائحة الحالية ويتم تعديل تلك اللائحة بعد الانتخابات، ويؤكد أنه سوف تتم الانتخابات القادمة طبقا للائحة الحالية، لكن على ما يبدو فإن «المتعجلين» يتخذون خطوات متسارعة نحو العمل على تغيير اللائحة قبل الانتخابات.. فلقد قرر القساوسة الداعون إلى التغيير مخاطبة رئيس الطائفة رسمياً كل على حدة فى مطالب محددة متفق عليها.
ويقول القس أيمن لويس راعى كنيسة النعمة: كتبنا خطابا موحدا يوقع عليه قساوسة كل مجمع على أن يرسل مسجلا بعلم الوصول، وقمت أنا بكتابة هذا الخطاب وتصويره وأرسلت منه لعدد من رؤساء المجامع فأنا أرى أن وصول د. أندريه زكى لهذا المنصب، وهو المتوقع يعتبر كارثة، فعادة يسعى باهتمام لهذه الكراسى من هم ليس لديهم اهتمامات روحية، بل مرضى بالبريستيج وحب الظهور والخطاب كتب بحيث يكون خطابا من القساوسة بصفتهم أعضاء إنجيليين يمثلون الجمعية العمومية، وليس كطلب من رؤساء المجامع لأنه لوحظ أن هناك اتفاقات من تحت الترابيزة من بعض رؤساء المجامع مع القس أندريه، وأبرز الموقعين على الخطاب هم الأسقف سمير شحاتة رئيس مجمع النعمة الرسولية، والقس سعيد إبراهيم مجمع كنيسة الإيمان والقس عاطف سيدهم مجمع المثال القس منير عن مجمع الكنيسة المعمدانية القس جرجس معوض عن مجمع الكنيسة المعمدانية الحرة ومجمع كنيسة المسيح، ونص الخطاب على الآتى (السيد الفاضل الدكتور القس صفوت البياضى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، والمجلس الملى الإنجيلى العام تحية طيبة. وبعد نقدم لكم هذا الطلب بصفتكم المسئول أمامنا والمخول له السلطة العليا بإدارة شئون الطائفة بمصر، بطلبنا هذا راجين أن تتخذه بعين الاعتبار إذ إننا نرى أنه فى ضوء الظروف السياسية والاجتماعية والمتغيرات الحالية التى تواجه مجتمعنا، مما اضطر القائمين على شئون البلاد لتغيير الدستور وتعديل القوانين لتتماشى مع المستحدثات والمستجدات، وعليه نرى أنه حرى بنا نحن أيضا أن نساير التطور المجتمعى لإعادة النظر فى جميع اللوائح التى تحكم سير العمل بالطائفة، حيث إننا نرى أنه قد انتهى تاريخ صلاحية العمل بها، لتجاوزها حدود الزمن، فأصبح من الضرورى والملح الآن، وقبل انتخابات رئاسة الطائفة الإنجيلية القادمة، لتكون الانتخابات القادمة وفق ما يتخذ من تدابير وقرارات لتعديل اللوائح، وعليه نتقدم لسيادتكم بالتالى- أولا: وقف العمل باللوائح المعمول بها بالمجلس الملى الإنجيلى العام. ثانيا: تشكيل لجنة يكون بها تمثيل عادل من جميع المذاهب المسيحية المدرجة لدى الطائفة الإنجيلية لإجراء التعديلات المطلوبة. ثالثا: أن تكون انتخابات رئاسة الطائفة الإنجيلية، وفق التعديلات الجديدة بعد إقرارها. رابعا: أن يكون لجميع المذاهب الإنجيلية عضو أو أكثر ممثلا بالمجلس الملى الإنجيلى العام، على أن يكون هناك تمثيل داخل المجلس للكوادر العلمانية وللمرأة والشباب.
من يحسم الانتخابات
على الرغم من حراك التغيير الذى يجتاح جنبات الكنيسة الإنجيلية يبقى السؤال الأهم هنا هو: هل سيتم تغيير اللائحة قبل أم بعد الانتخابات ولصالح من سوف تحسم؟ الدكتور القس أندريه زكى هو المتصدر للمشهد الانتخابى وهو نائب رئيس الطائفة الحالى، ولكن تبرز أمامه وبقوة أسماء القس جورج شاكر من الإسكندرية والقس محسن منير مدير مدارس سنودس النيل الإنجيلى، فهل يحسم زكى الانتخابات أم تحدث المفاجآت ويأتى أحد المرشحين الآخرين؟ وهل فى حالة إذا ما تولى الدكتور أندريه زكى رئاسة الطائفة هل يعتبر ذلك انتصاراً للمحافظين داخل الطائفة على المحدثين أم يتصاعد الصراع ونرى مزيداً من الانشقاقات داخل الكنيسة الإنجيلية؟ لننتظر.∎