
محمد جمال الدين
فى أحداث الكاتدرائية «الصمت» لن يجدى!
هل صحيح أن مصر دخلت بالفعل فى مرحلة التقسيم والضياع؟ وهل إغفال مطالب الأقباط أصبح أمرا متعمدا؟ وهل بعد أحداث العباسية الأخيرة لاتستحق الكاتدرائية من وزارة الداخلية الحماية، مثلها فى ذلك مثل مكتب الإرشاد فى المقطم؟
أسئلة حائرة وإن كانت منطقية يرددها رجل الشارع العادى ولايجد أمامه من يستطيع الإجابة عنها، فتحول بيت للعبادة إلى ساحة معركة بفعل فاعل، وأهدر دم المصريين فى الشارع على يد جهلاء لايستطيعون العيش إلا وسط الدم والنار والخراب، فى ظل قانون غائب لايتم تفعيله مما ينذر بل يؤكد بتكرار مثل هذه الحوادث طالما أننا نرتضى فى النهاية بالحلول العرفية ومجالس العرب، التى لا تنهى فتنة أو تحل مشكلة، وطالما لاتتم محاسبة من يتورطون فى أعمال العنف ضد الأقباط ودور عبادتهم وممتلكاتهم الخاصة.. فحتى الآن لم تظهر نتيجة التحقيقات الخاصة بالاعتداء على كنيسة «القديسين» فى الإسكندرية، وما سبقها من حوادث وما تلاها، والذى تمثل فى الاعتداء على كنيسة فى أطفيح، هذا بخلاف سرقة محلات بيع المجوهرات المملوكة لأقباط حتى وصل بنا الحال إلى التهجير الإجبارى للأقباط من منازلهم، نتيجة تكريس البعض للخطاب الطائفى الذى يعتمد محتواه الأساسى على كراهية الأقباط وعدم الاعتراف بحقوقهم طبقا للمواطنة باعتبارهم مواطنين مصريين.
المؤسف فى الأمر أن هذه الروح والسلوك الغريب علينا والذى لم يكن معتادا من قبل أصبح سمة من سمات المجتمع المصرى، خاصة فى هذه المرحلة التى أفرزت لنا رئيسا لمصر ينتمى لحزب يحسب على تيار الإسلام السياسى الذى يتعامل مع أحداث العنف الطائفى وكأن هناك مؤامرات خارجية وداخلية تحاك ضد الوطن، وتناسى قادة هذا التيار أنه وحتى الآن لم يكشف أى تحقيق عن المتسبب فى هذه الأحداث، وبالتالى لم يطبق القانون على أى جريمة وقعت فى حق الأقباط، واكتفت هذه القوى فقط ببيانات الشجب والرفض لهذه الحوادث، رغم أن بعض المنتمين لنفس هذا التيار يطلق بين الوقت والآخر تصريحات غير مسئولة تؤدى بنا إلى طريق الفتنة والتعصب مثل تلك التصريحات التى أطلقها «المدعو المغيرة» فتى الشاطر المدلل بأن الكنيسة تمتلك ميليشيات وأن الشباب الذى يطلق عليه «البلاك بلوك» هم من الأقباط، وهناك أيضا تصريحات محمد البلتاجى من عينة أن أغلب المتظاهرين أمام قصر الاتحادية آنذاك كانوا من الأقباط، وأخيرا التصريح الذى قال فيه الدكتور عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية لشئون العلاقات الخارجية والتعاون الدولى أن الأقباط هم من يتحملون مسئولية اندلاع أحداث العنف أمام الكاتدرائية بعد أن اعتدى شبابهم خلال تشييع جنازة الضحايا على السيارات والممتلكات الخاصة المتراصة والكائنة أمامها، هذا التصريح تحديدا اتهمه البعض بعدم الحيادية وأنه ظالم.
عقب بيان الحداد قال الدكتور صفوت عبدالغنى رئيس الهيئة البرلمانية لحزب البناء والتنمية التابع للجماعة الإسلامية كلمة فى مجلس الشورى حمل فيها الأقباط مسئولية بداية التعامل بنوع من التشدد الذى يقابله الطرف الآخر بتشدد مماثل، مما أدى إلى وقوع أزمة تحت قبة المجلس وانسحاب بعض الأعضاء من جراء ما قاله.تصريحات وبيانات وكلمات غير مسئولة تذهب بنا إلى تقسيم الأمة والوقيعة بين المصريين، يضاف إليها خطاب دينى يكرس التمييز ومعادٍ تماما للمواطنة.
ما حدث أمام الكاتدرائية ما هو إلا جرس إنذار أخير لايمكن التعامل معه بالصمت أو بالبيانات والكلمات والمجالس العرفية، بل لابد من التعامل معه بكل صراحة وشفافية وتقديم المتورطين فيه ولغيرها من أحداث للقانون لينال كل مجرم عقابه، وكذلك لابد من محاسبة المحرضين على هذه الأحداث لأنه بغير ذلك سنكتوى جميعا بنار الفتنة التى ستلتهم الأخضر واليابس.. ووقتها لن ينفع الندم.