
محمد جمال الدين
الشورى ضد المواطنة
لن يرحم التاريخ كل من ساهم وخطط ثم وافق على إقرار نص إلغاء حظر الشعارات الدينية فى الانتخابات.. فهؤلاء ساهموا بقصد وتعمد لا يحتمل اللبس فى تفتيت وإزكاء الفتنة والطائفية بين أبناء الشعب الواحد بفعلتهم هذه، صار هناك مسلم وآخر مسيحى وأصبح الحديث عن الوطن والمواطنة أمرا من قبيل الخيال.
المؤسف أن كل هذا يتم من أجل نيل مقعد فى البرلمان، لا يهم هنا كيفية الوصول إليه، وإنما المهم الحصول على هذا المقعد حتى لو كان على أشلاء الوطن الذى يعانى أصلا من الانقسام بين أغلب ما هو ليبرالى وأغلب ما هو إسلامى، ويبين للقاصى والدانى أن من وافقوا على هذا النص لديهم رغبة دفينة فى الاستحواذ على كل شىء فى الدولة، وأن ما يرددونه من كلام عن المشاركة والتوافق ليس له محل من الإعراب بعد أن جعل هؤلاء من أنفسهم أوصياء على الدين قبل أن يكونوا أوصياء علينا نحن بنى البشر، ولذلك يأخذون الدين كوسيلة للوصول إلى صوت المواطن قبل قلبه وإرادته عن طريق خداعه باسم الدين حتى يتم استدراجه إلى صندوق الانتخابات لنيل صوته، وبعد ذلك فليذهب هذا المواطن إلى الجحيم، فقد تم إيهامه والتغرير به تحت وهم شعاراتهم التى لا يطبقونها على أنفسهم.
وإلى هؤلاء أقول : أنتم واهمون فلن تستطيعوا أن تتمادوا فى هذا الخداع الذى تتقنونه إلى ما لا نهاية، لأن المواطن المصرى البسيط كشف حقيقتكم، كما أن محاولات السيطرة عليه لن تحدث مرة أخرى، وأن ما تفعلونه لا يعكس سوى حالة الارتباك التى تمرون بها، والتى أدت إلى فقدان شعبيتكم كنتيجة مباشرة للسقوط المروع لتجربتكم الوليدة التى تفتقد الرؤية والقدرة على حل مشاكل مصر سياسيًا واجتماعيا واقتصاديا، وعلى الرغم مما يحيط قراركم هذا بشبهة عدم الدستورية، فإن موافقة أعضاء تيار الإسلام السياسى فى مجلس الشورى على إلغاء حظر الشعارات الدينية فى الانتخابات تتسق مع ما يريده حكام مصر الجدد وجماعتهم، إلا أنها تثبت فى نفس الوقت أن جميع ما تتخذونه من قرارات لا يراعى فيها البعد الوطنى الذى يجب أن يتسم به كل مصرى محب لبلده، فهنيئا لكم ما ستجعلون البلاد تقدم عليه من إشعاٍل للفتن الطائفية وتزكية لروح التعصب الدينى الذى يرفض الآخر على طول الخط.
أيها الساعون إلى جر الوطن إلى حالة من الاحتراب الدينى، إن شعب مصر ليس فى حاجة إلى شعارات دينية حتى يسير خلفكم، أو يعطيكم أصواته، وإنما هو فى حاجة إلى برامج وخطط حقيقية وواضحة لحل مشاكله، خاصة بعد أن وصلتم إلى مقاعد السلطة.. كان من الجائز أن تستخدموا هذه الشعارات للوصول إلى السلطة فى عهد النظام البائد الذى كان يحول بينكم وبين المواطنين، الذين مازلتم تحاولون خداعهم والتغرير بهم رغم كشفه لحقيقتكم التى لن تستطيعوا الفرار منها حتى ولو بعد حين.