السبت 12 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
العصر الذهبى للفنون

العصر الذهبى للفنون


منذ عشرين عامًا كان فتى يافعًا متين البنيان متدفق الحيوية يطوف بأرجاء الحى فى رشاقة النحلة.. يمسح الأحذية.. ويروى النوادر والملح.. ها هو قد جف عوده وتغضن وجهه وأدركته شيخوخة مبكرة.. رحب بالبيك الأنيق وهو يمسح له حذاءه فى المقهى القديم الذى انقطع عنه منذ عشرين عامًا، حيث كانا يكافحان عدوًا مشتركًا هو الفقر على اختلاف موقعهما منه كنت فقيرًا حقًا.. ولكن الدنيا كانت رحيمة ويسيرة.
هكذا كانت.. ترى هل يخطر بباله أنه يملك عمارة وفيلا وسيارة؟!.
هل يتصور أنه يخاطب لصًا أريبًا فى ثوب موظف كبير؟!
الحياة أصبحت شاقة
جدًا.. جدًا.. جدًا يا بيك.
ولكنك مؤمن والإيمان كنز لا يُقدر بمال
الحمد لله
قديمًا كان العيش يتيسر لك ببضعة قروش حقًا.. ولكن كان يتسلط على البلد إقطاعيون يبذرون الملايين على ملاذهم.
انتهى أمرهم يا بيك.. ولكن حالى ازداد سوءًا
بسبب عملك فقط.. أما ملايين الفلاحين والعمال فقد تحسنت أحوالهم.
إنى لا ألقى إلا شاكيًا مثلى.. هل علينا أن ننتظر عشرين سنة أخرى؟!
لا أدرى.. قد يضحى بجيل فى سبيل الأجيال القادمة.
هكذا يدور الحوار بين البك وماسح الأحذية فى قصة «أهلًا» من مجموعة «الجريمة» «لنجيب محفوظ» والتى ينتقد فيها الثورة (52) نقدًا لاذعًا ومباشرًا.. ويركز حول معنى أن مفهوم العدالة الاجتماعية لم يتحقق بالشكل الأمثل الذى بشرت به الثورة وأن الفوارق الطبقية بين الناس مازالت متسعة:
ألم نكن نضحك من أعماق قلوبنا.. تذكر لقد رقصت يوم قامت الثورة.
ولقد تحققت الآمال ولولا سوء الحظ ولولا الأعداء.. ماذا كنت تتوقع؟!
زوال الظلم والفقر.. لقمة متوفرة.. مستقبل للأولاد
حصل ذلك كله.
واضح أنك تشكو كثرة العيال.. المدارس مفتوحة لاستقبال الجميع.
دخلوها وخرجوا كما دخلوا ولم ينجح أحد.
وما ذنب الثورة؟
لا ذنب لها ولكننا نسكن جميعًا فى حجرة واحدة وفى المدرسة لا يفهمون شيئًا.
إنكم تنشدون معجزة لا ثورة.
إنه حال أبناء الفقراء جميعًا.
فى هذا الإطار التهكمى ومنذ بداية الستينيات ظهرت الأعمال الأدبية وخاصة «لنجيب محفوظ» (السمان والخريف «62» – الطريق «64» – الشحاذ «65»- ثرثرة فوق النيل «66» – ميرامار «67»- أولاد حارتنا «67») التى تهاجم الثورة وتُدين حكم الفرد والسلطة الديكتاتورية والدولة الشمولية.. و«عبدالناصر».. وتسخر من نموذج «المستبد العادل» وتكرس لأزمة الديمقراطية والأساليب القمعية.. وتتضمن نقدًا إما صريحًا ومباشرًا وإما مغلفًا للتجربة الناصرية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وحضاريًا.. وأن الرقابة كانت تحاصر الفكر وحده.. لا الفن ولا الأدب.. والمقصود بذلك الفكر السياسى والاجتماعى لا الثقافى ولا الفنى.. والدليل على ذلك هو ازدهار الفنون والمكاسب الثقافية فى عهد «عبدالناصر» وهو ما يفسر الثراء الثقافى فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى.. ولولا ذلك ما ظهرت للوجود روايات «نجيب محفوظ» تلك ولا تم تحويلها إلى أفلام سينمائية.. بل ماكانت هذه المرحلة هى أهم مراحل السينما المصرية.. والمسرح المصرى.. ولما أبدع بالإضافة إلى «نجيب محفوظ» «يوسف إدريس» و«نعمان عاشور» و«سعد الدين وهبة» و«ألفريد فرج».. وفى السينما «صلاح أبوسيف» و«يوسف شاهين» و«حسين كمال» و«سعيد مرزوق» و«بركات».
وكان عصرًا ذهبيًا للسينما والمسرح والفنون عامة.