للصبر حدود
هذا العنوان مرادف لعنوان أو اسم أغنية شهيرة تغنت بها سيدة الغناء العربى المرحومة «أم كلثوم» على أنغام موسيقارنا الكبير المرحوم «محمد الموجى»، وهذه الأغنية أو هذا العنوان فيه من الدلالات التى يمكن أن نطبقها على مجريات كثيرة فى حياتنا اليومية، ليس فقط على وصف علاقة «حبيب وحبيبة» وفقدان الصبر بينهما!
نحن فى «مصر» نعيش حالة من القلق والشجن وأيضا حالة من التوتر وعدم الاطمئنان على الغد، فنحن جميعا، كل فئات المجتمع، مستنفرة ومستفزة، وفئات كثيرة فى المجتمع توترت العلاقات فيما بينها وكأن بينها «ثأرا» رغم أن المنافسة تتم بين المتشابهات، فمثلا مقبول أن تكون هناك منافسة بين المهندسين فى طائفة أو مهنة الهندسة، ويمكن أن يكون هناك تنافس بين فنانين وبعضهم البعض.
يجوز ذلك بين أعضاء المهنة الواحدة، ولكن من غير المقبول أن نجد المجتمع بفئاته وطوائفه المختلفة قد أصابهم جميعا هذا التوتر، وأصبح بينهم تربص، فكل فئة ترى فى الأخرى إن استحقت شيئا من السلطة أو الثروة أو المنصب الاجتماعى ما كان يجب أن تستحقها وحدها، بل يجب أن ينالها غيرها من الطوائف، وهكذا أصبح المجتمع كله يعيش على سطح صفيح ساخن!!.
وتفاجئنا الأحداث الصغيرة بمصائب كبيرة، لم نكن أبدا نحلم بأن نمارسها أو نعايشها فى مجتمعنا مصر، ولعل الأحداث الجارية الآن تدعونا إلى أهمية التوقف قليلا لرصدها، حيث تمثل من الخطورة على استقرار هذا الوطن خطورة جمة، خطورة أكيدة.
إن وصول الإسلاميين وعلى رأسهم «جماعة الإخوان المسلمين» إلى سدة الحكم فى البلاد، وسيطرة الجماعات الملتحفة بالدين الإسلامى على مناحى الحياة الاجتماعية والسياسية، بل وصلت إلى الأمنية أيضا، جعلت التوتر يزيد بين طوائف المجتمع، خاصة بعد أن تزعم أحدهم طائفته وجماعته وأصبح يمثل خطرا على مؤسسات الدولة.. بل إن هذه الميلشيات أصبحت منظمة بشكل يثير الشك فى أنهم يتحركون تحت غطاء من الموافقة من أعلى سلطة فى البلاد، وهى السلطة الدستورية الوحيدة القادرة على الفصل فى المواقف وتحديد المواقع والحركة فى البلاد «مؤسسة رئاسة الجمهورية»، أصبحت تلك الجماعات المهددة لأى ممن يخرج عن الخط الذى رسموه منذ توليهم سلطة الرئاسة، ووصولهم إلى السطو على المجلس النيابى الوحيد فى البلاد، ثم أخيرا استطاعوا أن يمرروا «الدستور» بمواد كما أرادوها، دون توافق يذكر عليه من المجتمع أو حتى من أعضاء الجمعية التأسيسية، وهكذا يعدون أيضا الآن للاستيلاء على «البرلمان» بإخراج مواد فى قانون الانتخابات تسمح للسلطة القائمة بتزوير الانتخابات، تزويرا سهلا مريحا دون رقابة قضائية فعالة، وكله بالقانون!!
إن ما وصلت إليه الحالة فى البلاد من استهتار حكومى بالأحداث اليومية من قتل مستمر يومى، عبر إهمال فى الخدمات العامة للمواطنين، سواء عن طريق فشل بالسكك الحديدية، أو تسيب كامل فى المرور على الطرق السريعة والدائرية، أو إهمال فى المحليات أمام مخالفات جسيمة واضحة فى المبانى السكنية، تقوم بقتل المصريين تحت أنقاضها يوميا دون خجل من أحد، ورئيس الحكومة كل ما استطاع أن يفعله أن يتبرع بجزء من «دمه» فأثار الناس عليه حيث وصفوه بأنه من البشر عديمى «الدم» و «الكرامة» بأن يحتل مقعد رئيس حكومة غير فاعلة فى المجتمع، لا يمكن أبدا أن يكون لدينا من الصبر على مثل هذه الأحداث، التى يمكن أن تجعلنا بين لحظة وأخرى فى موقف لا نحسد عليه كأمة، ولا شك أننا فى أشد الحاجة إلى رؤية جديدة، ربما تكون بقرار رئاسى بتغيير تلك الحكومة، وتغيير السياسات القائمة والاستعانة بأهل الخبرة وليس بأهل الثقة، ربما يكون لدينا احتياج لحكومة ذات عناصر إيجابية أكثر ومواهب جديدة أحدث، ربما نكون فى احتياج لنسيان الماضى ذي الحيثيات الغبية المتميزة بالعنصرية والتفرقة على أساس حزبى قديم زال وانتهى، ربما نكون في احتياج لتوافق جديد يقوده «رئيس الجمهورية» وهو وحده القادر على إتخاذ مثل هذا القرار قبل ان يأخذ شعب مصر قرار بخلع النظام كله .