
محمد جمال الدين
تعليم سيئ السمعة ؟!
«أهو حصل على شهادة والسلام»، هذه هى الجملة المعتادة التى يكررها أولياء أمور الطلاب، الذين شاء حظهم العثر أن يلتحقوا بالتعليم الفنى، أو بمعنى أصح «تعليم الصنايع الضايع» الذى لم يجد طلاب هذا النوع من التعليم ما يدرسونه داخل مدارسهم، فهجروها للعمل كسائقي توك توك أو «فواعلية» فى مجال المعمار، هذا هو حال تعليم الصنايع فى مصر وحال خريجيه وأولياء أمورهم، وبدلًا من أن يكون هذا النوع من التعليم هو طوق النجاة والقاطرة التى تصل بمصر إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديًا، أصبح وللأسف وسيلة من وسائل التخلف والجهل وإهدار المال دون فائدة تذكر.. ولكن من المسئول أو المتسبب الذى جعل تعليم «الصنايع» يصل إلى هذا الحد ؟، الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى تفكير، الجميع حكومةً وشعبًا مسئول عن هذا الوضع المتردى لهذا التعليم، فمازال المجتمع ينظر إلى خريجيه نظرة دونية، لا رحمة أو شفقة فيها، ولذلك ترفض أغلب الأسر المصرية العريس المتقدم للزواج من بناتها لأنه خريج صنايع، فى حين أنهم يفضلون من يحمل شهادة عليا حتى ولو كان عاطلًا عن العمل، كما أن الحكومة نفسها أهملت ولفترات كبيرة التعليم الفنى، فهى لم تسع إلى توفير فرص عمل مناسبة لمن تلقى هذا التعليم، فساعدت فى رفع معدل البطالة بين الشباب، كما أنها لم تعد هذا الخريج الإعداد الكافى الذى يضمن له الحصول على فرصة عمل فى السوق طبقا لما درسه «هذا فى حالة لو كان درس شيئا فى الأساس»، فمناهج التعليم الفنى لم تمسسها يد التطوير منذ فترات طويلة، كما أن فرص التدريب العملى شبه متوقفة أو منعدمة، فحال الورش والمعامل «لا يسر عدو أو حبيب» وضربت يد الإهمال جل أركانها، والمواد الخام المخصصة للبحث أو التدريب غير متوافرة، وهذا ما جعل طلاب التعليم الفنى يهجرون مدارسهم للبحث عن فرص عمل، مثلما هجرها المدرسون العاملون بها، فهم أيضا ينظر إليهم على أنهم «أسطوات» وليسوا أساتذة، ووزارة التعليم نفسها ترى أنهم أقل من مساواتهم بنظرائهم فى التعليم العام، من حيث الاهتمام والإعداد والرواتب، مما جعل العديد منهم يعمل فى مهن أخرى لسد احتياجات أسرهم المادية، وهذا ما جعل التعليم الفنى «صنايع تجارى زراعى» لا يعد تعليمًا حقيقيًا، ولا يتعدى سوى كونه مجرد شهادة وسنوات عمر ضائعة على من التحق به وعلى البلد، وهذا تحديدًا ما جعل الجميع «طلبة وأولياء أمور وأساتذة» يعزفون عنه للبحث عن فرص عمل أخرى توفر لهم سبل الحياة، وعلى الرغم من أن مشاكل هذا النوع من التعليم معروفة منذ زمن طويل، ولكننا لم نسع لتقديم الحلول الصحيحة التى تنهض به، لذلك اختفى من قاموس حياتنا العامل المهنى المدرب الذى يملك ضميرًًا مهنيًا يجعل الفرد منا لا يطلبه بين الحين والآخر فى حال تكرار العيب بعد إصلاحه، وكما اختفى المهنى المصرى فى بلده، اختفى أيضًا فى الدول الخارجية التى كانت تسعى للتعاقد معه، لحرفيته ومهنيته الكبيرة، وحل بدلًا منه العامل الهندى أو السينغافورى أو التايلندى، ومن أجل تصحيح هذا المفهوم الخاطئ عن التعليم الفنى علينا أن نغير نظرة المجتمع للملتحقين بهذا التعليم، والبداية يجب أن تكون من الإعلام بحيث يقوم بدوره بتوعية الناس وتوضيح أهميته ودوره فى حياة الشعوب وربطه بسوق العمل، مع ضرورة أن توفر الحكومة جل السبل المتاحة والمتطورة لضمان نجاح هذا التعليم، بداية من الورش والمعامل والماكينات الحديثة وتوفير المواد الخام، وكذلك الاهتمام بتطوير ورعاية من يقومون بالتدريس فيه ماديًا وأدبيًا وتأهيلهم فى الخارج إذا لزم الأمر، مع ضرورة منح الطلبة المتفوقين فيه فرصة استكمال دراستهم العليا فى الجامعات والأكاديميات التى تختص بهذا النوع من التعليم، بعيدا عن الشروط الحالية المعجزة لهم.. بتلك البنود مجتمعة يمكن أن يكون هناك أمل ورجاء من التحاق أبنائنا بالتعليم الفنى، وقد يتحقق هذا الأمل والتمنى والحل كما أكد البعض مؤخرًا عندما نتوسع فى إقامة المدارس التكنولوجية التطبيقية التى ستكون القاطرة فى تطوير التعليم الفنى، مثلما حدث فى مدرسة العربى للتكنولوجيا التطبيقية، «التى افتتحها الرئيس السيسى عبر الفيديو كونفرانس أيمانا منه بأهمية التعليم الفنى»، والتى تعد أول مدرسة تم تشغيلها بالتعاون مع وزارتى الصناعة والتربية والتعليم والتابعة لنظام التعليم المزدوج، التدريس بها يكون على مدار 3 أيام فى المدرسة ويومين فى المصنع، و35 ساعة دراسة أسبوعيًا، فى تخصصات الميكانيكا والكهرباء والتكييف والتبريد، ويحصل الطلاب بها على مرتب ووجبة وزى مدرسى ووسيلة انتقال، وتضمن فرص عمل لخريجيها المتميزين فى مصانع العربى أو غيره من المصانع الأخرى، مثل هذه المدارس هى التى نأمل أن يدرس بها التعليم الفنى بالمشاركة مع القطاع الخاص والمستثمرين المصريين، حتى تكون فاتحة خير على مصر الذى تنتظر منه الكثير.