
محمد جمال الدين
لمن يتحدثون عن المصالحة
عن أى مصالحة وطنية تلك التى يتحدث عنها البعض حاليا بمن فيهم مؤسسة الرئاسة، فى ظل حالة الاحتقان المتزايد التى يموج بها الشارع المصرى، من جراء أفعال الجماعة المحظورة، التى تروع وتقتل وتعتدى على الآمنين منذ عام، ومازالت مستمرة فى غيها حتى الآن رغم عزل مندوبها من قصر الرئاسة الذى كان يعمل جاهدا لتنفيذ ما يريده من بايعه وأقسم له يمين الولاء والسمع والطاعة والكائن مكتبه فى المقطم، وأغفل عن عمد قسمه الذى سبق أن ردده ثلاث مرات، ويتعهد فيه بخدمة مصر وشعبها والحفاظ على سلامة أراضيها.
بداية لابد أن نقر أن السعى فى إتمام المصالحة الوطنية بين أفراد الشعب المصرى أمر واجب وتحتمه ظروف المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد، كما أنها هدف يسعى إليه الجميع شريطة ألا تقترن هذه المصالحة بأى انتهاك للقانون، فمن أجرم فى حق مصر سواء كان من الإخوان أو من نظام مبارك السابق لابد من محاكمته وتقديمه للعدالة حتى تتحقق أهداف الثورة.. لهذا لا يصلح أو حتى يجوز أن تكون هناك مصالحة على من تآمر على مصر ويستقوى بالخارج لتحقيق مكاسب لهذا الفصيل أو ذاك.
ومع ذلك وحتى نضمن نجاح هذه المصالحة فلابد أن تقوم على أسس ودعائم ثابتة بحيث لا تحتمل أى لبس، يأتى على رأسها اعتراف قوى تيار الإسلام السياسى بالأمر الواقع الذى تم فرضه عن طريق الإرادة الشعبية والتى تجلت صورتها الحقيقية فى خروج الشعب المصرى وبهذه الأعداد التى لم تشهدها مصر من قبل فى 30 يونيو، مع ضرورة الاعتراف بحق المجتمع فى محاسبة كل من أجرم فى حق مصر، وشعبها، هذا بخلاف وقف العمل بالسياسة من خلال الدين، وتصنيف أى خلاف سياسى على أنه خلاف بين المؤمنين والكفار، ونبذ الاستبداد والتمسك بالرأى على حساب مصلحة الوطن وأمنه، بدلا من السيطرة على مفاصل الدولة لتحقيق أهداف خاصة، حتى نضمن تجنب أخطاء الماضى التى وقعت فيها الجماعة المحظورة ومندوبها والتى سبق أن ورطنا فيها نظام مبارك وحزبه البائد.
نريدها مصالحة تحترم الآخر وتؤكد الوسائل السلمية للتعبير عن الرأى وحق التظاهر السلمى الذى لا يقترن فيه هذا الحق بالعنف والقتل والإرهاب.
ورغم إيماننا الصادق بهذه المصالحة وضرورة إتمامها لصالح أمن البلاد ألا أن الجماعة المحظورة، مازالت على استكبارها بدليل عدم اعترافها بالثورة الحالية، وتتبع نفس أساليب العنف والترويع التى تجيد الجماعة اتباعها منذ بداية تكوينها والدليل على ذلك ضحاياها الذين اغتالتهم الجماعة بدم بارد «القاضى الخازندار ورئيس الوزراء النقراشى، ومحاولة قتل جمال عبدالناصر»، نفس هذه السياسة والمنهج راح بسببه العديد من المصريين فى الوقت الحالى بعد التغرير بشباب مصرى ليس له ناقة أو جمل فى هذا الصراع الذى أدى فى النهاية إلى ابتعاده عن أسرته للمبيت فى الخيام بعد الضحك عليه باسم الدين.
ومع ترحيب الجميع فى مصر بالمصالحة لإعادة الهدوء إلى شوارعها والمساعدة فى نمو اقتصادها إلا أن جميع الشواهد تؤكد أن المناخ الحالى يبدو غير ملائم لإتمامها، فمازال الإخوان يصرون على تحقيق مطالب مستحيلة حتى تتم، فهم لا يرون فى ثورة 30 يونيو سوى أنها انقلاب، وكذلك يتمسكون بما يطلق عليه الشرعية التى أفرزها الصندوق، الذى سبق أن تم التلاعب فيه عن طريق بعض الاستمارات الانتخابية التى تم تسويدها فى المطابع الأميرية، بالإضافة إلى تمسكهم بضرورة عودة مندوبهم المعزول إلى قصر الرئاسة حتى يرتضوا بالمصالحة مع تعهد الجماعة وقادتها بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وألا سيكون هناك إجراءات تصعيدية أخرى والتى من ضمنها الاعتداءات المستمرة على جنودنا من رجال القوات المسلحة والشرطة فى سيناء، أو فى قطع الطرق و«إصبع» المواطنين فى شوارع وميادين مصرمثلما يحدث فى إشارة رابعة العدوية وأمام جامعة القاهرة، والكذب ليل نهار على البسطاء باسم الدين بما يقولونه لهم عن مهاجمة المتظاهرين أثناء تأديتهم فريضة الصلاة، كما يقول أحد قادتهم «العريان» ولم يجب أو يقول لنا هذا العريان عن حقيقة من يلقى بالحجارة من فوق كبارى أكتوبر وفيصل؟ وهل كانوا من المصلين أيضا؟
المصالحة مطلوبة ومهمة كما سبق أن أوضحنا فى الأسطر السابقة ولكن لمن يحبون مصر فعلا، أما من يرددون بين الوقت والآخر بأن قتلاهم فى الجنة وقتلانا فى النار، فهؤلاء لا يستحقون حتى عناء المحاولة للتصالح معهم.
نعلم أن الجماعة المحظورة تمر بأصعب مرحلة تمر بها طوال تاريخها بعد تذوقهم طعم الحكم والنفوذ ثم ضاعت منهم هذه الفرصة نتيجة لغباء قادتهم وقلة خبرتهم مما أدى إلى خسارتهم للشارع الذى وقف معهم وبجانب مندوبهم فى بادئ الأمر، ولكن ممارساتهم الخاطئة ولمندوبهم جعلت المصريينينتفضون ضدهم، مما أدى فى النهاية إلى عزل هذا المندوب ولم يعد أمام الجماعة وقادتها فى الوقت الحالى سوى الإقرار بالأمر الواقع والمشاركة فى العملية السياسية بالأسس الجديدة التى ارتضاها الشعب لأن مندوبهم لن يعود مرة أخرى إلى سدة الحكم.
على الجماعة أن تدرك أخيرا أن بيدها إنقاذ نفسها إذا أرادت كما أن بيدها أن تغلق باب الزنزانة على نفسها بما تفعله حاليا وترتكبه من جرائم فى حق مصر وشعبها.