
محمد جمال الدين
التعديل المرفوض!
فى الوقت الذى يشيد فيه الرئيس السيسى بالدور المهم الذى تؤديه المرأة المصرية، وما تتمتع به من وعى وقدرة على تحمل المسؤولية، من أجل الدفاع عن قضايا الوطن ودفع مسيرة التنمية، يخرج علينا أحد نواب البرلمان بتصريحات يقول فيها: إنه سيتقدم بعدة تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، لمناقشتها فى دور الانعقاد الحالى، تمهيدًا لإصدار القانون.
النائب كشف عن تفاصيل التعديلات التى تقدَّم بها، والتى جاء من ضمنها اقتصار حالات الخلع للزوجة على حالة واحدة فقط، وهى أن تكون متضررة من الحالة الفسيولوجية «حالات الضعف الجنسى» فقط، لأن ترك الأمر للزوجات للخلع دون محدد، أحدث فوضى، مشيرًا إلى أن 75 % من حالات الطلاق تتم من خلال الخلع، كما أن حالات الخلع فى الإسلام، لم تتم إلا مرة واحدة وكانت لظروف قاسية.
تعديل نائب البرلمان الصادم لى ولغيرى، والذى تمهلت فى الكتابة عنه منذ خرج للنور من خلال تصريحاته، لعلى أجد من يعترض عليه أو حتى يناقش صاحبه، لم يلفت انتباه السادة المسئولين أعضاء المجلس القومى للمرأة، ( الذين لا هم لهم سوى الإطلال علينا بين الوقت والآخر، من خلال وسائل الإعلام المختلفة للحديث فى شئون ليس لها علاقة بالمرأة»، على اعتبار أنهم الجهة الرسمية المعنية بالمرأة المصرية وحقوقها، «وكأن التعديل إياه لقى قبول لديهم»، على الرغم من إثارته لردود فعل واسعة بين المصريات، اللواتى اقتصرت حياتهن على الجنس فقط ولا شيء سواه ( حسب تعديل نائب البرلمان )، رغم ما فى هذا من انتقاص واضح وصريح لحقوق المرأة المصرية التى كفلها لها الشرع والدستور، والذى بدوره يعيدها الى عصر الحريم والاسترقاق الذى ولى وذهبت أيامه دون رجعة، ولكن سيادة النائب وعضو لجنة حقوق الإنسان فى البرلمان، يبدو أنه تناسى عن عمد العديد من الحالات التى تؤدى الى استحالة استمرار العلاقة بين الرجل والمرأة التى تزوجها مما يدفعها دفعًا الى اللجوء للقضاء، حتى يفصل بينهما، أبسطها سوء المعاشرة أو عدم الإنفاق، ناهيك عن استخدام العنف ضدهن من قبل أزواجهن.
أما اختزال قانون الخلع فى الضعف الجنسى، الذى يريد عضو لجنة حقوق الإنسان أن يفرضه على المجتمع، من خلال تعديله الذى يفرغ القانون من أركانه ومفهومه ومحتواه، بحجة الحفاظ على تماسك الأسرة والمجتمع الذى زادت فيه حالات الطلاق «وفقًا لتصريحات سيادته»، فهو يتجاهل سواء بقصد أو من دون عدم الميل العاطفى من الزوجة تجاه زوجها، مخالفًا ما جاء فى حديث الخلع .. عندما جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِى دِينٍ وَلَا خُلُقٍ إِلَّا أَنِّى أَخَافُ الْكُفْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ فَرَدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ ففارقها) .. والذى من خلاله تتضح علة عدم الميل القلبى أو عدم التوافق العاطفى، أما غير هذا فلا علاقة له بالخلع، وإنما يطلق عليه التطليق للضرر، تعديل ينسف الهدف من الزواج أصلًا، الذى يهدف فى المقام الأول الى تكوين أسرة تقوم على المحبة والمودة والرحمة، فقيام الأسرة على أساس سليم يخلق مجتمعًا سويًا مترابطًا، أما إذا حلّت البغضاء والكراهية بين الزوجين محل المودة والرحمة، واستحالت العشرة بينهما، أحل الله التفريق بينهما من أجل العيش فى سلام وسكينة، لتربية الأطفال فى أجواء صحية، بعيدة جل البعد عن مشاعر البغض والكراهية، ولهذا أحل الله الطلاق والخلع لتحقيق التوازن بين الزوجين، فلم يحرم أيًا من الطرفين الحق فى إنهاء الحياة الزوجية غير المتوافقة، فالطلاق والخلع كلاهما شرع لعلاج مشكلات يتعذر معها التوافق، وكلاهما نظام عادل فى إطار تحقيق الهدف من الزواج، فالله سبحانه وتعالى أحل للزوج تطليق زوجته إذا استحالت الحياة بينهما من وجهة نظر الزوج، فإن الله سبحانه وتعالى أحل للمرأة الخلع لنفس السبب تحقيقًا لجوانب العدل الإلهى للخلق، وهى الأسباب الجوهرية التى أغفلها النائب، الذى يرى أن تعديله المقترح سيؤدى الى الحفاظ على الأسرة، بعد أن ارتفعت وتيرة الطلاق فى مجتمعنا بسبب قانون الخلع، حتى ولو كان بسبب «شخير» الزوج كما قال فى تصريحاته.