
هناء فتحى
ماذا لو لم تكن على الأرض أديان؟!
آلاف الأعوام من «ممارسة» الديانات السماوية والأرضية لم تمنع الأُسر من «ممارسة» طقوسها وتقاليدها القديمة بوأد المولودة الأنثى. وحتى اللحظة لا يزالون يفعلون، فهناك بشر يعيشون على الأطراف القريبة منا.. القريبة من بلاد الأنبياء والصحف الأولى، حيث تحرص قرى بأكملها على وأد البنات تباعًا أولًا بأول وأمام الناظرين.
آلاف أو ربما ملايين السنين من «ممارسة» الحياة بكل صخبها ومتعها وسحرها وانطلاقتها عبر البراحات البعيدة المذهلة ولا تزال هناك أُسَر كاملة يحفرون أنفاقًا مظلمة رطبة تحت الأرض ليعيشوا فيها حتى تأتيهم الساعة - الساعة الآتية بلا انتظار - والتى كانوا سيُقْبَرون فيها حتمًا وفى العتمة تحت الأرض - إنهم يرفضون انتظار الساعة فوق الأرض فى النور والهواء.. إنهم يرفضون أن يجربوا الحياه.. ولماذا يجربون ما هو زائل!
والحكايات التى معنا هنا الآن لن تدعو إلى السخرية وإن بدت كنكتة.
وهى لن تحض على الأسى وإن بدت ككارثة. لكنها تحرضنا على اتخاذ موقف جاد حيال هذا العالم العبثى، وإن بدا كوميديًا ومأساويًا معًا.. ولنعترف أننا نعيش ملهاة حديثة تحدّت كُتب الإغريق والكتب الدينية.. ولنعترف أننا لا نستحق الحياة.
سنلتقط حكاية مثيرةً من هولندا - بلاد سعيدة لا يعانى أهلها من فقر ولا بطش حاكم ولا سطوة دين - حدثت الأسبوع الماضى.. تقول: رب البيت وزوجته قررا أن يأخذا أولادهما وأن يحفُرا نفقاً أسفل مزرعة بيتهما ويتخذاه سكنًا ومكانًا أبديًا تاركين العالم وما به حتى يحين الأجل.. لقد أرادا انتظار نهاية العالم.. ولماذا يعيشان إن كانا سيموتان؟ وتلك فلسفة وحكمة ونظرية وأسئلة إجاباتها صعبة.. تكون سهلة لو قررنا ألا نتعامل «بشوية محفوظات»، بل بتأمل أكثر وبرحمة واسعة وباستقصاء إنسانى وطرح أسئلة آدمية عن كيف ولماذا وصلنا إلى تلك الحدود التى ظنناها بعيدة عن «طرف ثوبنا».. وهل نتجت هذه الأفكار عن تفريعات من نبع فلسفى أو دينى.. أم هى مجرد « طقاية مجانين»؟!
أما الحكاية الغريبة العجيبة تلك، فقد تم التقاطها بالصدفة حين خرج أحد أبناء الأسرة لأول مرة وبعد عشر سنواتٍ من تحت الأرض متسخًا رث الثياب وتوجه إلى بار قريب واحتسى خمس زجاجات من البيرة وبكى وصرخ فى الحاضرين وطلب المساعدة مؤكدًا أن مسار حياة وقرار والديه لا تروق له.. فالشاب ذو الثمانية عشرة عامًا يريد الحياة وليأته الموت حين يريد .. أما البوليس الذى يحقق فى الواقعة فوجد بالقبو ثلاثة أبناء آخرين ما بين 22 عامًا و16 عامًا منهم أنثى.. وأب مريض يتم التحقيق معه.. والأم لا وجود لها وتدور الشكوك حول موتها ودفنها منذ سنوات أو هربها.. حكاية خطيرة وصعبة التصديق ولم يكتبها مؤلف حتى الآن - ربما.
هل هى حكايانا الغرائبية التى تخلفها آلة الحرب الدائرة فى كل مكان؟ أم هى حكايا تحدثها الرتابة والسعادة والبغددة والعيشة الآمنة - هولندا لا تعيش حربًا.
مثل تلك الحكايا سنقرؤها مبهورين فى صفحات الروائيين وفى سِيَرْ الآخرين سنقرؤها ثم نغلق الكتب ونشكر خيال المؤلفين الذى ينقل الواقع بحذافيره.. وهى حكايا لا تطالعنا فى كتب التاريخ أبدًا فكتب التاريخ لا تُعنى إلا بالبطولات الزائفة.. بأمراء الحروب أثرياء تجارة الأرض والدم.
وستلتقط حكاية مثيرة من الهند حدثت الأسبوع الماضى.. من قرية هندية حين استيقظ السكان على صوت صراخ طفل - وجدوها أنثى- خارجًا من منطقة مدافن قريبة.. وحين حفروا ثلاثة أقدام تحت الأرض فوق الصوت المنبعث كانت طفلة جديدة موءودة تم دفنها حية ككثير من إناث القرية الظالم رجالها ونسائها.. الطفلة التى خرجت حبةً ماتت بعد ثلاثة أيام فى المستشفى متأثرة بعدوى فى الرئة جراء استنشاق تراب القبر.. وتم القبض على الأم والأب.. دائمًا يتم القبض على الأم والأب ثم يمارسان طقوس الوأد من جديد لو كانت أنثى.
تقول الأمم المتحدة إنها وجدت 151 قرية هندية تدفن إناثها وهُنّ حيات.
ثمة حكايا أخرى تصلح للنشر ليست أقل ولا أكثر واقعية سحرية من تلك المسرودة بالأعلى.