عبدالعاطى.. الرجل الذى باع الوهم للمصريين

هدى المصرى
(ربما تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت) مقولة نتوقف أمامها كثيرا خلال عام بأكمله شغلنا فيه اللواء إبراهيم عبدالعاطى باكتشافاته العلمية المدهشة التى أعلنها عن علاج الإيدز وفيروس (سى) ليزرع الأمل بعلاج ملايين الناس ليس فى مصر وحدها، ولكن العالم كله بجهازه السحرى العجيب، لنكتشف أن هذا الرجل الذى أقنعنا أنه صاحب أعظم اختراع والذى رفض مليارات الدولارات مقابل بيعه فى الخارج، ما هو إلا مخادع ومخترع أكبر كذبة فى عام 2014 تلاعب بأوجاع وآلام المصريين وآمالهم فى العلاج من أمراض مستعصية.
القصة بدأت عندما ملأ عبدالعاطى شاشات الفضائيات فى فبراير الماضى بصفته صاحب أول جهاز فى العالم لاكتشاف وعلاج فيروس الإيدز، والقضاء على فيروس سى أيضا بتكلفة أقل من مثيله الأجنبى بعشرات المرات وبنسبة نجاح تجاوزت 90٪، بالإضافة إلى ابتكارات متعددة للعديد من الأمراض تحدث عنها وفريقه الطبى، الذى أكد أنه عانى معه بالعمل سرا لسنوات هربا من دول عرضت عليه 2 مليار دولار، للحصول على الجهاز والتنازل عنه لكنه رفض.
وعلى الرغم مما أثارته مفرداته من تهكم وسخرية فى بعض برامج التوك شو وصفحات التواصل الاجتماعى وهو يتحدث عن الجهاز بأنه قادر على (تفتيت) الإيدز، وأنه سيأخذ الفيروس من جسم المريض ثم يعيد تقديمه إياه لتغذيته على شكل (أصبع كفتة) وكذلك رواياته عن عمليات اختطاف وإغراء بالمليارات للحصول على ابتكاره الجديد (كومبليت كيورينغ ديفايس) والذى كان هو الآخر مادة للتندر.
تشبث ملايين المرضى من المصريين بدعاوى المخترع عبدالعاطى وجهازه، كالغريق الذى ينتظر نسمة هواء تدفعه لشاطئ النجاة وزاد من تعلقهم بالجهاز وعلاجه للمرض الترويج الإعلامى المبالغ فيه للجهاز وخروج عبدالعاطى يداعبهم من خلال المؤتمر الصحفى الذى عقد فى فبراير عام 2014 بزعمه أن العالم كله سيبقى أمامه 20 عاما للتوصل إلى النتائج التى حققها وبأنه توصل إلى شعاع يمكن تسليطه على الفيروس، والذى يشبه فى تكوينه حبات السبحة وبمجرد تسليط الشعاع عليه تتفتت حبات الفيروس، ويتحول من مادة مضرة إلى مادة مفيدة ومغذية للجسم فتتحسن وظائف جسم المريض ويعود أفضل مما كان عليه حتى قبل إصابته بالمرض، مدعيا أن الجهاز مفيد فى علاج المصابين بمرض السكر والضغط ويتحسن أداؤهم بشكل ملحوظ.
إلا أن الضجة الإعلامية التى صاحبت ادعاءات عبدالعاطى بعلاج الأمراض التى لم يجد العالم لها علاجا حتى الآن، ومزاعمه بأن فكرة الجهاز والعلاج جاءت له من متابعته للطب الفرعونى القديم وإعجاز الفراعنة العلمى فى التحنيط وبقاء جثمان موتاهم لآلاف السنين دون تلف لعملية التحنيط، كانت كفيلة للبحث عن الرجل واختراعاته وتاريخه الطبى خاصة مع تماديه، بقوله : إن المخابرات قامت بحمايته طوال سنوات حتى لا يتم سرقة ابتكاره أو قتله.
وبعد أشهر من الجدل بشأن شخصية مخترع الجهاز المثير من الهجوم والتأييد إلى حد وصف الحدث بأنه فضيحة طبية أساءت إلى سمعة مصر تتوالى الحقائق أن اللواء إبراهيم عبدالعاطى الذى باع الوهم لملايين المصريين بابتكار جهاز لعلاج الإيدز وفيروس سى، ليس ضابطا بالقوات المسلحة وإنما هو مجرد معالج بالأعشاب ظهر على قناة الناس الفضائية وأن رتبة لواء الحاصل عليها مجرد رتبة شرفية.
