
عاطف بشاى
بيت الداء
تقول النكتة إن رجلاً كان يجلس مع أصدقائه فى مقهى بحى شعبى، فوجئ بهم يواجهونه بسخط وحدة واستنكار لسكوته الذى يشى بغفلته وتغاضيه بل موافقته على سلوك زوجته المشين المتمثل فى علاقة آثمة مع «إبراهيم الكهربائى» بالحى.. وهى تتجاسر على عدم إخفاء تلك العلاقة وذيوعها.. ويصمونه بأبشع الصفات بانعدام الرجولة والنخوة والكرامة.. فإذا به يرد عليهم ببرود وبساطه بقوله:
• طيب لعلمكم بقى «إبراهيم الكهربائى» ده لا هو كهربائى ولا يفهم شىء فى الكهرباء.
تذكرت هذه النكتة وأنا أتابع تداعيات إعلان الحكومة عزمها على إلغاء وجود التوكتوك واستبداله بوسيلة مواصلات أخرى هى سيارات «المينى فان» المرخصة وتعمل بالغاز الطبيعى.. فالبعض يوافق والبعض يستنكر.. والحقيقة أن النكتة تعبر فى أحد أوجه مدلولاتها الاجتماعية.. عن آفة تجاهلنا لجوهر القضية المثارة وبعدنا عنها بحلول جزئية لمشاكلنا لا تؤتى ثمارها.. ولا تحقق أهدافها لأنها لا تمثل «بيت الداء».
وبيت الداء الذى أعنيه تلك الفوضى المرورية المستشرية فى الشارع المصرى التى قد يكون التوكتوك أحد مظاهرها ولكنه بالطبع ليس المظهر الوحيد.. ولا لب الكارثة التى تحيط بنا فى كل مكان.. بل إنه فى أحد جوانبه يؤدى خدمة كبيرة لسكان العشوائيات.. والأحياء الشعبية التى تتسم بضيق شوارعها وحواريها التى لا تتسع لمرور وسائل المواصلات الأخرى بها.. كما أنه نظراً لصغر حجمه لا يشكل اختناقاً مرورياً ملحوظاً.. فأصبح بذلك وسيلة مواصلات رئيسية يعتمد عليها أكثر من ثلاثة ملايين مواطن يومياً من محدودى الدخل.. وتذكر الكاتبة الصحفية القديرة «عزة كامل» أنه طبقاً لإحصائية الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء وصل عدد التكاتك فى مصر إلى ثلاثة ملايين بالرغم من وجود تسعة وتسعين ألف توكتوك فقط تحمل تراخيص مرور.. وأنا أتفق معها تماماً أن إعدامه سوف يسبب كارثة باعتباره مصدر رزق صار أساسياً بالنسبة لملايين المواطنين من ملاك وسائقين.. مما سوف يزيد من نسب الفقر وتدنى مستوى المعيشة لأسر السائقين من المستفيدين من وجود التوكتوك.. مما يسهم فى مزيد من البطالة وبالتالى ارتفاع معدل الجريمة.
المهم أننا إذا عدنا للحديث عن بيت الداء أو جوهر القضية فإن الطامة الكبرى تتمثل فى عدة مظاهر مؤسفة تفاقمت تفاقماً مزرياً ينذر بعواقب وخيمة لعل أقربها إلى الأذهان مرور عربة مكدسة بقنابل يقودها رجل مفخخ يفجر نفسه مدمراً مستشفى الأورام.. وكان يقود السيارة فى الاتجاه العكسى.. وشوارع العاصمة معظمها إن لم تكن كلها تصطف السيارات للركن صفوفاً أولى وثانية وربما ثالثة موازية للأرصفة أو عمودية عليها فلا يبقى من شارع يحتوى مثلاً على ثلاث أو أربع حارات إلا حارة واحدة تسير فيها السيارات.. كما تختلط كل أنواع السيارات وتتداخل وتتقاطع وتتصارع وتتصادم سيارات ملاكى وأجرة وميكروباصات ودراجات وموتوسيكلات وأتوبيسات وسيارات نقل بل وعربات كارو وقمامة فى عجينة واحدة تزهق بداخلها أنفاس راكبيها ويشيعون إزعاجاً مريعاً من التلوث السمعى بإطلاق آلات التنبيه المتواصلة.. وأغانى «حمو» و«بيكا» و«حمبوزو» من كاسيتات التاكسيات والتوكتوك بينما يفرض «السياس» (بلطجية الأرصفة) سطوتهم على الشوارع.. (وهى مهنة طفيلية لا نجد لها مثيلاً فى الدول المتقدمة).
والذين يسافرون إلى عواصم العالم المختلفة يلاحظون مثلاً أن باريس أو لندن شوارعها الرئيسية لا تزيد اتساعاً عن الشوارع الرئيسية بالقاهرة ولكنها تخلو من السيارات المركونة فتتسع بالتالى لمرور عدد كبير من السيارات.. ومهما كان الازدحام كبيراً فلا توجد اختناقات مرورية.. بالإضافة إلى وجود حارات مخصصة للدراجات البخارية والإسكوتر والموتوسيكلات.
فأى مظهر غير حضارى ذلك الذى تلوكه ألسنة هؤلاء المتأنقون المتأففون من عينة (عزيز بيه الأليت) التى ابتكرها الساخر الكبير الراحل «أحمد رجب» المتضررون من وجود التوكتوك فى شوارع القاهرة المكتظة بفوضى مرورية طاحنة والتى تتكدس على جانبيها تلال من القمامة وتهبط منها عشرات المقاهى إلى عرض الطريق بينما الأرصفة يحتلها الباعة الجائلون واستاندات منتجات المحلات التجارية والشحاذون وأكشاك السجائر ومعارض السيارات.
ليس بإعدام التوكتوك وحده تنصلح أحوال الشارع المصرى.