إلا أن الرجل- صاحب أكبر كذبة طبية خلال العام- الذى عاش مطاردًا ولم يسلم أسبوعًا كاملاً من الملاحقات الأمنية بسبب العديد من التجاوزات الطبية والدجل والشعوذة التى مارسها فى عياداته الخاصة فى القاهرة والإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ، وعلى عدد من القنوات الفضائية المنتمية للتيار السلفى وأبرزها قناة الناس، لم يخجل من الهجوم على كل من تجرأ وعبر عن شكوكه تجاه الجهاز وعقلية صاحبه بل وصف نفسه بالهرم، ورد على الانتقادات التى وجهت للاختراع بأنه أتى بما لم يأت به علماء العصر، وأن سر جهازه المعقد مثل سر بناء الأهرامات، بل الأكثر من ذلك وناشد أساتذة الطب أن يتواصلوا معه كى يشرح لهم نظرياته العلمية، فى حين تحدى منتقديه والساخرين من اختراعه بمفاجأة كبرى وصفعة ثانية، فكانت المفاجأة الكبرى هى حقيقة عبدالعاطى نفسه وسيرته الذاتية، فالرجل الذى ولد بمحافظة أسوان فى عام 1947 هو خريج معهد فنى صحى- قسم فنى معمل الإسكندرية سنة .1965
عمل عبدالعاطى فنى معمل بمستشفى الأميرى الجامعى بالإسكندرية حتى عام 1975 واتجه بعدها إلى ممارسة العلاج بالأعشاب فى أماكن خاصة متعددة بالقاهرة والإسكندرية والبحيرة تم إغلاقها جميعًا من قبل وزارة الصحة.
كما داهمت إدارة العلاج الحر بالإسكندرية المكان الذى كان يطلق عليه عيادة خاصة ويستقبل فيها مرضاه وإغلاقه وإلقاء القبض عليه بتهمة انتحال صفة طبيب، حيث صدر عليه حكم بالسجن لمدة عام، قام بالطعن عليه وتخفيف الحكم إلى شهر قضاه عبدالعاطى فى السجن ليخرج ويغيب عن الأنظار فترة ثم يتردد بعد ذلك أنه حصل على دكتوراه فى الطب البديل من سيريلانكا.
ليعود إبراهيم عبدالعاطى للظهور مرة أخرى وتتسابق عليه وسائل الإعلام كمخترع لعلاج الإيدز وفيروس سى وفى مؤتمر صحفى يروج له عالميًا يتم تحديد موعد 30 يونيو لبدأ علاج المصريين بجهازه المثير.
فتأتى الصفعة الثانية التى وعد بها عبدالعاطى منتقديه فتكون موجهة لملايين المرضى المصريين الذين انتظروا تطبيق نظامه العلاجى المدهش فى الثلاثين من يونيو الماضى دون أن يعلموا أن الرجل تم استبعاده من فريق العمل لأنه ليس طبيبًا، وإنما حاصل على معهد فنى صحى جامعة الإسكندرية، كما أن الشهادة الحاصل عليها من سيريلانكا مزورة ولا أساس لها، حيث قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بتشكيل لجنة من علماء وأساتذة الكبد الذين أعلنوا الآتى: أولا: استبعاد إبراهيم عبدالعاطى وثانيًا: تأجيل مشروع العلاج ستة أشهر نظرًا لأن الجهاز غير ضار ولا نافع، وذلك بالتزامن مع إعلان وزارة الصحة عدم اعترافها بالجهاز العجيب تعاقدها مع إحدى الشركات العالمية لتوريد أحدث علاج لفيروس سى فى حين امتنعت النقابة عن التعليق منعًا للحرج.
وبذلك يكون عبدالعاطى أو مخترع «جهاز الكفتة» الشهير قد مارس جريمة الكذب فى حق ملايين المرضى المصريين وفقًا لبيان المركز المصرى للحق فى الدواء الذى أعرب عن «صدمته» و«خيبة أمله» للانتهاكات المتتالية ضد مبدأ الحق فى الدواء الذى تعاظم خلال 2014 ليدفع ثمنه ملايين المرضى المصريين خاصة المصابين بالتهاب الكبدى الوبائى «سى»، والذين يقدر عددهم بنحو 17 مليون مريض بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.
وكان قد تشكل لدى المرضى أمل على الجهاز المعالج الذى تم الإعلان عن بدء العلاج به فى 30 يونيو الماضى، إلا أنه تبخر بعد قرار التأجيل وتسبب هذا فى شعور المرضى باليأس الشديد.
فى المقابل أشاد دكتور وحيد دوس، عميد المعهد القومى لأمراض الكبد ورئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات بقرار القوات المسلحة بتأجيل العلاج بالجهاز حتى آخر العام الجارى لحين تجريبه والتحقق من نتائجه واصفًا إياه بالقرار الصائب ودون أن يذكر اللواء عبدالعاطى أو صلته بالموضوع، وأشار دوس إلى أنه قام بإجراء أبحاثه العلمية على جهازين وفرتهما القوات المسلحة لعلاج مرضى فيروس «سى»، لافتًا إلى أن أحدهما جهاز تشخيص للفيروس وأعطى نتائج ممتازة والآخر لعلاج الفيروسات ولاتزال الأبحاث قائمة بشأنه.
وبينما لم يخف دكتور إمام وأكد عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية امتعاضه من الطريقة التى تحدث بها اللواء عبدالعاطى عن جهازه لعلاج الفيروسات قائلاً: لا أعرف شيئًا عن اللواء عبدالعاطى أو جهازه كما لا أستطيع أن أحكم على حديثه الذى لم أجد فيه أى شىء يرتبط بالبحث العلمى.
وتعقيبًا على رد فعل وزارة الصحة وتعاقدها مع شركة أمريكية لشراء عقار «السوفالدى» المخصص للقضاء على فيروس «سى»، أوضح وأكد أن عدد مرضى الفيروس فى مصر يتطلب جهودًا كبيرة من كل الهيئات فى الدولة لخلق أكثر من بديل للعلاج.∎